"الضيعة من دون جرس كالأعمى من دون عصا"، مثل شعبي قديم، يؤكد على أهمية الجرس في القرى اللبنانية، فهو وسيلة لإعلام الناس بالأفراح والأحزان، وأوقات المناسبات الدينية، وفي حالات الخطر. تختلف معاني صوت الجرس، فالدقة الطويلة تعني الفرح، والدقة المتقطعة تعني وفاة أحدهم، والدقة العادية هي للدعوة إلى الصلاة.

تميزت بلدة بيت شباب في قضاء المتن الشمالي، في محافظة جبل لبنان، بصناعة الأجراس، وأصل كلمة بيت شباب سرياني، ويعني "بيت الجيران".

البداية

بدأت قصة الأجراس، عندما استُدعي شخص روسي إلى لبنان عام 1700، لصنع جرس لكنيسة مار عبدا في بكفيا. وتم إستدعاء الحدّاد يوسف غبريل من بيت شباب، للمساعدة في تركيب الجرس. بعد إنجاز المهمة، طلب غبريل من الروسي تعلّم سرّ صناعة الأجراس، فسافر إلى روسيا، وعاد ليصب أوّل جرس، ويمتهن صناعة الأجراس، فقال عنه أهالي بلدته "يوسف نفع"، وأطلقوا عليه إسم "يوسف النفاع".

سر المهنة

كانت بيت شباب تضمّ 30 مصنعاً لصبّ الأجراس، وبعد الحرب العالمية، لم يبقَ منها سوى إثنين، أما اليوم، فهناك محترف واحد فقط. أورث المعلم يوسف غبريل سرّه لأبنائه وأقربائه، ولعدد من أبناء المنطقة، الذين افتتحوا ورشهم الخاصة. إلا أن آل نفاع، إستمروا في صناعة الأجراس، وأورثوها لأبنائهم، ولا زالت حتى اليوم حاضرة في محترف أحد الأحفاد نفاع، وهو يوسف نفاع، مالك مصنع الأجراس الوحيد في الشرق الأوسط.

المعلم نفاع

كان نفاع منذ صغره يراقب عمل والده ويساعده. ومن شدة تعلقه بهذه الصناعة، كرّس حياته للعمل فيها، والمحافظة عليها. عام 1985، وبعمر 16 عاماً، نجح في تصنيع أول جرس.

مراحل التصنيع

تصنيع الجرس يتطلب ثلاثة مراحل، في المرحلة الأولى، يُصنع القالب من مزج تربة "الحوّارة"، مع شعر الماعز والمياه، وفي المرحلة الثانية، يتم صب خليط النحاس والقصدير بعد تذويبهما في القالب، ويُصب البرونز في الهامش الفارغ حول القالب المتصل عبر سكة بالفرن المتقد بدرجة حرارة عالية، يكسر القالب، ثم يسكب المعدن المنصهر، أي البرونز في الفراغ بين القالبين عبر سكة تصله بالفرن، وفي المرحلة الثالثة، يبرد الجرس ويتماسك، قبل أن ينزع عنه القالب. إبتكر نفاع تصاميم حديثة للأجراس، مع محافظته على التصاميم الكلاسيكية، ويعاونه فريق من ثلاثة أشخاص، يصنعون حوالى 50 جرساً سنوياً، للكنائس أو للزينة في البيوت. أما زبائنه، فهم من السوق المحلي والعالمي.

الزبائن

زبائن معمل الأجراس لا يقتصرون فقط على لبنان، بل هم أيضاً من بلدان أخرى، منها عدد من البلدان العربية، فرنسا، وأستراليا، ودول من أميركا الجنوبية وأفريقيا، ويصدّر 40% من إنتاج بيت شباب إلى الخارج، كون أجراسها لها أصوات فريدة من نوعها، ما يجعل الطلب عليها من الخارج متزايداً.

تربيع الجرس

صناعة الأجراس لم تتبدل منذ مئات السنين، أما بالنسبة لإستخدام الجرس، فكان شباب ورجال القرى ينظمون المباريات لـ"تربيع" الجرس، أي جعله يدق أربع دقات متتالية، وهذه العملية تسمى "الضربة"، واليوم أصبح هذا "التحدي" إلكترونياً بفعل كبسة زر.