"للمحافظة على مستقبل الوطن يجب الإطلاع على تاريخه". عبارة لافتة من عالم الطبيعيات، ومدير متحف الأسماك المتحجرة في جبيل Memoire du temps بيار أبي سعد، الذي أعادنا إلى ملايين السنوات من تاريخ الحياة على الأرض، وشرح أهمية الأسماك المتحجرة، التي تساهم في معرفة هذا التاريخ.
بدأ بيار أبي سعد في الخامسة من عمره، بمرافقة والده إلى المقلع في بلدة حاقل، واليوم يرافق بيار أولاده إلى نفس المكان، مؤمناً بأن من لا ينتبه إلى تاريخه، يكون مصير التاريخ الزوال.
موقع "الفن" إلتقى بيار أبي سعد، وكانت لنا معه هذه المقابلة.
في البداية، مبروك تصنيف المتحف الذي جاء من أهم موقع للسياحة الإلكترونية في العالم Tripadvisor. هل يمكن الإطلاع على شروط المسابقة؟
الشركة تعتمد على التعليقات الإيجابية من قبل المتابعين على الموقع السياحي، وقد حصل متحف Memoire du temps على أفضل مرتبة، وهي Best of best choice، يمكن الحصول عليها وفق شروط Tripadvisor، وحلّ المتحف في المرتبة 13 من بين 25 موقعاً منافساً في الشرق الأوسط.
ما هي قصة عائلة أبي سعد مع الأسماك المتحجرة؟
خلال فترة الإنتداب الفرنسي، كان الفرنسيون يأتون إلى منطقة اللقلوق لممارسة رياضة التزلج، وكانوا يطلبون من جدي، الذي كان يعمل حمّالاً، نقل أدوات التزلج. في فترة الأربعينيات، وجد جدي سمكة متحجرة في حاقل، فأطلع الضابط الفرنسي عليها، والذي أعجب بها، وطلب الحصول عليها مقابل مبلغ كبير. وتابع جدي بيع الأسماك المتحجرة للفرنسيين، وبالمال الذي جمعه، إشترى المقلع. فيما بعد، إشترى كل من والدي وخالي وأخي، مساحات إضافية، وأصبح المقلع ملكاً للعائلة على مدى ثلاثة أجيال.
ما سر غنى بلدتَي حاقل وحجولا بالأسماك المتحجرة؟
الأرض التي
تؤلف لبنان الحالي لم تكن في آسيا، بل كانت في أفريقيا، ومنذ 100 مليون عام، كان هناك بحر واحد، هو التتيس Tethys، الذي يغمر الكرة الأرضية من خليج المكسيك إلى اليابان. في تلك الفترة، عندما كانت تهطل كمية كبيرة من الأمطار، كانت تحمل معها حيوانات مجهرية، تأخذ الأوكسجين من الماء، وتفرز السم الذي يؤدي إلى موت الأسماك. بعد موتها، تنزل السمكة إلى العمق، وبسبب إنعدام وجود الأوكسجين، لا تتحلل بسرعة، وتبقى محفوظة لفترة أطول، وتطمر بشكل سريع، بسبب الترسبات التي تصبح قاسية بفعل الوقت، وتصبح السمكة متحجرة في داخلها. ومنذ ٤٠ مليون عام، تكونت جبالنا بسبب زحف القارات، وتألفت السلسلة الشرقية والسلسلة الغربية، وصعدت المتحجرات مع الجبال، وأصبح العثور عليها ممكناً، بفعل عوامل التعرية. والأعمار التقريبية لمواقع الأسماك المتحجرة هي: حاقل وحجولا 100 مليون عام، النمورة 93 مليون عام، وساحل علما 75 مليون عام.
لبنان هو البلد الوحيد الذي يتميز بهذا العدد الكبير من أنواع الأسماك المتحجرة، وقد تم العثور على متحجرات، ما زالت تحتفظ بالأقسام الرخوة لجسم السمكة وجلدها وعظامها، لاسيما الأسماك التي يعتبر تحجرها صعباً، هي موجودة في لبنان، والسبب إنعدام الأوكسجين في الماء، والغمر السريع.
وماذا عن أنواع الأسماك المتحجرة؟
يوجد في لبنان أكثر من ٤٥٠ نوعاً مدروساً ومصنفاً، وهناك أصناف بحاجة إلى دراسة. والأنواع هي القرش، بقرة البحر، سلحفاة بحرية، وسمكة الكلكنتا التي هي أقدم سمكة ما زالت موجودة لغاية اليوم، وبعض العلماء يعتقدون أنها نقطة التحول بين الحياة البحرية والحياة البرية، وكذلك هناك سمكة الطيارة، الحنكليس، سمكة السيف، الأخطبوط، القريدس، السلطعون، نجمة البحر، دودة البحر وسمكة المنشار.
هل هناك معلومات تاريخية عن إكتشاف الأسماك المتحجرة؟
كشف أسقف فلسطين يوسابيوس القيصري في القرن الميلادي الثالث، أنه بعد يوم من السير على الأقدام في جبل لبنان، وجد أسماكاً على حجر، وعلى حد قوله، إنها دليل على طوفان نوح. وفي القرن الثاني عشر، كان الملك لويس التاسع في صيدا، وتلقى هدية عبارة عن سمكة متحجرة، وقيل إنها من أجمل ما شاهده في حياته.
كيف تصف التعاون العلمي مع متحف جنيف؟
العلاقة مع متحف جنيف بدأت منذ عام ١٨٦٦، حين جاء إلى لبنان متخصصون، وأخذوا مجموعة جميلة جداً من المتحجرات، وهم يملكون مجموعات من الـ Holotype، أي المواصفات العلمية الأساسية للأسماك المتحجرة، والتي يجب أن تكون موجودة في المتحف. التعاون مستمر ودائم معهم، ومع جامعات ومتاحف أوروبية وعالمية، والهدف علمي بحت. كما يتم التواصل بشكل مستمر مع الجامعة اللبنانية، من خلال البروفسور داني عازار، ومع جامعات لبنانية أخرى. وأنا أعتقد أن دراسة نوع جديد من الأسماك المتحجرة، هو مكسب للمتحف وللعلم في العالم.
ماذا عن الأسماك المتحجرة في متحف "ميم"؟
نتيجة التعاون العلمي مع السيد سليم إده، يوجد في متحف "ميم" أهم مجموعة من الأسماك المتحجرة المعروضة في العالم، ونحن فخورون بوجودها في متحف لبناني، إدارته حريصة على المحافظة عليها بكل أمانة وحرفية.
هل متحفMemoire du tempsيبغي الربح؟
نحن لا نبغي الربح في متحفنا، والبيع غير وارد سوى لعدد قليل من الأنواع الشائعة من الأسماك وغير النادرة. في المقابل، نحن نقدم مجموعات من المتحجرات للجامعات لأهداف علمية. ولكل الراغبين بالقيام بأبحاث علمية، يمكنهم الدخول إلى موقع حاقل، ودراسة مجموعتنا من المتحجرات، من دون مقابل مادي.
