بعد طول غياب عن البلد الذي أحبه وعشق ترابه وتنفس شموخ أرزه على الدوام، عاد هذه المرة متحدياً كل الظروف الأخيرة التي عصفت بلبنان.
عاد الفنان اللبناني زين العمر من كندا إلى مسرح كازينو لبنان، مشرقاً كشمس بلدته، ممتلئاً حباً وحماساً وصوتاً وألقاً متجدداً، متمسكاً بلونه الغنائي الأصيل، والسبب أنه ابن جيل الفن العريق.
لا نبالغ لو قلنا إن زين العمر هو من أبرز النجوم الذين يملكون خامة صوتية كبيرة، بعد جيل الموسيقار ملحم بركات. هذه الخامة من قماشة الكبار، وهي قادرة أن تغني كل الألوان الغنائية بانسياب وسلاسة، من دون تكلف، وبعيداً من "التمغيط"، والعرب الزائدة، والتي تشوه الأغنية في الكثير من الأحيان.
زين العمر حريص حتى الساعة، على اختيار مواضيع الأعمال الفنية التي يقدمها، فهو يعتبر فنه مقدساً، ولا يجوز الانحدار به إلى بازار الأغنيات السائدة اليوم، والتي تعتبر تجارية بحت. والأهم أن زين من أكثر النجوم اللبنانيين الذين كرموا المرأة في أغنياتهم، كما أشاد بفكرها وجمالها.
في العودة إلى اطلالته على مسرح كازينو لبنان، فقد أحيا زين سهرة من العمر بالزي الأبيض، محاطاً بشقيقه إيلي، وولديه وعائلته الكبيرة، التحف فيها الأداء الرائع، وعاش مع جمهوره اللبناني والعربي أجواء ساحرة خلابة أصيلة، امتدت حتى ساعات الصباح الأولى.
حرص زين على تقديم وصلات غنائية متنوعة، قدم من خلالها أغنياته القديمة، منها "زتي عنك هالمريول" و كزدرنا وطال المشوار" و"كرجة مي"، بالإضافة إلى ميدلي من الأغنيات الوطنية "يا لبنان دخل ترابك" و "بكتب اسمك يا بلادي" وتعلى وتتعمر يا دار"، كما غنى الأغنية الوطنية "يا صمتي يا معذبني".
وغنى زين أغنية "عايل"، التي أثارت حماسة الجمهور الحاضر، خصوصاً أن فرقته الموسيقية بقيادة المايسترو فادي عزو، أبدعت عزفاً وتناغماً وانسجاماً في الأمسية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض أعضاء الفرقة كانوا يعزفون مع الموسيقار الراحل ملحم بركات والبعض الآخر هم من أهم العناصر الموجودة في الأوركسترا اللبنانية.
خلال اللازمة الموسيقية لأغنية "عايل"، أدخل المايسترو فادي عزو مقطعاً من موسيقى رأفت الهجان، للمؤلف الموسيقي عمار الشريعي، وكان الميكساج ناجحاً، والطبقات الموسيقية متناسقة جداً.
زين الذي رافقته فرقة التراث اللبنانية للزفة برئاسة مروان كيروز، وقدمت وصلتها التراثية على العديد من أغنياته، لم يبخل على جمهوره الحاضر بتقديمه أغنيته الجديدة "يا نيالي"، التي لاقت ترحيباً خاصاً وتصفيقاً من الجمهور، وهنا لا بد من الإشادة بنسبة المشاهدات العالية التي تحققها الأغنية عبر يوتيوب، حيث تخطت المليوني مشاهدة. زين السعيد بهذه الأرقام، وعدنا بإصدار أغنية جديدة بعد ثلاثة أسابيع.
وخلال اعتلائي المسرح إلى جانب هذا الكبير من بلدي، لأقول إن في الوطنية من يحارب بالكلمة، ومن يحارب بالسيف، ومن يحارب بالأغنية، وهو زين العمر، أو الاسم الأحب إلى قلبي طوني حدشيتي، لأنه من بلد أرز الرب "حدشيت"، والذي آمن بالأغنية، فقدم رائعته الوطنية "ساكت ما بدك تحكي"، وفي النهاية سكتوا هم، واستمر زين بالغناء، وواصلنا مهنتنا في الكلمة والكتابة، وذلك عقب تعرضنا للتوقيف والتحقيق، بسبب دعمنا لهذه الأغنية، التي توصف الواقع المزري في لبنان حتى وقتنا هذا.
في الختام، لا بد من كلمة فصل نقارب فيها هذا الصوت الكبير، الذي يعتبر امتداداً لعصر الكبار، وصورة للحداثة الراقية المحافظة على نفحات الأصالة، والتي لا تحيد عن الأصول. زين العمر اسم يفتخر بفنه كل لبناني، وبأخلاقه وطيبته، ويضرب المثل به لتكتمل معه ثلاثية النجومية أصالة، أداء وأخلاق.
