في عام 2002، أعدمت ولاية فلوريدا المرأة العاشرة التي حُكم عليها بالإعدام في الولايات المتحدة، بعد توقيف عقوبة الإعدام منذ عام 1976. كان اسم تلك المرأة أيلين وورنوس، وهي مومس، وقتلت سبعة رجال تعرفت أثناء عملها على الطريق في فلوريدا في عامي 1989 و 1990.
وتحولت قصتها فيما بعد إلى سيناريوهات وإنتاجات مسرحية وأفلام وثائقية متعددة بالإضافة إلى الفيلم الأشهر Monster الذي صدر عام 2003. وكشفت هذه الأعمال عن قصة إيلين وورنوس عن امرأة أثبتت قدرتها على القتل مرارًا وتكرارًا، بينما كشفت أيضًا عن مدى مأساوية حياتها.
طفولة أيلين ورنوس المروعة
وُلدت ورنوس في 29 شباط/فبراير 1956 في مدينة روتشستر بولاية ميشيغان، وعانت من اضطرابات مروعة خلال طفولتها، إذ إنتحر والدها أثناء قضائه عقوبة السجن بسبب التحرش الجنسي بالأطفال، بالاضافة إلى تهم السرقة، بينما تخلت والدتها عنها وعن شقيقها الأكبر كيث، تاركين جديهما لتربيتهما.
كانت جدة وورنوس مدمنة على الكحول، أما الجد، فكان ينهال عليهما بالضرب المبرح. وذكرت ورنوس لاحقًا أنها تعرضت للاعتداء الجنسي من قبل جدها الذي أجبرها على إقامة علاقات جنسية مع شقيقها، كما حملت من صديق جدها عن عمر يناهز 14 عاماً، إنما تخلت عنه ووضعته للتبني. وكانت قد بدأت في سن الحادية عشرة في ممارسة الجنس مقابل المال والبيرة والسجائر، وعندما بلغت 14 عاماً، طردها جدها من المنزل، وذلك كان بعد وفاة جدتها، فقضت وقتها على الطرقات والغابات، تعمل كبائعة هوا، وتسرق كوسيلة وحيدة للنجاة.
كيف حاولت وورنوس الهروب من مصائبها؟
في سن العشرين، حاولت ورنوس الهروب من حياتها بالتجول في فلوريدا والزواج من رجل يبلغ من العمر 69 عامًا يدعى لويس فيل. كان فيل رجل أعمال ناجحًا وكان رئيس لنادي لليخوت، وغالبًا ما غادرت منزل زوجها لتتسكع في حانة محلية.
أساءت معاملته، وادعت فيما بعد أنها ضربته بعكازه. وفي النهاية، حصل زوجها على أمر تقييدي ضدها، مما أجبر ورنوس على العودة إلى ميشيغان لتقديم طلب الطلاق بعد تسعة أسابيع فقط من الزواج.
في هذا الوقت تقريبًا، توفي شقيقها فجأة بسبب إصابته بمرض السرطان، فجمعت ورنوس بوليصة التأمين الخاصة به البالغة 10000 دولار، اشترت سيارة فاخرة إنما تحطمت بعد ذلك أثناء قيادتها تحت تأثير الكحول، عندما نفدت المال، عادت إلى فلوريدا وبدأت الشرطة في القبض عليها بتهمة السرقة مرة أخرى، فعادت وعملت كمومس مرة أخرى، وتم القبض عليها في عام 1986 عندما أخبر أحد زبائنها الشرطة أنها سحبت مسدسًا في السيارة وطالبت بالمال.
وفي عام 1987 ، انتقلت للعيش مع خادمة في فندق تدعى تيريا موور، وهي امرأة أصبحت عشيقتها وشريكتها في الجريمة.
عام من القتل وسوء المعاملة
أخبرت ورنوس قصصًا متضاربة حول ضحاياها في بعض الأحيان، ادعت أنها كانت ضحية اغتصاب مع كل رجل قتلته، وفي أوقات أخرى، اعترفت بأنها كانت تحاول السطو عليهم، إختلفت الرواية بحسب إسم الضحية.
ضحيتها الأولى، كان ريتشارد مالوري، وهو كان في الواقع مغتصبًا، يبلغ من العمر 51 عامًا وكان قد أنهى فترة سجنه قبل ذلك بسنوات بهذه التهمة، إلتقت به أيلين في تشرين الثاني عام 1989 ، وأطلقت عليه النار عدة مرات قبل إلقاه في الغابة وإخفاء سيارته.
وفي أيار 1990، قتلت أيلين وورنوس ديفيد سبيرز البالغ من العمر 43 عامًا بإطلاق النار عليه ست مرات وتجريد جثته من ملابسها، وبعد خمسة أيام من اكتشاف جثة سبيرز فقط، عثرت الشرطة على أشلاء تشارلز كارسكادون البالغ من العمر 40 عامًا، والذي أصيب بتسع رصاصات ورُمي على جانب الطريق.
وفي 30 حزيران 1990، اختفى بيتر سيمز البالغ من العمر 65 عامًا في رحلة بالسيارة من فلوريدا إلى أركنساس، وادعى الشهود في وقت لاحق أنهم رأوا امرأتين، تطابق أوصاف مور وورنوس، تقود سيارته، وعثروا على بصمات يدها على عجلة السيارة.
وإستكمل الثنائي رحلتهما بالقتل، إذ قتلا ثلاثة رجال آخرين قبل أن يتم القبض على أيلين بموجب أمر قضائي بعد قتال آخر في حانة لراكبي الدراجات النارية في مقاطعة فولوسيا، فلوريدا، وأثناء عودة مور إلى بنسلفانيا، اعتقلتها الشرطة في اليوم التالي لايقاع بإيلين وورنوس.
خيانة الحبيب أدت إلى مقتل أيلين وورنوس
لم يستغرق مور وقتًا طويلاً للانقلاب على وورنوس، ففي الأيام التي أعقبت اعتقالها مباشرة، عادت مور إلى فلوريدا، حيث أقامت في فندق استأجرته الشرطة لها، وهناك أجرت مكالمات إلى ورنوس في محاولة دفعها باعترافات يمكن استخدامها ضدها.
في هذه المكالمات، تظاهرت مور بالخوف من أن تلقي الشرطة كل اللوم في جرائم القتل عليها، فكانت تطلب من أيلين مراجعة القصة معها مرة أخرى، خطوة بخطوة، من أجل الالتزام بالقصة نفسها، وبعد أربعة أيام من المكالمات الهاتفية المتكررة، اعترفت ورنوس بارتكاب العديد من جرائم القتل لكنها أصرت عبر الهاتف على أن عمليات القتل التي لم تعرفها مور كانت كلها محاولات اغتصاب، وأصبح لدى السلطات الآن ما تحتاجه لاعتقال إيلين ورنوس بتهمة القتل.
قضت وورنوس عام 1991 بأكمله في السجن، في انتظار بدء محاكماتها، وخلال ذلك الوقت كانت مور تتعاون بشكل كامل مع المدعين العامين مقابل الحصول على حصانة كاملة.
وغالبًا ما تحدثت هي وأيلين وورنوس عبر الهاتف، وكانت ورنوس تعلم أن عشيقتها تحولت إلى شاهد للدولة، إنما هذا الأمر لم يزعجها.
وبقدر ما كانت الحياة قاسية بالنسبة لها خارج السجن، بدت وكأنها تمر بوقت أصعب في الداخل، فاعتقدت ورنوس تدريجياً أن طعامها كان يُبصق أو يتلوث بسوائل جسدية، إذ أضربت عن الطعام مرارًا لأنها رفضت تناول وجبات معدة أثناء تواجد أفراد في مطبخ السجن.
وأصبحت أقوالها أمام المحكمة ومستشارها القانوني غير متماسكة بشكل متزايد، كما إعتقدت أن عاملو السجن والنزلاء كانوا يتآمرون ضدها. ومثل العديد من المتهمين المضطربين ، طلبت من المحكمة إقالة محاميها والسماح لها بتمثيل نفسها.
وافقت المحكمة بالفعل على هذا، مما جعلها غير مستعدة وغير قادرة على التعامل مع العاصفة الثلجية الحتمية من الأعمال الورقية التي تنطوي عليها سبع محاكمات قتل.
المحاكمة المثيرة للجدل وإعدام "الوحش"
مثلت أيلين وورنوس أمام المحكمة بتهمة قتل ريتشارد مالوري في 16 كانون الثاني/يناير 1992، وأدينت بعد أسبوعين، وكانت عقوبتها الإعدام. وبعد حوالي شهر، إعترفت في ثلاث جرائم قتل أخرى، والتي كانت أحكامها هي الإعدام أيضًا. وفي حزيران/يونيو 1992، إعترفت ورنوس بأنها مذنبة بقتل تشارلز كارسكادون وحُكم عليها مرة أخرى بالإعدام في تشرين الثاني على الجريمة.
خلال محاكمتها، تم تشخيص ورنوس على أنها مريضة نفسيا باضطراب الشخصية الحدية، وتم الحكم على أن هذا لا يتعلق بجرائمها بشكل مباشر، لكنه أظهر عدم الاستقرار الأساسي على أقوالها وتصرفاتها.
وفي عام 2001، قدمت التماسًا مباشرًا إلى المحكمة لطلب التعجيل بالحكم عليها، مستشهدة بظروف معيشية مسيئة وغير إنسانية، زعمت ورنوس أنها تعرضت لهجوم بسلاح صوتي من نوع ما، وحاول محاميها المعين من قبل المحكمة أن يجادل بأنها كانت غير عقلانية، لكن ورنوس لم تتماشى مع الدفاع، إذ لم تعترف مرة أخرى بجرائم القتل فحسب، بل أرسلت هذا أيضًا إلى المحكمة كوثيقة للتسجيل: "لقد سئمت من سماع هذه الأشياء "إنها مجنونة". لقد تم تقييمي مرات عديدة. أنا مؤهلة وأحاول قول الحقيقة. أنا شخص يكره حياة الإنسان بجدية وسأقتل مرة أخرى".
أعلنت ورنوس أنها تكره الرجال والشرطة والنظام القانوني، وفي مقابلتها الأخيرة، ذكرت أن الشرطة سمحت لها بالقتل "لتحويلها إلى قاتل متسلسل" وأنها كانت تُعذَّب "بموجات صوتية"، وقالت إنها رحبت بالموت باعتباره نتيجة لحياة معذبة.
في 9 تشرين الأول 2002، حصلت إيلين وورنوس على رغبتها: تم إعدامها في الساعة 9:47 مساءً في ذلك اليوم، مربوطة على شكل حرف T وهي تنتظر الإعدام بالحقنة المميتة، أدلت ورنوس ببيانها الأخير: "أود فقط أن أقول إنني أبحر مع الصخرة، وسأعود. مثل يوم الاستقلال مع يسوع، 6 حزيران، تمامًا مثل الفيلم، السفينة الأم الكبيرة وكل شيء. سأعود".
إستغلال حياة أيلين التعيسة للشهرة
أصبحت أيلين موضوع المقالات الإخبارية والبرامج التلفزيونية الشعبية والكتب والأفلام الوثائقية. في عام 2003، رويت قصة أيلين ورنوس في الفيلم الدرامي "Monster"، بطولة الممثلة تشارليز ثيرون، وحازت على جائزة الأوسكار لعام 2004 لأفضل ممثلة.
تم عرض قصة ورنوس عن كثب في إذ ابتكر المخرج الوثائقي البريطاني نيك برومفيلد عملين، بالاستنادة إلى حياتها، "Aileen Wuornos: The Selling of a Serial Killer (1993) وAileen: Life and Death of a Serial Killer (2003)"، وشارك في إخراج الأخير جوان تشرشل.