مسرحية "ورد وياسمين" تُجسد مواجهة صاخبة بين شقيقتين تعانيان من ماضٍ مثقل بالذكريات العائلية المؤلمة، وإنعكاسه على الحاضر، فتجتمعان في مقهى مهدد بالإقفال، لملء استمارة ترشيح والدتهما لمسابقة الأم المثالية. والأسئلة المطلوب الإجابة عليها حرّكت الماضي الأليم، فعبرت كل منهما عن مشاعرها بثورة وغضب وحرقة. عانت الشقيقتان من طفولة قاسية، وظروف صعبة وتشتت عائلي، طبعت شخصيتهما، وأدت بهما إلى خيارات خاطئة.
ياسمين متعبة من المسؤوليات الملقاة على عاتقها، ومتزوجة من رجل يسيء معاملتها، ويعمل سائق تاكسي، ولديهما ثلاثة أولاد، وتعمل في مقهى للمساهمة في نفقات العائلة. ورد هي امرأة متحررة وثائرة، تضحك وتقول أي شيء، لا تضبط لسانها ولا تصرفاتها، ومدمنة على الكحول وترفض النصائح. تميزت الدراما الإجتماعية بالتناقض، والعنف اللفظي، ومشاعر الحب والكراهية المكبوتة بين الشقيقتين، فأبدعت يارا زخور وسلمى شلبي في أداء دورين صعبين مركبين، وكان التواصل بينهما محكماً، وأثبتا قدراتهما التمثيلية وحرفيتهما العالية. ضج المسرح الصغير في مونو بأحاسيس ورد وياسمين، وبإنفعالاتهما، وبالإنفجار الكلامي بينهما، إلى حد بدا أحياناً أن الأمور خرجت عن السيطرة، قبل أن يتم ضبط النفس. نص المسرحية هو للكاتب الأميركي إدوارد آلان بيكر "روز ماري وجينجر"، تولت يارا زخور ترجمته إلى العربية، وتولى الإخراج هاكوب ديرغوكاسيان، الذي يعود له الفضل في هذا النجاح الذي حققه العمل المسرحي، الذي حبس الأنفاس وأسر الحواس.
موقع "الفن" إلتقى الممثلتين يارا زخور وسلمى شلبي، وكان هذا الحواران معهما.
يارا زخور
ما الذي دفعك لإختيار نص "روز ماري وجينجر" وترجمته، وكيف تصفين شخصية ياسمين؟
عندما قرأت النص شعرت بعمقه وشراسته، وهو مرآة لمشاعر وأحاسيس مدفونة في داخلنا، ولا نجرؤ على البوح بها، لأنها مواضيع حساسة، وهي علاقة الشقيقتين، ومشاعر المحبة والكراهية التي تربطهما. ربما كل شخص لديه شقيق أو شقيقة، شعر في مرحلة ما بهذه الأشياء تجاهه أو تجاهها. لذا أرى أن النص جريء، لاسيما أن المجتمع لا يقارب هذا الموضوع. كما أنه يتطرق إلى تعنيف المرأة، والعنف الأسري، وعلاقة الأم بأولادها، وتأثير الماضي في حياتهم، وقراراتهم التي قد تكون صائبة أو خاطئة، والمطلوب تحمل مسؤولية الخيارات التي تُتخذ. كل هذه العوامل دفعتني إلى إعتبار النص المسرحي قوياً جداً، خصوصاً أن القصة أخذت منحى معيناً، إلى أن تحصل المفاجأة، وتتحول القصة إلى منحى آخر. النص كتب بطريقة تدفع الممثل إلى تفجير قدراته، وإلى تفكيك النص جيداً، من خلال القراءة، قبل الوصول إلى مرحلة التمارين والعرض، وذلك كي يكون الأداء صادقاً، وهذه عوامل أساسية لإختياري النص وترجمته، لأنه يساعدنا على التعبير بحرية كممثلين، من خلال أدوار مركبة صعبة وجميلة. دور ياسمين من أصعب الأدوار التي جسدتها، لأن الشخصية مركبة، وتحتاج إلى دراسة معمقة. ياسمين أم، وكل أحداث المسرحية تتعلق بفكرة أنها أم، وأنا لست أماً، لذا مقاربتي للشخصية تطلبت التحضير والجهد، والصدق، والمخيلة الواسعة، وهي ليست متحررة مثل شقيقتها ورد، على العكس، هي خاضعة للقيود الإجتماعية التي يفرضها المجتمع، ويهمها رأي الناس فيها. لكنها في نفس الوقت شرسة، ولا تتحمل الإستفزاز، وتخفي قوة داخلية، إلا أن علاقتها بشقيقتها ورد تحمل الكثير من الحب والكراهية.
احترفتِ التمثيل، تخصصتِ بالترجمة والتواصل، والتدريب المسرحي، وشاركتِ في العديد من الأعمال، في أي مجال ترغبين في تقديم المزيد؟
أنا مترجمة محلفة، وحصلت على إجازة في علم التواصل، ودرست المسرح ثلاث سنوات في الجامعة اللبنانية، وسنتان ماستر في الجامعة اليسوعية. مع أني أحب السينما والتلفزيون، لكنني أفضل المسرح، لأنه يتمتع بسحر، فهو فن آني ووليد اللحظة، ويمنحني الشعور بالعلاقة المباشرة مع الجمهور والتفاعل، وهذا ما يمدني بالطاقة، بالإضافة إلى التمارين، والعلاقة التي تنشأ بين الممثلين والمخرج، والجو الذي يسود بيننا، والإكتشافات التي نحققها من خلال التقنيات التي تتطلب جهداً، وتمنح متعة، ويبقى المسرح شغفي الأول.
في فيلم "معمية الرغبة"، مثلتِ دور إمرأة مقعدة، ونلت جائزة أفضل ممثلة، أخبرينا أكثر عن هذا العمل؟
مشاركتي في التمثيل في فيلم "معمية الرغبة" كانت رائعة، وشكلت تحدياً بالنسبة لي، لأن الشخصية هي أم تتعرض لوضع صحي، يمنعها من المشي بعد إختطاف إبنتها، وأنا بالمقابل لست أماً. الدور صعب، وفي مكان ما أصبح هستيرية، لأن زوجي يتصرف بطريقة غريبة، جراء حادثة خطف ابنته. تحدٍ كبير ودور مركب وصعب، ولا أتكلم أبداً خلال الفيلم، لذا كان دوري يتطلب حركة جسد، ومشاعر، واللعب على التفاصيل الدقيقة في التمثيل، وتوجب عليّ خلال عشرين دقيقة، أن أحافظ على وضعية الجسم، وتفاصيل الفالج، وهي تقنية جسدية صعبة. وعن حصولي على الجائزة في المهرجان اللبناني للأفلام المستقلة، لم يكن هذا الهدف في البداية، لكني بعد نيلها، خصوصاً أن الأفلام المشاركة تجاوز عددها المئة من لبناني وأجنبي، وبلغ عدد الممثلات المرشحات أكثر من مئة، شعرت أن مجهودي نال التقدير، والجمهور معجب بموهبتي وفني، وهذا يعطيني حافزاً للمثابرة، ومتابعة المسيرة، ويلقي على عاتقي مسؤولية كبيرة من ناحية إنتقاء الأدوار، ويمنحني شهادة كبيرة.
سلمى شلبي
هل صداقتكِ مع يارا إنعكست على أدائكما على المسرح، وكيف؟
نحن صديقتان، وهذا أمر إيجابي لدورينا في المسرحية، وللتحضير والتمارين والتوتر الناجم. فقد إستمرت التمارين حوالى الشهر ونصف الشهر، وكنا أحياناً نفقد الصبر. وأنا إنسانة أملك القدرة على التركيز والضغط لمدة ٤ ساعات فقط، وبعدها أفقد التركيز، وكانت يارا تتفهم هذا الواقع، ونتفهم بعضنا البعض، من دون حاجة إلى الكلام. أنا أعلم رأيها، وما يزعجها وما يرضيها، ونقلنا كل هذه التفاصيل إلى العمل المسرحي، ما سهّل العمل، وكنا ندعم بعضنا البعض. وفي حال نسيت إحدانا كلمات النص، من المؤكد أن الثانية ستتدخل وتدعمها، لأنني حفظت دورها وهي حفظت دوري، إلى هذا الحد كنا منسجمتين، وانعكس هذا الأمر إيجاباً على عملنا، ونفذنا "ورد وياسمين" بشكل رائع.
خلال فترة الحجر الصحي، إتجهتِ إلى التمثيل في التلفزيون وعدتِ إلى المسرح بعد إنحسار موجة كورونا، لماذا؟
خلال فترة الحجر الصحي، ولكي أتابع مهنتي التي إخترتها وهي التمثيل والإخراج، عملت في التلفزيون، لأن خياراتي كانت محدودة، وبما أن شركات الإنتاج كانت حريصة على الوقاية، تمكننا في المرحلة النهائية لفيروس كورونا، من أن نصوّر عملاً تلفزيونياً لكي نستمر، مع العلم أنني مصرة على تنفيذ الأعمال التي ترضيني فقط. وبعد عودة المسارح إلى عملها الطبيعي، لم أفكر سوى بالعودة الى المسرح، وسماع صوت الناس، لاسيما أن تقنيات العمل المسرحي أعلى وأصعب إلى حد كبير، والمتعة التي يمنحني إياها المسرح كبيرة، حتى لو أنني أفتخر بالمسلسلات التي شاركت فيها، والأدوار كانت رائعة، خصوصاً أنني وجه جديد وغير معروف، وأعتقد أن المخرجين الذين تعاونت معهم، جازفوا بإعطائي الأدوار، منهم مجدي السميري، وصوفي بطرس التي كانت ترغب بتقديم دور جميل فقط، وبالنسبة لي الحب الأول والأخير هو للمسرح.
ماذا عن مسلسل الدراما المشتركة "تغيير جو" الذي سيجمعكِ مع الممثلة منة شلبي في شهر رمضان؟
سأطلعكِ على مسلسلين، "الغريب" من إخراج صوفي بطرس، بطولة الممثلين السوريين بسام كوسا وفرح بسيسو وآدم شامي وساندي نحاس، ودوري فيه من أجمل الأدوار، وسيعرض بعد شهر رمضان، والعمل مع صوفي هو متعة وهي إنسانة رائعة على الصعيد الشخصي والإنساني والفني. والمسلسل الثاني "تغيير جو" من إخراج مريم أبو عوف، وهناك بعض المشاهد لي مع الممثل إياد نصار بطل العمل. المسلسل جميل، وأنا ضيفة شرف فيه، وشاركت بالعمل بسبب وجود مريم أبو عوف، التي أعتبرها قيمة فنية، وأنا مستعدة أن أمثل ربع مشهد معها، فهي مدرسة في أسلوبها في العمل وطريقة تفكيرها ونظرتها إلى المشهد، وعملي معها هو إضافة كبيرة لي.