أشجار أرز الرب في لبنان مقدسة، وذُكرت في الكتاب المقدس 72 مرة. يقول الشاعر الفرنسي لامارتين، إن أشجار أرز الرب هي ذخائر الطبيعة والعهود، وهي الأبنية الطبيعية الأكثر شهرة في العالم، وتشهد على السنوات المنصرمة، فهي تعرف تاريخ الأرض أكثر من التاريخ نفسه. ولو كان بإمكان الأرز أن ينطق، لأخبرنا عن الإمبراطوريات والديانات والأعراق البشرية. أرز الرب هو مجد لبنان. أوصاف رائعة أُعطِيت لأرز الرب، منها أن النبي حزقيال قدم نبوءة بوصف المسيح الملك بـ"الأرز الجديد".
أرز لبنان
أشجار الأرز موجودة في عدة بلدان في العالم، إنما الصنف الموجود في لبنان هو الأرز الحقيقي، ويتميز بشكله المستطيل، وإسمه العلمي Cedrus Libani. يصل طول الشجرة إلى ٤٥ م وعرضها ٣٠ م، وتمتد جذورها في الأرض ضعف طولها. ولونه يبقى أخضر في كل الفصول، حتى عندما تغطيه الثلوج، لذا يعتبر رمزاً للخلود. أرز الرب في لبنان مصنّف كموقع للتراث العالمي من قبل منظمة الأونيسكو. يتوقف الأرز عن النمو بعد بلوغه ٩٠ عاماً، ثم ينمو أفقياً، وكأن أغصانه تنحني للرب خشوعاً وتواضعاً. تعيش أشجار الأرز في المرتفعات ما بين 1500 و2000م، وهي بحاجة إلى الطقس البارد والثلوج لكي تنمو. أشجار أرز الرب تتميز بإرتفاعها الذي يصل إلى ثلاثين م، وبشكلها الهرمي، ويبلغ قطرها حوالى ١٤م. هي شجرة معمّرة، وبعضها يعيش أكثر من ثلاثة آلاف سنة.
فوائد الأرز
يُستخرج من خشب الأرز سائل مشابه للزيت، رائحته ذكية عندما يشتعل، وإستخدم في العصور القديمة كعطر وبخور في التقدمات والمآتم. في سفر النبي أشعيا في الكتاب المقدس، تبرز صورة "محرقة الأرز الجبارة لتليق بالله"، إحتفالاً بالعودة وإعادة ترميم الهيكل. ويخبر سفر اللاويين عن استخدام الكاهن خشب الأرز، إلى جانب مواد أخرى، في رتبة التطهير، في حال شفاء أبرص. قدّست الشعوب القديمة زيت الأرز، واعتبرته طارد الأرواح الشّريرة، وإستخدمته لتطهير المنازل، وللشفاء من الأمراض، وللقضاء على الأوبئة، واستعمل الفراعنة المادة السائلة CEDARIA التي يحتويها الأرز، في عملية تحنيط موتاهم. كما أن زيت الأرز ساهم في تفادي الحرب بين الفينيقيين والمصريين. ولزيت الأرز فوائد عديدة، منها حماية البشرة من الأشعة فوق البنفسجية، وذلك لاحتوائه على مادة السكوالين، كما أنه يجدد خلايا الجلد والبشرة.
أكواز الأرز
أكواز الأرز اللبناني أسطوانية الشكل، لونها بني، وهي عبارة عن مجموعة حراشف مجتمعة وبشكل مطبق، وتضم بداخلها البذور، ويمكن أن تبقى على الشجرة لفترة عامين، قبل وقوعها على الأرض. تساهم العوامل الطبيعية، وخصوصاً الثلج والجليد والشمس، بتفجّر الأكواز لتنشر معها البذور بعيداً عن الشجرة الأم، وغالباً ما تكون نسبة الإنبات فوق 70%، ولكن الشجيرات التي تنجو من موسم الجفاف أو من العوامل القاسية، عددها محدود.
مراحل الإزهار
الأزهار المذكرة تولد في أواخر شهر حزيران/يونيو، على شكل برعم صغير مستدير، لونه أخضر وسط مجموعة إبر. تنضج الأزهار في أيلول/سبتمبر، وتطلق البذور قبل أن تجف وتقع. أما الأزهار المؤنثة، فتظهر أواخر تموز/يوليو، وتنمو بسرعة حتى منتصف أيلول/سبتمبر. وتنغلق الحراشف المفتوحة بعد التلقيح في فصل الخريف، وتصبح أكوازاً صغيرة خضراء اللون، وتنمو تدريجياً حتى يبلغ طولها من 8 إلى 10 سم، وتتفسخ خلال سنتين أو ثلاث، وكل حرشف يطلق بذرتين مثلثتين ناضجتين.
أرزة لامارتين
زار الشاعر الفرنسي ألفونس دو لامارتين غابة أرز الرب عام ١٨٣٢، وتخليداً لذكرى الزيارة، أطلقت لجنة الغابة إسمه على الأرزة التي جلس بقربها. وأخذ لامارتين معه غرستين من أرز لبنان. وتلقت لجنة أصدقاء غابة الأرز رسالة من حفيد عائلة إيطالية في فلورنسا إسمه Clement Corsini، جاء فيها أن الشاعر لامارتين كان صديقاً لأجداده، وأهداهم منذ مئة وخمسين عاماً واحدة من الغرستين، اللتين أخذهما بعد زيارته غابة الأرز.
منحوتة الثالوث
عام ١٩٩٢ ضربت صاعقة ثلاث أرزات معمّرة داخل غابة أرز الرب، منها أرزة لامارتين، وحولتها إلى يباس، فبادر النحات رودي رحمة إلى نحتها من دون قطع أو إقتلاع، وبعد عمل شاق استمر ست سنوات، أصبحت الأرزة تمثالاً، أطلق عليه إسم "منحوتة الثالوث"، تتجسد فيها مراحل الحياة: الولادة والطفولة والشيخوخة، ودخلت موسوعة غينيس كأكبر منحوتة خشبية في العالم.
كنيسة التجلّي
في الرّبع الأخير من القرن التاسع عشر، بنيت كنيسة التجلي على تلّة في وسط غابة أرز الرب، من جذوع وأغصان الأرز، وكان يعاد بناؤها كلّما تحطمها الثلوج. أعيد ترميمها من الداخل والخارج عام 1990، من قبل لجنة أصدقاء غابة الأرز، ورُمّم المذبح المصنوع من خشب الأرز، مع أيقونة التجلّي التي تعلوه.
خشب الأرز
استعمال خشب الأَرز، يعود إلى زمن الفينيقيين، حيث بنوا بواسطته مراكبهم، ودور العبادة والجسور كما استخدم الرومان خشب الأرز في صناعة المذابح وأثاث القصور.. إستمر المسيحيون باستعمال خشب الأرز في بناء المذابح، ونحت التماثيل، وصنع الصلبان، وتشييد الكنائس، وأشهرها "كنيسة القبر المقدس" في أورشليم، و"كنيسة المهد" في بيت لحم، و"كنيسة التَّجلّي" في سيناء، و"كنيسة القديسة ماريا لابلانكا" في مدينة توليدو الإسبانية، وتماثيل "كاتدرائية القدّيس مرقص" في مدينة البندقية الإيطالية، كما أن المقاعد الخشبية في خورُس "كاتدرائية القلب الأقدس" في مونمارتر الباريسية، مصنوعة من خشب الأَرز. ووُجدت في "كنيسة قصر الميرامار" في مدينة تريستِ الإيطالية، كتابة على أحد جدرانها، تشير إلى أن خشب الأرز المستعمل، هو من لبنان.
هدية إلى ملك فرنسا
في العام 1674، أَهدى البطريرك اللبناني إسطفان الدويهي جذع أرزة إقتلعتها العاصفة، إلى الملك الفرنسي لويس الرابع عشر، الذي عرف بـ"ملك الشمس"، بهدف استعمالها لأعمال فنية.
رمز الجمهورية اللبنانية
الأرزة هي الرمز الرسمي للجمهورية اللبنانية، وشعار العلم الوطني. إعتمدت لتكون وسط العلم اللبناني، لما لها من أهمية تاريخية، وصفات مميزة، فهي ترمز إلى القداسة والخلود والصمود والقوة.
تراجع الثروة الحرجية
تراجعت الثروة الحرجية في القرن التاسع عشر، لاسيما بعد أن إستخدمت أخشاب الأرز لمد خط سكة الحديد، من قبل الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى.
أرز الشوف
أرز الشوف يشكل 5 بالمئة من المساحة الكلية للبلد البالغة 10452 كم2. تعتبر المحمية الأكبر من نوعها في لبنان، وهي آخر إمتداد للأرز اللبناني جنوباً. وتضم غابة أرز الباروك، وغابة أرز عين زحلتا – بمهريه، وغابة أرز معاصر الشوف.
أرز تنورين
تعتبر محمية أرز تنورين، واحدة من أكبر غابات الأرز في لبنان، وأكثرها كثافة، ويشكل شجر الأرز فيها حوالى 90% من الغابة.
أرز جاج
يقع في أعالي قضاء جبيل، وتعتبر محمية أرز جاج من أقدم المحميات الطبيعية في لبنان، فهي تسمح للزوار بإكتشاف جمال الأرز وسحره. فيمكن زيارة المحمية، لرؤية ما تبقى من غابة الأرز التاريخية، التي يعود عمرها إلى مئات السنين. في أعماق الغابة، توجد كنيسة تاريخية، تتميز ببنائها الحرجي القديم.
أرز إهدن
تضم محمية إهدن أشجار الأرز الجميلة، بالإضافة إلى أشجار العرعر والتفاح البري، ما يجعلها جزءاً مهماً من تراث البلد الثقافي والطبيعي. تتميز المحمية بوديانها وممراتها، التي تجعل زيارتها ممتعة، ويمكن اكتشاف ثروتها النباتية والحيوانية الغنية.
الأرز مهدد
لم يعد لبنان بمنأى عن أضرار التغيرات المناخية، التي تؤدي إلى زيادة فترة الجفاف، خصوصاً خلال فصل الشتاء، وتراجع كمية الغطاء الثلجي على الجبال العالية، ولذلك، بدأت المساحة التي تعتبر مناسبة لنمو شجر الأرز، بالإنحسار والتراجع، وبدأ النطاق الطبيعي لهذه المساحات يتغير، بسبب تغير رطوبة التربة، والبرودة التي تتطلبها بذور الأرز لكي تنبت.
التغير المناخي أدى إلى إنتشار العديد من الآفات والأمراض، خصوصاً الآفات الحشرية، منها حشرة السيفالسيا، التي تضرب الكثير من أشجار الأرز، والتي تؤدي إلى ضرر كبير في الغطاء التاجي لها، مع العلم أن أشجار الأرز في لبنان، صمدت منذ آلاف السنين في وجه عدة عوامل طبيعية وغير طبيعية، منها القطع الجائر من قبل البشر.