بيروت ست الدنيا التي لا تليق بها الا مظاهر الفرح والجمال والحب والثقافة، تعود إلى ألقها تدريجيا خلال الصيف الحالي، محاولة قدر المستطاع ان تستعيد موقعها على الخارطة السياحية العربية وحتى العالمية.
وهذا ما بدأنا نلتمسه من خلال حركة المطار التي سجلت نسبة عالية من الوافدين إلى لبنان من المغتربين على وجه الخصوص.
ولطالما شكلت بيروت منارة لإحياء أهم الحفلات على الاطلاق في عالمنا العربي، والتي كانت وما زالت مقصداً للسياح العرب، تعود وتيرة الحفلات هذه إلى الواجهة من جديد خصوصاً بوجود رجال على غرار متعهد الحفلات ميشال حايك صاحب شركة "دابل أيت برودكشن" المؤمن بهذا البلد وبقطاع السياحة والمصر على البقاء والكفاح لرفع راية الفن الراقي إلى مستويات قياسية.
ليل الاثنين في الثالث من الجاري، وقرابة التاسعة والنصف مساء، فاح من بيروت عبق من الرومانسية والأنس من حضور قيصر الغناء العربي الفنان كاظم الساهر الذي أحيا حفلا استثنائياً نموذجياً داخل "فوروم دو بيروت".
حضور غفير قدر بالآلاف من جنسيات مختلفة تهافت إلى الفوروم للقاء قيصره، ومن هناك كانت الانطلاقة إلى عالم مختلف كليا عن واقعنا المرير.
اطل القيصر ماردا بحضوره وسحره وهيبته على المسرح وهو يرتدي بزة رمادية بوجنتين محمرتين على غرار حبيبته التي يغنيها في معظم قصائد نزار قباني.
ساحر الساهر بكل ما فيه، لا نبالغ لو وصفناه بقيصر الرومانسية سارق وساحر قلوب النساء، غريبة تلك الحالة التي يخلقها على المسرح مع معجبينه، ولا نبالغ لو قلنا ان معظم من يحضر حفلات الساهر يشعر بحالة من الانخطاف إلى عالم وردي جوري مترفع عن كل ما هو ارضي، ولا نبالغ إذا قلنا ان الآلات الموسيقية تدوزن على صوت الساهر.
هذا الصوت الجبار الذي لم ولن تقوى عليه الأعوام، قادر حتى اليوم على تأدية قصائده وكأنه في ستوديو، طبعا لسنا بوارد تقييم صوت الساهر، وادائه بعد كل هذه الأعوام، لكن كلمة حق تقال انه أستاذ في غنائه في حضوره في صوته في عربه في كل شيء.
أغنيات عابقة بالحب والانتقام والحزن والامل قدمها الساهر على مدى ساعتين من الوقت وسط تفاعل قل نظيره على المسرح مع جمهوره الذي يصمت حين يستدعي الانصات إلى صوت الساهر الدافي وينفعل مع "طلعاته" فتعلو الهيصة والتصفيق وصوت الجمهور الذي يطالبه بأداء أغنيات محببة إلى قلبه تعيد له الذكريات.
وخلال الحفل استوقفنا تواضع الكبير كاظم الساهر، الذي ابى إلا ان يوجه تحية إلى ابنة بلده الفنانة رحمة رياض ولم يقف عند هذا الحد، بل استدعاها إلى المسرح وطلب منها ان تغني إلى جانبه اغنية "سلمتك بيد الله" فابدعا واشعلا من جديد حماسة الجمهور. تصرف لبق من القيصر في قمة التواضع يعكس اخلاق هذا النجم الذي استمر كل هذه السنوات بوتيرة تصاعدية متواصلة.
صدقاً ومهما شاهدنا وحضرنا حفلات كاظم الساهر في لبنان وخارجه، لا نمل على الاطلاق، ففي كل مرة نحضر حفله نشعر وكأنها المرة الأولى، نختبر المشاعر من جديد، يجيشها يحبسها ويطلق سراحها ويعيدها إلى الواقع في نهاية كل حفل.
كم يشبه الساهر بيروت في أحلامه وحب الحياة لعل بينهما حالة من العشق يترجمها ابداعا في كل مرة يحضر فيها إلى هذا البلد.