يقع متحف الحرير في بسوس قضاء عاليه، وسط كروم الزيتون والبساتين الخضراء. قبل أن يتحول إلى متحف، كان خان الحرير متوقفاً عن العمل منذ عام 1945، وكان يُعرَف بـ"المخنق"، نسبة إلى عملية خنق الشرانق التي يصنعها دود القزّ، بهدف استخراج خيوط الحرير منها. وعندما اشترى الصناعي جورج عسيلي المبنى، كان يرغب في ترميمه ليكون منزلاً للعائلة. لكن شغفه بالحرير، لاسيما بعد زيارته المتاحف العالمية، دفعه إلى تحويله إلى متحف، وأصبح فيما بعد، موقعاً أثرياً وثقافياً واقتصادياً من الدرجة الأولى.

المدخل الخارجي

تبدأ الجولة في المتحف من مدخله الخارجي، عبر درجات من الحجر تُفضي إلى ممرات طويلة تزينها أحواض الزهور العطرية المنوعة، من الياسمين، وإكليل الجبل، والخُزامى، والقصعين، وسواها، بالإضافة إلى أشجار متنوّعة، منها التوت الذي يساهم في صناعة الحرير.

الطبقة الأرضية

في الطبقة الأرضية من المتحف، تُعرض منتوجات الحرير من ألبسة، وهناك مصنوعات يدوية، وبقايا معصرة، وباب مزدوج كبير الحجم لتأمين الحماية من الإعتداءات الخارجية المُحتَملة. وفي الطبقة العُليا، هناك مستوعَب بلاستيك شفاف، يعرض مئات الشرانق ليطلع عليها الزوار.

تربية دود القز

كانت تربية دود القز وصناعة خيوط الحرير السمتان المشتركتان بين أبناء جبل لبنان، وكانت زراعة التوت من الزراعات الأساسية لهذه الصناعة، التي كان يعتاش منها أهالي المنطقة، قبل اكتشاف خيط الحرير الصناعي. وفي هذا المجال، جاءت خطوة "جمعية التراث والإنماء "Amed"، التي أسسها جورج عسيلي في عام 2000، وهدفها الرئيسي الحفاظ على التراث النباتي والمعماري، وإنماؤه ليعيد بريق الماضي العريق بجمالياته وتفاصيله.

المعارض

تشكل دودة القز جزءاً من المجموعة الدائمة للمتحف، التي تؤدي إلى إنتاج خيوط الحرير والنسيج عبر المراحل المختلفة. كما يتم عرض منتجات الحرير المصنعة محلياً، منها فساتين السهرة اللبنانية التقليدية، والسراويل الحريرية التي كانت ترتديها الأميرات في القرن التاسع عشر. هناك أيضاً جناح مخصص للحرير الشرقي والحرير الذهبي. ويمكن للزوار مشاهدة صور للمزارعين العاملين في مجال إنتاج الحرير. وفي الصالة الكبيرة للمتحف، توجد صوَر مُجسّمة لأبناء الجبل، من نساء ورجال، يعملون في الزراعة، وتربية دود القز وإنتاج الشرانق.

تصنيع الحرير

أهم ما يقدمه المتحف، هو عملية حية لتصنيع الحرير، من البداية حتى النهاية. يبدأ التصنيع بتفقيس بذور القز على صفائح بيضاء، تحتمل حرا​​​​​​​رة مُعيّنة تحتاجها البذور للتفقيس بعد أيام قليلة، وعليها فتات ورق التوت المفروم بأحجام صغيرة، لتتمكن الدودة الصغيرة بعد خروجها من بذرتها، من أن تقتات من الورق وتنمو. خلال أسبوعين تقريباً، تبدأ بلف نفسها بخيط الحرير بعد إخراجه من فمها، وتبقى على هذا المِنوال من دون انقطاع، حتى يقفل عليها بصورة تامة. والغاية الطبيعية هي أن تبيض داخل الشرنقة، ثم تمزقها لتخرج منها، فتتحول لاحقاً إلى فراشة. قبل تمزيق الدودة للشرنقة، تُجمَع الشرانق، وتوضع في الماء المغلي على حرارة معينة، ليبدأ تحلّل الخيط الذي تتكون منه الشرنقة، وقد يصل طوله إلى 300 متر. على منصة أخرى، دولاب يدوي، يُربَط عليه طرف خيط الشرنقة، وبعد تحلّلها، يبدأ لفّ الخيط بتحريك الدولاب بروية منعاً لانقطاعه. ثم تتحول الخيوط إلى بكرات، ومنها إلى الأنوال للحياكة.

الآلات والأنوال

في المتحف، تُعرَض كل الآلات التي يحتاجها إنتاج الشرانق، وتحليلها، وحياكتها، منها الأنوال التي توقَّفت عن العمل، مع رحيل آخر مُتقني تشغيل النول، وكان إسمه ألبير فغالي. إشارة إلى أن أنوالاً أخرى تم إحياؤها في السوق التراثية لبلدة زوق مكايل اللبنانية.

تراجُع صناعة الحرير

استمر إنتاج الحرير في لبنان​​​​​​​ 1500 عام، وتوقف بعد إغلاق مصنع الحرير الأخير في سبعينيات القرن الماضي. وبلغت صناعة الحرير ذروة ازدهارها في القرن التاسع عشر، وانتشرت في مختلف المناطق اللبنانية، إلى جانب زراعات أخرى، منها الزيتون. من أهم أسباب تراجُع صناعة الحرير، الحرب العالمية الأولى، التي أدَّت إلى تدمير المشاغل، وكساد الإنتاج بسبب إقفال الأسواق، بالإضافة الى مُنافَسة اليد العاملة من دول شرقية، وتطوّر صناعة الأقمشة التي حلَّت محل الحرير المُصنَّع يدوياً، وإهمال السلطات المُختصّة التي أقفلت مكتب الحرير، الذي كان يؤمِّن البيوض، وأسواق التصريف للمزارعين.