حصلت جمعية "مارش" على جائزة "مؤسسة غزال" "Fondation Ghazal" لعام 2022، لبناء السلام وحل النزاعات في لبنان، بالتعاون مع "La Fondation de France" ومؤسّسة "Vivre Ensemble"، بالاضافة إلى حصول جمعية "من .. إلى" على الجائزة الثانية، وجمعية Nation Station على الجائزة الثالثة من "مؤسسة غزال" بسبب مساهمة هذه الجمعيات في التثقيف من أجل المواطنة وتقديم المساعدة لزرع الأمل عند الفئات المجتمعية التي تعيش في ظروف صعبة.
تم تسليم الجوائز يوم السبت 17 كانون الأول / ديسمبر 2022 في قاعة فرانسوا باسيل، حرم الابتكار والرياضة، جامعة القديس يوسف، طريق الشام، بيروت، وسط حضور شخصيات من المجتمع المدني، وأعضاء هيئة الحكام، وشباب ومؤسسات الجمعيات الثلاث، السيدة ليا بارودي مؤسسة جمعية مارش، السيدة تالا خلاط مؤسسة جمعية "من .. إلى"، والسيدة جوزفين عبدو مؤسسة جمعية Nation Station التي تم تكريمها، بحضور شباب من مدينة طرابلس، رووا تجربتهم في اطار جمعية مارش، والتغيير الايجابي الذي أدخلته الجمعية إلى حياتهم.
بدأ الاحتفال بكلمة من السيد ميشال غزال، رئيس مؤسسة غزال للتربية والبحث والسلام، التي أنشئت في لبنان عام 2012، تحت رعاية "مؤسسة فرنسا" "Fondation de France"، وأصبحت معترفاً بها كمرفق عام. الجوائز التي تعطى للجمعيات، تخضع لمعايير محددة، تقوم هيئة مؤلفة من خمس شخصيات مجتمعية بتقييمها، وأبرز هذه المعايير تدور حول مساهمة الجمعيات في إرساء السلام، الحد من عدم المساواة، الإنخراط بالمجتمع بأفكار التضامن.
تطرق السيد غزال إلى أهمية الجمعيات ذات الأهداف الإجتماعية، التي تسعى بنشاطاتها المختلفة، إلى كسر الحواجز الطائفية والسياسية والمناطقية الدينية التي أقامها البعض، من أجل الانفتاح وخلق وتعزيز الروابط بين مختلف اللبنانيين، وتفادي تقوقع المجموعات. تطوير الشعور بالإنتماء الى دولة تحترم سيادة القانون، والإنتماء الى لبنان موحد، في السلام والتعايش والتطور.
قال السيد غزال إن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين اللبنانيين، وأثنى على جمعية مارش التي تعمل مع الشباب، وتساعدهم على تحديد أهداف في حياتهم غير العنف. وأضاف: "من بين النشاطات البارزة في جمعية مارش، المساعدة على تجديد الحوار بين مقاتلي جبل محسن ومقاتلي باب التبانة في طرابلس .هؤلاء كانوا متطرفين مسجونين في أيديولوجية، وانتماء ديني قوي جداً. كانوا يجدون في العنف المستوحى من داعش والنصرة والسلفيين، معنى لحياتهم. كثيرون سجنوا بسبب هذا الانتماء، وعند خروجهم من السجن، بدلاً من نفيهم وإدانتهم برفضهم كما يفعل المجتمع، استقبلتهم جمعية مارش، واستمعت إليهم، من أجل فهمهم وإيجاد الحلول. الاستماع لا يعني أننا موافقون، ولكنه المفتاح لتقديم بدائل أخرى عن العنف. البدائل تسمح بالحصول على تغيير في سلوكهم واعتقاداتهم، بفضل مسرحيات يلعبونها سوياً، أو الفن، أو تعلم مهنة مثل النجارة أو الطبخ أو تصليح المفروشات أو البناء. تساعدهم الجمعية في أن يجدوا عملاً لكي يعيشوا منه، عندما نساعد هؤلاء الشباب على إعادة التواصل مع الإنسان الموجود فيهم، يدركون أن الآخر الذي ينظرون إليه كعدو، يشاركهم نفس الهموم، نفس الحاجة للعدالة الاجتماعية، فيتخلون بسهولة عن الأفكار المسبقة نتيجة غسل الدماغ الذي تعرضوا له، وكانوا ضحاياه".
ثم جاء دور مؤسسات الجمعيات لتعبر كل واحدة منها عن كيفية إنطلاق جمعيتها، أهدافها، وكذلك توجيه الشكر الى مؤسسة غزال.
تكلمت السيدة جوزفين عبدو مؤسسة جمعية Nation Station، التي حازت الجائزة الثالثة، وروت كيف انطلقت جمعيتها بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب / أغسطس 2020، من محطة للوقود مهجورة في بيروت، وكيف عمدت الجمعية إلى جمع الناس والمسنين حول وجبة طعام، وكشفت عبدو كيف وضعوا قلبهم بكل ما فعلوه منذ اليوم الاول، وكيف غيروا الغضب، بعد الانفجار، الى أمل وسلام. عبدو قدمت الجائزة إلى كل من ضحّى من خلال هذه المبادرة، من متطوعين وأعضاء، وكذلك إلى أهل الجعيتاوي، وكل من وثق برسالتهم وآمن بقدراتهم منذ البداية، وقالت إنهم يبنون لبنان الذين يرغبون بالعيش فيه.
ثم جاء دور السيدة تالا خلاط، مؤسسة جمعية "من...إلى"، التي حازت على الجائزة الثانية، وقالت إن جمعيتها تهدف الى التثقيف على المواطنة، وقد جمعت تلاميذ من مدارس مختلفة، بهدف كسر الحواجز الطائفية. السيدة تالا انطلقت من شرعة حقوق الانسان، لتشدد على أهمية احترام الحريات، واحترام الانسان فقط لأنه انسان، وينتمي الى الجنس البشري، وقالت إن حلمها أن يصبح لبنان بلداً يعطي نفس الحقوق للمرأة والرجل، وبلداً آمناً لكل المجموعات والأقليات، لتعيش فيه بسلام وتحظى بحرية التعبير.
وختامها كان مع السيدة ليا بارودي، مؤسسة جمعية "مارش" التي حصدت الجائزة الأولى عن مشاريعها المستمرة لتعزيز المصالحة وبناء السلام، من خلال إشراك الشباب المهمّشين من طرابلس وبيروت، بهدف حلّ النزاعات وبناء العلاقات في ما بينهم. مارش هي جمعية لبنانية غير حكومية لا تبغي الربح، تعمل على تعزيز التماسك الاجتماعي والحريات الشخصية. تحدثت السيدة بارودي عن تجربتها، التي بدأت عام 2014، باستخدام المسرح من أجل مصالحة شباب من جبل محسن وشباب من باب التبانة، الذين كانوا يتقاتلون، ومنهم كثيرون ذهبوا الى سوريا للقتال. تحدثت السيدة بارودي كيف أقنعت 16 مقاتلاً سابقاً بالمشاركة في مسرحية مستوحاة من حياتهم التي مزقتها الحروب، كما تحدثت عن الصعوبات التي واجهتها في إقناعهم ليحضروا إلى المسرح، وفتحت مقهيين ثقافيين على خطوط التماس في بيروت وطرابلس، لجمع شباب من مجموعات مختلفة، ثم أرست برنامج إعادة تأهيل، يتضمن تعليم مهن مختلفة، وخلق فرص عمل مشاريع مع الجيش اللبناني، الى خلق مؤسستين إجتماعيتين، واحدة تهتم بالبناء، والثانية بالتصميم لتقديم فرص عمل بشكل مستدام.
كما تحدثت عن التعاون المدني العسكري في طرابلس لتغيير نظرة المستفيدين والمجتمع تجاه القوات المسلحة اللبنانية لتقليل التوترات في ما بينهم. نتيجة لذلك، وعلى مر السنين، استفاد حوالى 1127 شاباً وشابة من برامج إعادة الدمج لتعلم مهارات جديدة في "مارش"، بينما يعملون معاً، ويبنون الجسور في ما بينهم.
إختتم الحفل بصعود شبان وشابات الى المسرح، ليخبروا تجاربهم المختلفة، وكيف ساهمت الجمعية بانفتاحهم، وتعرفهم على مختلف المناطق اللبنانية، وهو أمر ما كانوا ليحلموا به من قبل، كما ساهمت الجمعية في تغيير نظرتهم كلياً تجاه الجيش اللبناني، إذ كشف واحد من الشبان، أنه كان يكره القوات المسلحة. كذلك ركز البعض الآخر، على كيفية إتاحة الجمعية لهم، الفرصة للكلام والتعبير عن مكنوناتهم، والتعرف على الآخرين، وتغيير ما هو خطأ في داخلهم.