على الرغم من أن عدد السفن والطائرات التي اختفت في هذه المنطقة غير معروف الا ان كثر يعتقدون أن مثلث برمودا منطقة خيالية وأسطورية، حتى إنّ مجلس الأسماء الجغرافية في الولايات المتحدة الأمريكية لا يعترف به ولا يحتفظ بملف رسمي بشأنه إلا أن معظم التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن نحو 50 سفينة و20 طائرة اختفت في هذه المنطقة على مدى السنوات الـ 100 الماضية وفُقِد كثيرون على متنها.
ولطالما أثار مثلث برمودا حيرة العلماء والباحثين وألهب خيال الكتّاب الذين نسجوا حوله خرافات وقصصا لا حصر لها لكن هذه الخرافات لم تأت من فراغ، ففي هذه المساحة الشاسعة من المحيط الأطلسي بمحاذاة الساحل الجنوبي الشرقي من الولايات المتحدة؛ غرقت سفن ولم يُعثر لها على أثر، واختفت طائرات من شاشات الرادار، وقيل إن فرق إنقاذ بأكملها غرقت في المحيط أثناء تحليقها فوق هذا المثلث.
أين يقع مثلث برمودا؟
يشغل مثلث برمودا مساحة كبيرة من المحيط الأطلسي، إذ تتراوح مساحته الإجمالية بحسب التقديرات بين مليون و300 ألف كيلومتر مربع وبين 3 ملايين و900 ألف كيلومتر مربع. ويحده غربا الساحل الجنوبي الشرقي للولايات المتحدة، وشمالا أرخبيل برمودا وجنوبا جزر الأنتيل الكبرى (كوبا وهيسبانيولا وجاميكا وبورتاريكو). وهذه المنطقة تتخذ شكل مثلث عجيب ورغم ذلك، فلا توجد أي خرائط رسمية تعيّن حدود المنطقة التي يقع مثلث برمودا بها، ولم يُعترف به كمنطقة رسمية في المحيط الأطلسي.
نطريات الإختفاء
مع أن قصص الاختفاء الغامض في المنطقة تعود إلى منتصف القرن الـ 19، إلا أن عبارة "مثلث برمودا" لم تلق رواجا سوى في عام 1964، حين صاغ الكاتب الأميركي "فينسينت غاديس" (Vincent Gaddis) هذه العبارة في مقال بمجلة "أرغوسي" (Argosy)، للإشارة إلى منطقة تتخذ شكل مثلث في المحيط الأطلسي. ومنذ ذلك الحين، بدأ الكتّاب ينسجون نظريات مؤامرة لتفسير أفكار غاديس حول نمط اختفاء السفن والطائرات في المنطقة.
وفي عام 1974، أصدر الكاتب الأميركي "ريتشارد واينر" (Richard Winer) كتاب "مثلث الشيطان" (The Devil’s Triangle)، وأصدر الكاتب الأميركي "تشارلز بيرليتز" (Charles Berlitz) كتاب "مثلث برمودا" (The Bermuda Triangle) الذي لاقى رواجا كبيرا، وزعم فيه بيرلتز ضلوع جزيرة "أطلانتس" المفقودة في حوادث اختفاء السفن والطائرات.
وبمرور السنين، انتشرت كثير من نظريات المؤامرة لتفسير لغز اختفاء السفن والطائرات، مثل نظرية وجود بوابات زمنية سببها انحراف في نسيج الزمان ربما تُفتح في هذه البقعة، أو أن هناك كائنات فضائية أقامت قواعدها في قاع المحيط.
في حين زعم "كينيث ماكول" (Kenneth McAll) -الطبيب النفسي والمؤلف في كتابه "مداواة النفوس المعذبة" (Healing the Haunted)- أن منطقة مثلث برمودا تسكنها أرواح الرقيق الأفارقة الذين كان البحارة يلقون بهم في المياه في طريقهم إلى الولايات المتحدة، وأن أصوات الأرواح يمكن سماعها أثناء الإبحار في هذه المياه سيئة السمعة.
إلا أن يمكن تلخيص التفسيرات المعقولة التي تم تقديمها لتفسير ظاهرة مثلث برمودا كالآتي:
الضباب الإلكتروني: وهي عبارة عن ظاهرة يلتصق فيها الضباب بالطائرة أو السفينة حيث يؤثّر الضباب بالأجزاء الإلكترونية منها، ويؤدي إلى تعطيلها، وبالتالي انحرافها عن مسارها.
الأعاصير المدارية: حيثُ أدّت العواصف والأعاصير المدارية إلى قتل وإغراق العديد من الأشخاص، وقد تم إلقاء اللوم عليها في إغراق العديد من السفن في منطقة المُثلّث.
وفي عام 2016، حلل فريق من علماء الأرصاد الجوية صورة التقطها أحد الأقمار الاصطناعية لوكالة "ناسا" (NASA)، ولاحظوا وجود سحب سداسية الشكل فوق الطرف الغربي من جزيرة برمودا يتراوح عرضها بين 32 و88 كيلومترا وتبعد نحو 240 كيلومترا عن ساحل فلوريدا.
هيدرات الميثان: حيث يمكن أن يُسبّب انفجار الغازات الضخمة تحت الماء إلى اختفاء السفن في منطقة المثلث؛ وذلك بسبب الانهيارات الأرضية التي قد تحدث تحت سطح الأرض؛ حيثُ تؤدي الغازات إلى انخفاض كثافة المياه بشكل كبير؛ ممّا يؤدّي إلى غرق السفن فجأة، كما يمكن أن يؤدّي الغاز إلى التأثير على الطائرات وتدميرها وفي عام 2003، أثبت علماء من جامعة "موناش" (Monash) بأستراليا أن فقاعات الميثان الضخمة بإمكانها إغراق السفن إذ بنى الباحثون نموذجا لسفينة وأطلقوا فقاعات غاز ولاحظوا أن السفينة فقدت توازنها وغرقت في المياه.
وفي عام 2014، لخصت دراسة نشرت في دورية "ساينس إن سيبريا" (Science in Siberia) إلى أن ظاهرة إطلاق هيدرات الميثان قد تفسر اختفاء السفن في المحيط الأطلنطي. وذكر الباحثون أن هناك جيوبا من الغاز -ولا سيما الميثان- أسفل التربة الصقيعية وبعض المحيطات. وعندما يتحول ثلج الميثان في أعماق المحيط إلى غاز يطلق فقاعات ضخمة في الهواء قد تؤثر على المياه.
وثمة نظرية أخرى شائعة مفادها أن اختفاء السفن في هذه المنطقة سببه ما يطلق عليه "الأمواج المارقة" أو القاتلة، وهي أمواج استثنائية متطرفة قد تتكون بلا مقدمات وقد يصل طول الواحدة منها إلى 30 مترا، وهذه الأمواج من القوة بحيث يمكنها تدمير سفن وطائرات تماما.
أما عن اختفاء حطام السفن والطائرات، فإن العثور على حطام الطائرات في هذه المنطقة -التي تحتضن خندق بورتوريكو حيث أعمق نقطة في المحيط الأطلسي- ليس بالأمر الهين؛ إذ يصل عمق المياه في الخندق إلى 9 آلاف و200 متر.
اختفاء سرب الطائرات الخمسة العسكرية الأميركية "فلايت 19"
أشار تقرير المحققين في اختفاء سرب الطائرات الخمسة العسكرية الأميركية "فلايت 19" عام 1945 إلى أن قائد السرب تشارلز تيلور توهم أن الجزر الصغيرة التي رآها بمحاذاة الساحل هي أرخبيل فلوريدا كيز بعد تعطل البوصلة، وظن أنه لو اتجه شرقا سيصل إلى فلوريدا، ما أدى إلى ابتعاد الطائرات الخمسة عن اليابسة حتى نفد الوقود.
وبعد حلول الظلام وتردي أحوال الطقس، سقطت الطائرات الخمس في المحيط. وقد سُمع تيلور يقول "نحن ندخل مياه بيضاء. لا شيء يبدو صحيحا". وأشار التقرير إلى أن تيلور قد ضل طريقه مرتين من قبل في المحيط الهادي. ولكن التقرير خلص إلى أن سبب الحادث مجهول، حتى لا يتحمل تيلور وحده مسؤولية سقوط الطائرات الخمس.
رفض نظرية مثلث برمودا وعلاقته بإختفاء السفن والطائرات
ذكرت الإدارة الوطنية الأميركية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي، أنه لا يوجد أي أدلة تثبت أن حوادث الاختفاء الغامضة التي وقعت في منطقة مثلث برمودا تفوق نظيرتها التي وقعت في أي منطقة شاسعة أخرى من المحيط تجتازها الكثير من السفن والطائرات.
وفي الفترة من منتصف الأربعينيات حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي كانت الطائرات التي تحطمت فوق اليابسة في الولايات المتحدة أكثر منها فوق مثلث برمودا، ولكنها لم تعد حوادث غامضة، بسبب العثور على حطامها.
وتجدر الإشارة إلى أن منطقة مثلث برمودا من الطرق البحرية الأكثر ارتيادا في العالم. ومن المنطقي أن تكون السفن التي غرقت فيها أكثر من نظيرتها التي غرقت في الطرق الأقل ارتيادا، كما هو الحال في المحيط الهادي.