علم التشفير رائج في عصرنا الذي يشهد تطور وسائل التواصل والتكنولوجيات الرقمية في حفظ البيانات والارشيف وربما التبادل التجاري سوف يتطور عبر العملات المشفرة. لكن التشفير لم يظهر مع الحاسوب بل هو يعود الى العصور ما قبل الميلاد مع اليونان والاغريق، كما استطاع ان يطور فك التشفير في القرن التاسع عند العرب العالم يعقوب الكندي، واستخدم في الحربين العالميتين الاولى والثانية قبل ان يأخذ المنحى الذي نعرفه اليوم في عصر التواصل والتكنولوجيا الرقمية. جولة في تاريخ التشفير.

يعقوب الكندي رائد في علم التشفير وفكه عند العرب

أبو يوسف يعقوب بن اسحاق الكندي (805-873 ميلادي) عالم موسوعي مولود في العراق كان رائداً في تحليل الشيفرات وعلم التعمية، وتم اكتشاف ذلك في مخطوطة وجدت مؤخرًا في الأرشيف العثماني في إسطنبول، بعنوان "مخطوط في فك رسائل التشفير"، أوضح فيها أساليب تحليل الشفرة، أنظمة التشفير والتحليل الإحصائي للرسائل باللغة العربية. وكان بدأ بدراسة تقنيات التشفير الموجودة حينها، ودرس اللغة وخواصها، ووجد أنه في كل لغة هناك أحرف تستخدم أكثر من غيرها.

وجد الكندي انه في اللغة العربية اكثر الاحرف المستخدمة هما الالف واللام، فبدأ بجمع الكتب وعد الأحرف فيها، وجمع الأرقام، وبنى قائمة بأكثر الأحرف تواتراً في اللغة العربية. عند القيام بالتشفير، فإن أماكن الأحرف لا تتغير، حيث أن أغلب الشفرات هي تغيير أشكال الحروف. طور الكندي طريقة ذكية لكسر معظم الشيفرات أطلق عليها اسم تواتر الحروف وهو مما يسمى اليوم بـ frequency analysis واستخدمت لوقت طويل لفك الشيفرات، حتى الحربين العالميتين.

رسالة مشفرة لتهريب آخر ملوك فرنسا لويس السادس عشر

عاش آخر ملوك فرنسا لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري انطوانيت في القرن الثامن عشر قبل ان يتم اعدامهما على يد الثورة الفرنسية. وحاول الملك الهروب مع عائلته من قدر الاعدام عبر التخطيط والتنظيم لعملية هروبه وتوجيه رسالة مشفرة احتوت على تفاصيل ومعطيات خطة الهروب، قبل شهرين من موعد اللجوء إلى فارين (الذي كان بتاريخ 21 حزيران/يونيو سنة 1791).
تعرض هذه الرسالة بشكل حصري استعدادات لويس السادس عشر وماري أنطوانيت للهرب، وقد تم ذكر تفاصيل خطة الهروب في صُلب هذه الرسالة.
وكان الثوار يعتبرون الملكة ماري أنطوانيت خائنة لوطنها وربما لزوجها، إذ كانت تدور الشائعات حول علاقة الملكة ماري أنطوانيت بالكونت السويدي أكسيل دوفيرسن. التقى الكونت السويدي بالملكة خلال جولة في اوروبا عام 1774، خلال حفل في الاوبرا وكان الحب بينهما من اول نظرة.
المراسلات بين الملكة ماري أنطوانيت والكونت السويدي كانت وفيرة ومشفرة ولم يتم الكشف عنها الا بعد موتهما. كان التشفير يتم بعض الاوقات عبر استعمال انواع من الحبر لا يمكن قراءتها الا عند تقريب الرسالة من موضع حرارة، قد يكون نور الشمعة او اي امر آخر. كما كان يتم التشفير عبر تقطيع الرسالة بالتعمية بخطوط على الكلمات التي لا يراد لها ان تكون معروفة.

تمكن بعض علماء الفيزياء والكيمياء الفرنسيين في ايامنا الحالية من تخطي حاجز تقطيع الرسائل للكشف عن محتوى رسالة تعود الى العام 1792 تعبر فيها ماري أنطوانيت بشكل واضح عن حبها للكونت حيث تظهر الجملة التالية: "أحبك بجنون ولا يمكنني أبدًا أن أكون لحظة دون أن أعشقك". ويقال ان الكونت كان يلاقي الملكة عندما كان يتمكن من القدوم الى فرنسا في احد اجنحة قصر فرساي الذي كان مخصصاً لها ولكنه وللأسف لم يتمكن من انقاذها من حبل المشنقة، إذ يرجع فشل خطط الهروب إلى سلسلة من المغامرات والتأخير وسوء التفسير والتردد من قبل الملك الذي قام بتأجيل الموعد عدة مرات، فزادت المشاكل وتم القبض عليهما واعدامهما على المقصلة.



التشفير خلال الحرب العالمية الثانية


في ذروة القوة النازية خلال الحرب العالمية الثانية، كانت الاتصالات الألمانية بين قيادات الجيش مشفرة من خلال جهاز تشفير مستخدم في ذلك الوقت يسمى "إنيغما" (Enigma)، خاصة تلك التي بين سلاح البحرية وبين القيادات السياسية، وكان التشفير بهذه الطريقة على درجة من الدقّة لا يمكن اختراقه بالعمليات الحسابية البسيطة.
وتمكن عالم الرياضيات البريطاني ألان تورينغ من فك شيفرة الألمان، عبر تطوير فكرة "آلة الحوسبة الشاملة"، والتي يمكن أن تحل الحسابات المعقدة، وقد عُرفت فيما بعد باسم "آلة تورينغ"، وكانت هي البدايات لما يعرف بالكمبيوتر الرقمي.


التشفير في عصر الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية


التشفير اليوم متداول في عصر الانترنت والتطبيقات عبر سعي هذه الاخيرة لحماية بيانتنا وهو يعلم لطلاب البرمجة الذين يستخدمونه في تطوير تطبيقات جديدة. كما راج في السنوات القليلة الماضية العملات المشفرة مثل البيتكوين وغيرها من العملات التي تمكن المستخدم من الادخار والشراء والقيام بالتعاملات التجارية عبر الحاسوب وتقنية البلوك تشاين.