إستكمالاً للجزء الأول الذي تناولنا فيه نشأة المايسترو عبد الحليم كركلا، وإنطلاقته الفنية، وإنتقاله من لبنان إلى العالمية، نعرض لكم في هذا الجزء الثاني، المسار الذي خطه كركلا برفقة كبار الفنانين والشعراء، الذين رافقوه خلال مسيرته، في أرقى المحافل العربية والدولية.
سعيد عقل الأب الروحي لـ كركلا
علاقة صداقة وتنوير جمعت المايسترو عبد الحليم كركلا والشاعر سعيد عقل، فكان عقل المنارة التي تضيء له الدرب، والشاعر الذي كتب في كل عمل من أعمال كركلا حتى رحيله.
بعد رحيل سعيد عقل، إستذكر كركلا كل المراحل التي عايشها مع الشاعر، الذي كان أول من كتب له عملاً مسرحياً، وأول دلعونة، وبقي يزوده بكل ما يلزم من قصائد شعرية حتى النهاية.
أحب عقل كركلا كما لو كان إبنه، فكتب له "أليسار ملكة قرطاج" بمبادرة فردية منه، وشجعه على تنفذيها، ليعود بعدها ويعمل بتشجيعه على إنجاز مسرحية "الأندلس، المجد الضائع" وغيرها.
يعتبر كركلا أنه إبن سعيد عقل بالتبني الفني والثقافي، ولم يكن أحد في الوسط الثقافي أقرب إليه منه، فكان يبث فيه روح الرفعة وعدم الرضوخ.
رفض عقل العديد من الأفكار التي أراد كركلا إدخالها في أعماله الفنية، فكان يرفض فكرة تمجيد الأشخاص، ويصر على تكريم الوطن والشعب.
صراع العروبة بين كركلا وعقل
رغم المحبة الطاغية على كل مسارات حياتهما، إلا أن خلاف العروبة بقي سائداً بينهما، فـ عقل الذي طالب بإستبدال الحرف العربي، والإنتصار للعامية، وضع كركلا في حيرة من أمره، حتى أنه رفض هذه الفكرة، مؤكداً أن الأصول التي نشأ عليها لا يجب أن تتغير، فقد تتغير وجهات النظر، ولكل منهما رأيه، إلا أن ما يؤمن به المرء هو ما يدوم للأبد.
عبد الحليم كركلا وإعجابه بصوت فيروز
لم يخفِ كركلا إعجابه الشديد بصوت السيدة فيروز، ودائماً ما يؤكد في العديد من المقابلات الصحفية، أن الصوت الفيروزي له وقع خاص على الأذن عند كلّ الشعوب، مشيراً إلى أن فيروز أيقونة لا تعاد في أي زمن، وُجدت ليقترن الزمن باسمها، فهي القادرة على الحفظ وإمتلاك الأغنية بسرعة كبيرة، وهي تحمل الأغنية إلى مكان آخر، حيث لها الحكمة والإتقان، فلا تلفظ كلمة واحدة لا نفهمها.
عبد الحليم كركلا وإعجابه بصوت فيروز
لم يخفِ كركلا إعجابه الشديد بصوت السيدة فيروز، ودائماً ما يؤكد في العديد من المقابلات الصحفية، أن الصوت الفيروزي له وقع خاص على الأذن عند كلّ الشعوب، مشيراً إلى أن فيروز أيقونة لا تعاد في أي زمن، وُجدت ليقترن الزمن باسمها.
كركلا والأخوان رحباني وتعاونهما في مهرجانات بعلبك
تعاون كركلا للمرة الأولى مع الأخوين الرحباني عندما كان لايزال طالباً في لندن، في مسرحية "أيام فخر الدين" ضمن مهرجانات بعلبك الدولية عام 1966. ليجمعهما بعدها عملان قُدما في بعلبك أيضًا، وهما: "جبال الصوان"عام 1969 و"قصيدة حب" عام 1974.
وجمعت المايسترو كركلا علاقة تفاعل رائعة مع الأخوين الرحباني، حيث اجتمعت موهبة كركلا بعبقرية عاصي ومنصور، اللذين أوجدا بأعمالهما أول شكل فني للأوبيرت الغنائية في لبنان والتي جاءت بأرقى إبداع شكلاً ومضمونًا وبمستوى ثقافي وفني رائد.
زكي ناصيف: رائد الموسيقى في مسرح كركلا
تعاون الملحن والفنان زكي ناصيف مع عبد الحليم كركلا ضمن مرحلة الحرب اللبنانية (1975 -1990)، وكانت باكورة هذا التعاون "اليوم، بكرا، مبارح" (1972)، تبعها "غرائب العجائب وعجائب الغرائب" (1975)، "الخيام السود" (1978)، "طلقة النور" (1980)، "حكاية كل زمان" (1982)، "أصداء" (1985) و"حلم ليلة شرق" (1990) ، إلا أن هناك العديد من الأمور التي بقيت مبهمة في تلك الفترة لا يعرفها إلا القليلون، فـ زكي ناصيف تبنى رسالة كركلا في تلك الفترة، ساعياً لإنجاح تلك المسيرة الثقافية اللبنانية، "خلال 18 عاماً من العمل المشترك، كان زكي ناصيف عراباً لمسيرة الفرقة بعطائه الدائم وكتابته لأجمل الألحان الفولكلورية التي تمايلت عليها أجساد فرقة مسرح كركلا، فساهم بخلق فرح بصري- سمعي للجمهور في رحلاته إلى بقاع الأرض".
بعلبك حاضنة عاصي الحلاني وكارول صقر وكارول سماحة وغيرهم من النجوم مع كركلا
شارك الفنان عاصي الحلاني في عملين من أعمال مسرح كركلا، وهي مسرحية "زايد والحلم" عام 2008، والتي تم إفتتاحها في أبوظبي، ومسرحية "أوبرا الضيعة" عام 2009، التي تم إفتتاحها في بعلبك، وكان عاصي بموهبته الشخصية قادرًا على لعب دوره بامتياز مطربًا وممثلاً يزرع الفرح في قلوب المشاهدين.
وقد شارك في مسرحية "أوبرا الضيعة" أهم نجوم المسرح والغناء السيدة هدى حداد، جوزيف عازار، عاصي الحلاني، ألين لحود، سيمون عبيد، غبريال يمين، برج فازيليان، رفعت طربيه، نبيل كرم، فهمان، أسعد وغيرهم.
أما بالنسبة لمشاركة الفنانة كارول صقر، فكانت في مسرحية "بليلة قمر"، التي تم إفتتاحها في بعلبك عام 1999، وهي مسرحية غنائية راقصة مستوحاة من"Much Ado About Nothing" للكاتب وليام شكسبير، وكانت كارول صقر من أروع ما يكون في غنائها وتمثيلها للدراما الشكسبيرية، وقد شارك في هذا العمل نجوم المسرح والغناء أنطوان كرباج، إيلي شويري، جوزيف عازار، كارول سماحة، عصام رجي، جوزيف ناصيف، رفعت طربيه، سيمون عبيد وغيرهم.
كارول سماحة، نجمة الفرح والجمال معاً، هي من لعبت الدور في إفتتاحية العمل في بعلبك، لتأخذ بعدها كارول صقر الدور خلال عرض العمل في مسرح الكازينو في بيروت.
أنطوان كرباج، رفعت طربيه وغبريال يمين رواة كركلا
في بعض المسرحيات، كان يتطلب المضمون والتسلسل الدرامي للقصة وجود راوٍ، وقد لعب هذا الدور نخبة من نجوم المسرح في لبنان: الممثل أنطوان كرباج في مسرحية "ألفا ليلة وليلة"، وغبريال يمين في مسرحية "زايد والحلم"، ومسرحية "جميل وبثينة"، والممثل رفعت طربيه في مسرحية "كان ياما كان" ومسرحية "إبحار في الزمن على طريق الحرير".
ومنذ بداية مسيرة كركلا الفنية، كان الشاعر الكبير سعيد عقل، الذي كان بمثابة الأب الروحي لـ كركلا (كما ذكرنا سابقاً)، يقدم له قصيدتين أو ثلاثًا، ويسجلها بصوته، من هنا تم إستعمال بعضٍ منها بصوته في المسرحيات الآتية: "لبنان عبر التاريخ"، "أليسار ملكة قرطاج"، "الأندلس المجد الضائع"،"أوبرا الضيعة"، "إبحار في الزمن على طريق الحرير" و"فينيقيا الأمس واليوم".
عمر كركلا
"عميد الفرقة" الجندي المجهول ضمن فرقة كركلا، والذي لا يزال يرافق شقيقه عبد الحليم في كل خطوة يخطوها ضمن أي مهرجان، وهو الذي لطالما لعب دوره كعميد الفولكلور اللبناني منذ البداية وكان دوره يعكس أهمية التراث ومكانته الفنية. هو أشهر من أن يعرف، هو النجم الكبير فما زال الناس يقفون ليحيّوه، كلما قام لينهي دوره في كل رقصة فولكلورية بتعبيره الشعبي وبحركاته العفوية للدبكة اللبنانية البعلبكية.
فقفزه في الهواء ليعانق الأرض بكل سلاسة، ويحني جسده للخلف وهو يلوح بيده في الأعلى، هو المشهد الأخير الذي لا ينسى لكل من شاهد "فرقة كركلا".