يحتفل لبنان في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر بالعيد الـ ٧٩ لإستقلاله. وهي مناسبة وطنية يستذكر فيها اللبنانيون المواقف الوطنية، والتحركات الشعبية، التي رافقت الحدث التاريخي، بالرغم من ممارسات الإنتداب الفرنسي القاسية حينها، والتي لم تتردد في إحتجاز حرية الشخصيات السياسية، لمنعها من ممارسة حقها الطبيعي بوطن حر ومستقل.
نستعرض لكم الأماكن التي شهدت على ولادة إستقلال لبنان، وهي قصر القنطاري، بيت الإستقلال في بشامون وقلعة راشيا.
قصر القنطاري
هو أول قصر جمهوري، وهو بيت تراثي جميل، يقع في منطقة القنطاري في بيروت، وأطلق عليه إسم قصر الاستقلال. لم يكن يعلم حنا حنينة، أن المنزل الذي بدأ في بنائه عام 1870 على مساحة 3200 م٢ لسكنه العائلي، سيتحول بعد 73 عاماً إلى قصر جمهوري.
شهد قصر القنطاري على أحداث مهمة خلال 140 عاماً، منها التي إرتبطت بشكل مباشر بإستقلال لبنان. في ليلة 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1943، اعتقلت سلطة الإنتداب الفرنسي الرئيس بشارة الخوري في غرفة نومه في قصر القنطاري، على يد جنود فرنسيين وسنغاليين، واعتقلت أيضاً أعضاء من الحكومة وزعماء بارزين، ونقلوهم إلى راشيا. عمّت التظاهرات الشعبية، التي طالبت بالافراج عن المعتقلين، كما طالبت بالإستقلال، ورددت أمام القصر الجمهوري في القنطاري "بدنا بشارة، بدنا رياض، بدنا حكومة شرعية". وبعد إطلاق سراح المعتقلين في راشيا، توجهوا إلى قصر القنطاري، ومن على شرفته، ألقى الشيخ بشارة الخوري خطاباً، وعلى يمينه زوجته السيدة لور شيحا، شقيقة ميشال شيحا أب الدستور اللبناني، وعُرف القصر منذ ذلك الحين بـ"قصر الاستقلال".
بيت الإستقلال في بشامون
اعتقلت سلطات الإنتداب الفرنسي رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري، ورئيس الحكومة رياض الصلح، وعدداً من النواب والوزراء، واحتجزتهم داخل قلعة راشيا، فتشكّلت على الأثر "حكومة لبنان الحرّ"، التي ضمت الأمير مجيد أرسلان، رئيس المجلس النيابي صبري حمادة والوزير حبيب أبو شهلا، واتخذت من بلدة بشامون مقراً لها. بعد وصول رجال الإستقلال إلى البلدة، إستقبلهم الأهالي في منزل المختار الشيخ ضاهر عيد، وكانوا يبحثون عن مقر آمن لاجتماعات الحكومة. فبادر الشيخ حسين الحلبي إلى دعوتهم للبقاء في منزله. ورداً على تحذيره من خطورة قراره، أجاب بشجاعة بأن المهم أن يبقى لبنان، وأن البيت يمكن إعادة بنائه.
انتقلت الحكومة إلى بيت الحلبي، الذي عرف بـ"بيت الاستقلال"، حيث احتضن رجالاً وطنيين آمنوا بوطنهم وبحريته، وما زالت صورهم محفورة في كل حناياه. هو منزل جبلي قديم، يقع على تلة من تلال بلدة بشامون، ويتألف من قسمين: أحدهما للنوم، والآخر لاجتماعات العمل، وعُرِف بـ"السراي". بني هذا البيت التاريخي عام 1890، وشرفته تزينها سنديانة كبيرة، كان يتجمهر تحتها القادمون لدعم رجال الحكم الوطني. في بيت الاستقلال في بشامون، رُفع العلم اللبناني لأول مرة في التاسع عشر من تشرين الثاني 1943، والعلم ما زال موجوداً في البيت، ومحفوظًا في لوحة.
قلعة راشيا
احتجزت السلطات الفرنسية رئيس الحكومة رياض الصلح، ووزير الداخلية كميل شمعون، ووزير الخارجية والأشغال العامة سليم تقلا، الوزير عادل عسيران والنائب عبد الحميد كرامي، في غرفة واسعة لمدة 11 يوماً، فيما كان الرئيس بشارة الخوري معزولاً في غرفة لوحده. بعد إعلان العصيان المدني، وإنطلاق المظاهرات في جميع المناطق اللبنانية، أطلق سراح المعتقلين، وأصبح 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1943 يوم الاستقلال اللبناني. قبل يوم الاستقلال، كانت قلعة راشيا موقعاً أثرياً يعود تاريخه إلى القرون الوسطى. لكن اعتقال "رجال الاستقلال" داخلها، حولها إلى رمز وطني، وأصبحت تُعرف بـ"قلعة الاستقلال"، وباتت صرحاً وطنياً يستقبل الزوار في المناسبات الوطنية. وأطلق عليها أيضاً إسم "حصن 22 تشرين الثاني"، وهي من أكثر المعالم الأثرية جمالاً في لبنان، وتتمتع برمزية كبيرة، وتمتد على مساحة 8 آلاف م٢.