هي رحلة من الإبهار، قادتها الفنانة اللبنانية ليال نعمة، فحملتنا بصوتها إلى أعلى قمة في جبل الإبداع، وأطربت آذاننا بصوتها الجميل وأدائها الرائع، ولامست قلوبنا بإحساسها العالي.
بدعوة من اللجنة الثقافية في الرابطة السريانية في لبنان، أحيت الفنانة ليال نعمة أمسية غنائية لبنانية-سريانية بعنوان "أحلام ملونة"، وهو عنوان ألبوم ليال الذي أطلقته منذ ثلاث سنوات، ولكن بسبب انتشار فيروس كورونا حينها وانفجار مرفأ بيروت والأوضاع الصعبة المتفرقة، لم توقع ليال ألبومها هذا، فوقعته بعد حفلها الذي أقيم على مسرح بيار أبو خاطر في جامعة القديس يوسف طريق الشام.
لأكثر من ساعة ونصف الساعة، تألقت ليال نعمة حضوراً، وأبدعت غناءً، محلقة بصوتها بالعديد من لغات العالم، فاستمتعنا بغنائها باللهجة اللبنانية، وباللغة العربية الفصحى، وباللغات السريانية والفرنسية والإنجليزية والأرمنية والهندية.
قدمت الحفل الإعلامية رلى أبو زيد، بدرجة عالية من الإحتراف كما عودتنا، وألقى رئيس الرابطة السريانية في لبنان حبيب افرام، كلمة جاء فيها: "قد يعتبر البعض أننا إنتهينا، مجازر، اقتلاع، إرهاب، لكن قد تحيي الموسيقى ما مات فينا. بعد اليأس والقهر والفساد والسرقات وتفجير بيروت، وانهيار مفهوم الدولة والقانون وحقوق الإنسان، نقاوم بالفن، باللغة، باللحن، بالفرح، لأننا نستحق الحياة بعد". وأضاف: "سندعم كل من يبشر بتراثنا، بتاريخنا، فكيف مع ليال المارونية العائدة إلى جذورها في ألبوم باللغة السريانية المقدسة، اللغة مرآة الأمة".
ثم أطلت الفنانة ليال نعمة، برفقة الفرقة الموسيقية، بيانو شربل منصور، عود إيلي نعمة، كمان هيثم روفايل ودربكة إبراهيم ديب، وأبدعت في غناء أغنيات خاصة لها، وأغنيات لكبار الفنانين، نذكر منهم وديع الصافي، وردة، زكي ناصيف، سلوى القطريب، مروان محفوظ، ماجدة الرومي وإنريكو ماسياس، ومن بين الأغنيات التي غنتها ليال "إيام"، "سرقني الزمان"، "خدني حبيبي"، "طلوا حبابنا"، "J’ai Quitté Mon Pays"، "شو في خلف البحر"، "طلعت يا محلا نورها"، "أنا آرامية"، "بكرا إلنا"، أغنية هندية، أغنية أرمنية، ميدلي من أغنيات ألبوم "أحلام ملونة" و"نقيلي أحلى زهرة".
وكرمت الرابطة مدير قناة السومرية شفيق تابت تقديراً لدعمه الثقافة السريانية وعطاءاته في المجال الإنساني، وسلمه الدرع التكريمي المطران ميخائيل شمعون، كما كرمت الرابطة الفنانة ليال نعمة تقديراً لإحيائها التراث السرياني عبر الأغنية والكلمة واللحن، وسلمها الدرع التكريمي رئيس الجامعة اليسوعية الأب سليم دكاش.
موقع "الفن" الذي كان حاضراً في هذه الأمسية الغنائية، إلتقى الفنانة ليال نعمة، وكان لنا معها هذا الحوار.
لماذا قررتِ أن تغني باللغة السريانية؟
بدأت القصة مع أغنية "أنا آرامية" من كلمات وألحان ميلاد عبدال المقيم في السويد، والتي أطلقتها عام 2015، إذ سألني عبدال حينها، إن كنت أحب أن أغني أغنية سريانية، فلم أتردد في غنائها، واكتشفت كم أن السريانية هي لغة جميلة ومشبعة موسيقياً. أصبح الدي اليوم 8 أغنيات باللغة السريانية العامية، وليس بالسريانية الفصحى، ضمن ألبوم "أحلام ملونة"، وهي بأنماط موسيقية منوعة، ومواضيع عديدة، منها عن الأب والإنتماء إلى الأرض والحب، وهناك أغنيتان في الألبوم فيهما مزج بين اللهجة اللبنانية واللغة السريانية. تعاونت في الألبوم مع العديد من الشعراء والمحلنين والموزعين الموسيقيين، وهم منتشرون في أكثر من بلد، من بين الكتّاب هناك جوزيف غوريّة، ومن الملحنين نبيل يوسف.
كيف سيفهم الذين لا يجيدون اللغة السريانية ما تغنيه في "أحلام ملونة"؟
متذوقو الموسيقى في كل العالم، يستمعون إلى أنماط موسيقية كثيرة، ولا يعرفون اللغة التي يتم الغناء بها، وكيف الحال إن كانت اللغة محببة، ونستخدم مفردات كثيرة منها في لهجتنا اللبنانية.
حضرتكِ فنانة ومرنمة، وكتبتِ ولحنتِ أغنيات وترانيم، ما الأصعب الغناء أو الترنيم؟
لكل منهما حالته الخاصة، آخر ترنيمة كتبتها هي "جراحك يا ابني" لأسبوع الآلام العام الماضي، ولم أكن أتوقع أن أكتب هذا الكلام، يجب أن تكون في أجواء الموضوع الديني، وبحالة روحية معينة.
أغنية "رح نرجع نتلاقى" التي كتبتِ كلماتها ولحنها شقيقك الفنان جورج نعمة، وغنيتها مع جورج وأشقائكم الفنانين والفنانات عبير ومنال وإيلي وغادة ونسرين وزياد، حققت نجاحاً كبيراً لأنكم إجتمعتم فيها، وأعطيتونا أملاً باللقاء مجدداً في زمن الحجر المنزلي عام 2020، هل سنترقب عملاً فنياً جديداً يجمع كل أبناء عائلة نعمة؟
الناس أحبوا هذه الأغنية لأنها تعطي أملاً وفيها فرح، وسهلة على السمع، وحلمي وحلم أخوتي أن نقدم معاً أغنيات جديدة، فلن ننتظر أن تكون هناك ظروف معينة لنجتمع من جديد، سنصنع نحن الحدث، ونلتقي مجدداً بعمل فني لأن هذا ضروري.
شقيقتكِ الفنانة عبير نعمة كانت حاضرة في هذه الأمسية الفنية، إلى أي مدى تدعمكِ؟
عبير تدعمني كثيراً، وكل أشقائي وشقيقاتي وأنا ندعم بعضنا البعض إلى أقصى الحدود.
لم أرَ شقيقك الفنان جورج نعمة بين الحضور.
جورج موجود حالياً في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يقوم بجولة غنائية، وبالنسبة لأشقائي وشقيقاتي الذين لم يحضروا أمسية اليوم، فالسبب هو وجودهم خارج لبنان، منهم منال ونسرين، ومن الحاضرين اليوم عبير وإيلي وزياد.
إلى جانب دراساتكِ الموسيقية، حضرتكِ حاصلة على ماجستير في التنمية، ودراسات معمقة في العلم الاجتماعي السياسي، غنيتِ "بكرا إلنا" من ألحانكِ، ولكن هل فعلاً بكرا إلنا؟
لدي أغنية خاصة بعنوان "الوطن"، وهي من كلماتي، ليس فيها أمل، بل فيها واقع، فمرات يجب أن نصف الواقع مثلما هو، ولكن لا نستطيع أن لا نعطي الأمل، لأننا من دون الأمل نموت، وهذه حالتنا في هذه المرحلة، فهناك مخطط مبرمج لنفقد الأمل لنهاجر بصمت أو نموت في مكاننا. مررنا لسنوات طويلة، وعلى مدى تاريخنا، بظروف صعبة جداً، ولكننا لم نفقد الأمل، والخطورة الآن هي أن الحرب هي حرب نفسية أكثر منها إقتصادية، ليفقودنا الأمل. لا أخفي عنك أنني أحياناً أشعر بضعف أو انكسار، فما من أحد كان يتوقع أن يحصل لنا ما حصل، وهو ما لم يجرِ في أي بلد آخر في العالم، ولكننا ننهض من تحت الأنقاض، ويجب أن نتحمل مسؤوليتنا، وألا نقول فقط إن غيرنا أخطأ، فالشعب أيضاً يخطئ في كل مرة، فأحياناً يكون هناك انفصام (نريد شيئاً ما، نفعل شيئاً آخر، ونتحدث عن شيء آخر أيضاً)، فيجب أن يكون هناك تغيير لفكر سياسي، وهذا الأصعب.
نبارك لشقيقتكِ نسرين التي دخلت القفص الذهبي مؤخراً، وهي تحضر لأغنيات جديدة من كلماتكِ، ماذا تكتبين لها؟
كتبت لها كلمات جميلة جداً، أتمنى أن تنال إعجاب المستمعين، كتبت لها مواضيع تعطي أملاً ودافعاً، وهي عن الحياة والإرادة في التغيير، مع موسيقى عصرية وصاخبة، فتأتي مواضيع سامية بقالب جديد جداً.
إلى أي مدى يؤثر الزواج على حياة الفنانة؟
دائماً ما أقول إن أجمل صفة لي هي أنني أم لخمسة أبناء، هم يوسف وكلارا وكريستينا وماريا وطوني، أنا تزوجت في سن صغيرة، وبعدها أكملت تخصصي في الجامعة، وعملت في الإعلام والإدارة، فالزواج ليس عائقاً في وجه استمرارية الفنانة.
في الختام، ماذا تحضرين من جديد؟
لدي عدة أغنيات جديدة حضرتها، من بينها أغنية "خلاص ارتحت"، أتمنى أن أجد الطريقة المناسبة لإطلاقها، فموضوع الإنتاج أساسي، والفنان بمفرده لا يستطيع أن يفعل كل شيء، كما لدي جولة غنائية في أوروبا والأردن، عدا عن الأمسيات الغنائية في لبنان. أشكرك جوزيف، وأشكر رئيسة التحرير الإعلامية هلا المر، موقع "الفن" مشرق دائماً، وحضوركم غالٍ على قلبي.
كما إلتقينا الزميلة رلى أبو زيد، التي سألناها كيف وقع الإختيار عليها لتقدم هذه الأمسية، فقالت: "تم التواصل معي من قبل الرابطة السريانية في لبنان، ويسعدني أن أشارك بهذا الحدث الفني الكبير، لأننا نحب أن نؤكد دائماً أن بيروت هي عاصمة للفن والموسيقى والثقافة، لدينا دائماً كلمتنا، وصوتنا الذي يصدح، نحكي العالم بموسيقانا وأصواتنا الجميلة. هذه أمسية فرح، تعطي الأمل والتفاؤل للحضور ولكل اللبنانيين، بأن بلدنا بلد الخير، ورغم كل الظروف التي تعصف بنا، ستبقى عندنا مساحة كبيرة نستطيع من خلالها أن ننتفض، وبالنهاية نحن طائر الفينيق".
أما عن الفنانة ليال نعمة، فقالت رلى: "ليال حائزة ماجستير ودبلوم، وعملت في الموارد البشرية، وفي الإعلام في لبنان والخارج، وإن أردت أن أذكر كل الشهادات الحاصلة عليها ليال، ربنا ينتهي وقت الأمسية، ولا أكون قد انتهيت من ذكر شهاداتها، إلا أن ليال لم تستطع أن تبتعد عن الموسيقى، فهي تجري في دمها، بالإضافة إلى السند الكبير لها، الذي هو أهلها وعائلتها".