مسرحية "رحيل الفراشات"، عرضت على مسرح مونو، من كتابة ديمتري ملكي وإخراج شادي الهبر. العمل يتمتع بطابع إنساني، والكاتب يبحث غالباً عن المواقف الصعبة، ويضعها في خدمة الإنسانية. "رحيل الفراشات" تروي قصة شقيقتين تستعيدان الماضي، بين أغراضهما القديمة في عليّة منزلهما، وما تضمنه من تفاصيل عن التقاليد والعادات القديمة. وتقارب المسرحية الجوانب المجهولة في شخصية كل من الشقيقتين، والذكريات والحنين والكتمان، والرغبة في التصالح مع نفسيهما. الشقيقتان تملكان شخصيتين مختلفتين ومتناقضتين، وهما وجهان لصورة واحدة، وتبين بعد سقوط الأقنعة التي تخفي وجهيهما، أنهما تخفيان أسراراً دفينة.
الممثلتان ألفت خطار وزينة ملكي أثبتتا موهبتهما، وكان أداؤهما متفوقاً. المخرج شادي الهبر إكتسب حب المسرح العبثي من أستاذه منير أبو دبس، وتأثر بمسرحيات جواد الأسدي وعصام بو خالد. شارك شادي في العديد من ورش العمل، مع مدربين ومخرجين من لبنان والدول العربية ودول العالم. عمل في مجال التدريب المسرحي منذ عام 2009. أسس "مسرح شغل بيت" عام 2016، وهو فضاء مسرحي جديد في مجال المسرح، وملتقى للممثلين والمخرجين لإنتاج الأعمال وورش العمل. تولى إخراج عدة أعمال مسرحية، منها: كلمة وحكي، خيالات، حقي إحلم، ع طريقتنا وشو الموضوع؟، كرسي أو كراسي؟. "مسرح شغل بيت" خلية نحل لا تهدأ، يحركها شغف شادي الهبر بالمسرح. طموحه لا حدود له، وهو لا يسعى إلى الأعمال التي ترضي كل الأذواق، بل إلى التي تغني رصيده الثقافي والفني. وهو حريص على إفساح المجال للجيل الجديد، للتعرف على الأعمال التجريدية.
موقع "الفن" إلتقى المخرج شادي الهبر، وكان لنا معه هذا الحوار.
"رحيل الفراشات" عمل مسرحي تجريدي، مع العلم أن هذا النوع لا يرضي كل الأذواق، ما تعليقك؟
صحيح أن العمل تجريدي ويرضي أذواقاً معينة، وبرأيي أن المخرج يجب أن يكون في رصيده بعض الأعمال من نوع "رحيل الفراشات". أول عمل قدمته هو "نرسيس" عام 2016، من كتابة ديمتري ملكي، وأنا أعيد تجربة نص عبثي وثقيل، لرغبتي بإنضاج الخبرة المسرحية. أحب هذا النوع من الأعمال، لكننا نعيش في عصر أصبح فيه الجمهور الذي يحب هذا النوع محدوداً، وأنا كمخرج، تهمني الناحية الثقافية والفنية، وأعبّر بالطريقة التي تناسبني.
هل تطلعنا على مسيرتك مع المسرح العبثي؟
أنا تخرجت من مدرسة الأستاذ منير أبو دبس، وعملت معه في مسرحية واحدة، وهو ركيزة للمسرح، وما اكتسبته منه، ينقلني إلى أنواع أخرى من المسرح. تأثرت به وبسواه في لبنان، وفي دول أخرى، لكن منير هو شخص عاصرته، وعملت معه، وعشت معه خمس سنوات في الفريكة، وهذا أمر أعتز به. إطلعت على أعمال لمخرجين في لبنان، ونشأت علاقة صداقة بيننا، لكني اخترت أسلوبي الخاص في المسرح، ومن خلاله، وإلى جانب موهبتي، وصلت إلى هذا الطريق. أنا مغرم بالمسرح العبثي، وأتمنى لو بإستطاعتي تقديم هذا النوع بشكل دائم، لكن التنويع مستحب، وإرضاء نسبة أكبر من الجمهور كذلك.
هل أنت راضٍ عن مسيرة "مسرح شغل بيت"؟
"مسرح شغل بيت" هو بيت في فرن الشباك، افتتح عام 2016، ومن خلاله نعمل على عدة أمور، منها إنتاج أعمال مسرحية وتدريب، و"رحيل الفراشات" هي من إنتاج "مسرح شغل بيت". عندما بدأت بالمشروع، لم أكن أعرف إلى أين يمكن أن يؤدي، ولا كيف استمر، ولغاية الآن، لا أدري إلى أين يمكن أن أصل، وأنا بالطبع راضٍ، لأني أثبتت موهبتي خلال خمس سنوات، وكنت حاضراً على الساحة المسرحية من خلاله. النشاط يتضاعف، والعائلة تكبر، وأنا سعيد. المسرح شغفي وحياتي، وحاولت أن أتخلى عن كل شيء لأتفرغ له. "مسرح شغل بيت" حالة خلقت في لبنان للمساعدة على التطور، ولمتابعة الأعمال المسرحية بشكل مستمر. أنا طموح وأسعى إلى الأفضل، وإلى توسيع نشاط "مسرح شغل بيت"، وربما نحظى بصالة عرض خاصة بنا. الحياة ستقدم لنا أشياء جميلة، على أمل أن تساهم ظروف البلد في تحقيق خطوات أكبر.
إلى أين تطمح أن يصل المسرح في لبنان؟
أتمنى أن يبقى المسرح حاضراً وقادراً على الإستمرار. لا حدود لطموحي، ولست قلقاً أبداً، لأنني أعمل من أجل متعتي الشخصية، وأنا أؤمن بأن الذي يعمل بصدق وجدية ويتقبل الملاحظات البناءة، لا بد أن يحقق النجاح. وأرغب بأن تستذكر الأجيال المقبلة أعمال "شغل بيت"، فهذا يرضي كبريائي، وآمل أن ننتقل إلى العالم العربي لاحقاً. شاركت مؤخراً في "أيام الشارقة المسرحية"، بإحدى الندوات الثقافية عن المحترفات المسرحية العربية، تجارب وشهادات، وقدم "مسرح شغل بيت" تجربته في لبنان، وكيف يمكن توسيعها ونقلها إلى العالم العربي.
هل تحضر حالياً لأعمال جديدة؟
طبعاً هناك أعمال جديدة، منها للطلاب بعد تخرجهم من المستوى الثاني، إذ سيقدمون أعمالاً خاصة ومسرحيات كاملة، وبنفس الوقت هناك إعادة لمسرحية "دفاتر لميا" في شهر حزيران المقبل، لنفسح المجال لقسم كبير من الجمهور لمشاهدته. ونحضر ورش عمل متخصصة، وورشة عمل للكتابة. لدينا دائماً أعمال جديدة، وعدم وجود جديد يعني الموت بالنسبة لنا، ونحن مستمرون من أجل بقاء المسرح في لبنان.