يُعرَّف القاتل المتسلسل بأنه الشخص الذي يقتل ثلاثة أشخاص أو أكثر في فترة تزيد عن شهر، مع فترة "تهدئة" بين جرائم القتل. بالنسبة لقاتل متسلسل، يجب أن تكون جرائم القتل أحداثًا منفصلة، والتي غالبًا ما تكون مدفوعة بالإثارة أو المتعة النفسية. غالبًا ما يفتقر القتلة المسلسلون إلى التعاطف والشعور بالذنب، وغالبًا ما يصبحون أفرادًا متمركزين حول الذات، وهذه الخصائص تصنف بعض القتلة المتسلسلين على أنهم مختلين عقلياً.
القاسم المشترك بين أغلبية القتلة المتسلسلين، هو معاناتهم، وطفولتهم الصعبة، فالعديد منهم هم ناجين من صدمات في طفولتهم من الاعتداء الجسدي أو الجنسي، مشاكل أسرية، أو الأبوين البعيدين أو الغائبين.
تيد بندي من أشهر القتلة المتسلسلين واليكم سيرة حياته ومسيرته الصاخبة بالقتل
ولد بندي في بيرلينجتون، فيرمونت، والدته هي إليانور لويز كويل أما هوية والده لا تزال مجهولة. نشأ على الاعتقاد بأن أجداده، كانا والديه الفعليين وأن لويز كانت أخته الكبرى. لم يكتشف أن "لويز" كانت والدته حتى سنوات دراسته الجامعية، وتزوجت والدته مرة أخرى، وتبناه زوجها الجديد، ورغم أنه عامله معاملة جيدة، إنما تيد بقي بعيدًا عن زوج والدته. خلال مرحلة الثانوية، غالبًا ما كان بندي معزولًا عن الأطفال الآخرين في سنه، ولم يستطع فهم السلوك الاجتماعي للمراهقين ولكنه كان ماهرًا في "تزويره"، مما يشير إلى ميله نحو السيكوباتية( مختل عقلي). وكان قد صرح ذات مرة:"لم أكن أعرف ما الذي يجعل الناس يريدون أن يكونوا أصدقاء. لم أكن أعرف ما الذي يجعل الناس أكثر جاذبية لبعضهم البعض".
تخرج من كلية الحقوق عام 1972، وكان ماهراً في مهنته، إلى أن عثر على شغفه الحقيقي، وذلك عندما إعتدى بشراسة على ضحيته الأولى في عام 1974.
بداية مسيرته في القتل
استهدف بندي المرأة سمراء، التي يتراوح عمرها بين 12 و 26 عامًا، وكانت بداية مسيرته بالقرب من منزله في واشنطن، ثم انتقل شرقًا إلى يوتا، كولورادو، وأخيراً في فلوريدا. وما سهّل على بيندي عملية الإختطاف هي وسامته، وكان يزعم بأن ساقه أو يده مكسورة، لإقناع ضحاياه بمساعدته في حمل الكتب أو تفريغ الأشياء من سيارته. كان معروفًا أيضًا بانتحال شخصيات ذات سلطة، مثل ضباط الشرطة ورجال الإطفاء، لكسب ثقة الضحايا قبل مهاجمته لهن. بمجرد وصولهم إلى سيارته كان يضربهن على رأسهن بأنبوب، من ثمّ يكبلهن بالأصفاد ويجبرهن على ركوب السيارة، وكان قد أزال مقعد الراكب تاركًا مساحة فارغة على الأرض حتى تستلقي ضحيته بعيدًا عن الأنظار بينما كان يقود سيارته بعيدًا.
كانت الأولية بعد عملية الإختطاف، هو إغتصابهن،وقب لذلك كان يطلب منهن خلع ملابسهم، ويقوم بحرق الجثة لاحقًا بعد قتلهن، وكان يخلع ملابسه لمنع السلطات من العثور على أي دليل. في وقت لاحق كان يقتل ضحياته بالخنق وفي بعض الأحيان يقطع رأسهن بعد الوفاة، ويحتفظ بجماجمهن كغنائم.
وضع مساحيق تجميال على الجثث ومارس العلاقة معها
غالبًا ما كان يزور بندي ضحياته، واعترف بوضع مساحيق تجميل على الجثث، ومارس العلاقة الكاملة معها، وإستلقى معها لساعات بعد ذلك. كما ألبسهن ملابس لم ترتديها من قبل وقام بوضع طلاء أظافر لهن. كما احتفظ أيضًا بمجموعة من صور ضحاياه التي التقطها بكاميرا كطريقة لتذكر الجرائم.
توقيفه والحكم عليه
في 16 أغسطس/ آب، تم توقيفه عندما لم يتوقف بسيارته عند ضابط شرطة، وعثر الضابط على أقنعة، وقفازات، وأصفاد، وأشياء أخرى كان يشتبه في أنها أدوات للسطو. في 1 آذار 1976، حُكم عليه بالسجن من عام إلى 15 عامًا بتهمة اختطاف كارول دارونش، وكان قد حاول اختطافها في ولاية يوتا في عام 1974 من خلال التظاهر بأنه ضابط شرطة. وفي عام 1977، وجد المحققون أدلة كافية لتوجيه الاتهام إلى بندي بقتل كارين كامبل في كانون الثاني/يناير 1975.
هرب من السجن واستكمل جرائمه
سُمح لتيد بزيارة مكتبة المحكمة في السجن، ومن هناك، هرب عبر نافذة، وفي 9 شباط/فبراير 1978، ارتكب بندي آخر جريمة قتل معروفة له، إذ قام باختطاف كيمبرلي ليتش البالغة من العمر 12 عامًا خارج مدرستها، واغتصبها وقتلها وحاول إخفاء جثتها في مزرعة خنازير مهجورة، وتم إيقافه في اليوم التالي بسبب تواجده في سيارة مسروقة، وذلك قبل التعرف على هويته وتم اعتقاله مرة أخرى.
محكمته بثت على صعيد وطني
كانت محكمته أول محاكمة يتم بثها على الصعيد الوطني، ومثل بندي نفسه، وغالبًا ما كان يشير إلى نفسه بصيغة الغائب على أنه "السيد بندي، وبدا هادئًا وواثقًا وغير مبالي، مبتسمًا، وفي معظم فترات المحاكمة، كانت إحدى رجليه مرفوعة على كرسي، كما لو أنه لا يمكن إزعاجه. وحيازته على شهادة في الحقوق، ساعدته جداً خلال المحكمة، فكان حذر بأجوبته، فمثلاً عندما سأله المدعي العام: "هل تتذكر شهادتك في ولاية يوتا؟" أجاب بندي: "أذكر أنني أدليت بشهادتي في ولاية يوتا". ورفض الإعتراف بجرائمه طول المحكمة، إنما عندما ظهرت أدلة تثبت إدانته منها عضته على إحدى ضحياته، تم الحكم عليه بالإعدام على كرسي الكهرباء، وقبل يوم من تنفيذ الحكم في 24 كانون الثاني 1989، إعترف بقتله 36 ضحية، وكان جواب القاضي مؤثر جداً، وقال:"إنها مأساة لهذه المحكمة أن ترى مثل هذا الهدر التام. أنت شاب ذكي. كنت ستكون محاميًا جيدًا ...إنما ذهبت إلى طريق آخر أيها الشريك."
عالمة نفس تقابله وتشخص حالته
قامت دوروثي أوتنو لويس، عالمة النفس التي أجرت مقابلة مع بندي لمدة سبع ساعات، بتشخيصه بأنه مصاب بالاكتئاب الهوسي، وأنه ارتكب جرائم القتل خلال نوبات الاكتئاب. قد يكون سبب مرضه هو علاقته مع جده، صموئيل كويل، شماس الكنيسة، الذي وُصف بأنه "متنمر استبدادي". كان صموئيل متعصبًا معروفًا يكره الأمريكيين الأفارقة، والأسبان، والإيطاليين، والكاثوليك، واليهود. وصرح بوندي أن صموئيل قام أيضًا بتعذيب الحيوانات الصغيرة، بما في ذلك الكلاب والقطط المجاورة، واحتفظ بمجموعة واسعة من المواد الإباحية "الغريبة"، وتم الكشف لاحقًا أن المواد الإباحية كانت ذات طبيعة عنيفة.
على الرغم من الطبيعة المروعة لجرائمه، أصبح بندي أحد المشاهير، لا سيما بعد هروبه من الحجز في كولورادو في عام 1977. خلال محاكمته، لفت سحره وذكائه انتباه الجمهور بشكل كبير، وكانت قد ألهمت قضيته سلسلة من الروايات والأفلام الشعبية المكرسة للقتل المتسلسل. كما حفزت علماء الجريمة النسوية، الذين أكدوا أن وسائل الإعلام الشعبية قد حولت بوندي إلى شخصية رومانسية.
تيد بوندي في عالم السينما
أصبح تيد من أشهر القتلة المتسلسلين في العالم، فكان من الصعب عدم التحدث عنه، ويفتخر عادةً القاتل المتسلسل بعمله، فبالنسبة له هذا فنه، ويتباهى بعدد ضحاياه، ويحاول البعض كسر رقم قياسي لقاتل آخر، وبوندي لم يختلف عنهم كثيراً، إذ أقام العديد من المقابلات، والأفلام الوثائقية، يخلد إسمه من خلالها، وطبعاً، تحولت فيما بعد إلى العديد من الروايات والأفلام، مجسيدين شخصيته، وبسبب طول الائحة، سنتحدث فقط عن أشهر الأعمال التي عرضت على الشاشة.
The Deliberate Stranger (1986)
وصفت محامية الدفاع عن بندي، بولي نيلسون، هذا المسلسل التلفزيوني بأنه "دقيق بشكل مذهل" في كتابها "الدفاع عن الشيطان"، استنادًا إلى كتاب يحمل نفس الاسم كتبه ريتشارد دبليو لارسن، يبدأ المسلسل بقتل جورجان هوكينز ويتبع رحلة بوندي في جميع أنحاء البلاد.
وكان قد أجرى لارسن مقابلة مع بندي أثناء تطوعه في حملة إعادة انتخاب قبل أن تنكشف هويته كقاتل. وحصل مارك هارمون على ترشيح لجائزة غولدن غلوب عن دوره بشخصية بندي.
Ted Bundy (2002)
يتحدث هذا الفيلم عن جريمة قتل بندي الأولى وصولا الى اعدامه، ويظهر برودة تلاعبه، الكثير من الناس من حوله لم يكن لديهم أدنى فكرة عما كان قادرًا عليه، أو من كان في الواقع تحت البدلات الجميلة والشعر والابتسامة.
Ann Rule Presents: The Stranger Beside Me (2003)
تخيل هذا: أنت تستمتع بصداقة مع رجل يبدو أنه ناجحاً، فقط لتكتشف أنه قاتل متسلسلاً. وهذا ما حدث لمؤلفة الجريمة الحقيقية آن رول، التي عملت مع بندي في مركز أزمات الاغتصاب قبل إدانته، وكان عليها أن تحول تجربتها إلى كتاب، الذي تم تحويله لاحقًا الى هذا الفيلم الدرامي الذي تم سرده من وجهة نظر رول.
The Riverman (2004)
يمنحك الفيلم قصتين حقيقيتين لقاتل متسلسل، فأثناء وجوده في السجن، عرض على بوندي المساعدة في حل قضية قاتل مجهول مسؤول عن عشرات جرائم القتل في الثمانينيات والتسعينيات. وكان الهدف الحقيقي للمحقق روبرت كيبل، جعل بوندي يعترف رسميًا في خضم محادثاتهم حول Green River Killer. الفيلم مقتبس من كتاب كيبل، الذي يحمل أيضًا عنوان "The Riverman" ، ويتابع عن كثب دور بندي في التحقيق.
The Hunt for Ted Bundy (2015)
أصدرت شركة Investigation Discovery هذا الفيلم الوثائقي جنبًا إلى جنب مع مسلسلاتها القصيرة المكونة من ثلاثة أجزاء والتي تسمى "Serial Thriller: Angel of Decay". وكانت تهدف أن تنقل الحقيقة كما هي، فعندما تشاهد عرض جريمة حقيقي، قد يكون من الصعب أحيانًا فصل الحقيقة عن الخيال، إنما هذا الفيلم الوثائقي جاوب على أسئلة كثيرة.
Extremely Wicked, Shockingly Evil and Vile (2019)
أحدث هذا الفيلم ضجة عالمية، وتربع على عرش شبكات التذاكر لمدة طويلة، فساعد على تخليد إسم بندي، وما ساعد إنتشار الفيلم ليس فقط حبكته المذهلة، بل أيضاً إختيار أبطال الفيلم، فإتقن الممثل العالمي زاك إفرون شخصية بوندي، لدرجة أنه كان من الصعب التفريق بينهما، وأذهل العالم بأدائه الرائع.
وروي الفيلم من منظور صديقة بوندي إليزابيث كلوبر، التي لعبت دورها الممثلة ليلي كولينز. الفيلم مستوحى من كتاب "Kloepfer ،The Phantom Prince: My Life With Ted Bundy "، حتى أنها قابلت الممثلين.
أخرجه جو بيرلينجر، الذي أنتج أيضًا محادثات مع قاتل، مما يعني أنه ذهب إلى أعماق بوندي، وعلى الرغم من أن الفيلم تلقى آراء متباينة لأنه جعل بندي مبهرًا بعض الشيء، أشاد النقاد بأداء ليلي كولينز باعتبارها الأم الوحيدة التي وقعت في حب بوندي ورفعت ابنتها معه كشخصية الأب.
Conversations with a Killer: The Ted Bundy Tapes (2019)
أحدثت أشرطة تيد بندي ضجة كبيرة عندما أطلقتها نتفليكس في الذكرى الثلاثين لإعدامه، وكانت من إخراج جو بيرلينجر، الذي أخرج أيضًا Extremely Wicked ، وتكونت من أربعة أجزاء عبارة عن فحص شامل لتربيته وجرائمه وهروبه ومحاكماته ووفاته.
تتضمن السلسلة أيضًا لقطات أرشيفية لم يسبق لها مثيل ومقابلات متعمقة مع الضحايا الناجين والمحققين والأصدقاء القدامى وما شابه. الجزء الأكثر إثارة للجدل في المستند هو اختيار جو لعرض تسجيلات صوتية من بندي نفسه، والتي شعر البعض أنها كانت مونولوجًا بعد وفاته.
خلاف بين قاتلين متسلسلين، من الأفضل؟
شارك بندي زنزالته مع القاتل المتسلسل جيرارد جون شايفر، المعروف باسم "Killer Cop and the Hangman" ، الذي أدين في عام 1972 بقتل وتشويه فتاتين مراهقتين في بورت سانت لوسي، فلوريدا، ويشتبه في ارتكابه ما يصل إلى 32 جريمة قتل أخرى، إنما لحد اليوم لم يتم تأكيد سوى الفتاتين.
وتحدث شايفر عن الوقت الذي أمضاه مع تيد، وقال أنه كان مهووساً بالأرقام، فإعترف إنه كان يتابع قضيته في الجريدة، وكان يتباها بأنه قتل 36، في الوقت الذي هو، جون، قتل 34 فقط، وحاول قدر المستطاع التأكد من أنه لم يخفي جثث أخرى لا يعلم أحداً عنها، وكان جوابه: "إنني الأفضل وسأظل الأفضل، كنت قبلك وسأظل بعدك، تصدرت عناوين الصحف كلها، وأنت تحكم عما تسمعه في الجرائد، عما قالوه عني، وليس ما أنا قلته".
وكان هذا يثير غضب بندي كثيراً وكان يقضي وقته يتحدث عن جرائمه، ليثبت لجون إنه أقوى منه.
ولا يزال شايفر يرفض الاعتراف بجرائمه، وكان قد إستغل إعدامه، واسمه ليقوم بالعديد من القابلات والتحدث عنه لنيل الشهرة مرة أخرى.
إن قضية القتلة المتسلسلين ليست بسيطة، فلها عوامل نفسية، بيولوجيا، وعائلية، وهي ما تخلق القاتل وتجعله ما هو عليه، ولا يمكننا حصره تحت خانة "مجرد قاتل"، والسؤال الذي لايزال يحير العلماء والمتخصصين "هل يلد القاتل المتسلسل، أم يتحول إلى واحد؟".