مايسترو وملحن وموزع موسيقي وقائد أوركسترا أيضاً، هو إحسان المنذر، الذي أبدع في مشواره الفني وترك بصمة فنية فريدة في تعاونه مع عدد من الفنانين، منهم الشحرورة صباح، ماجدة الرومي، راغب علامة، وليد توفيق، نجوى كرم وسميرة سعيد.
صنع الكثير من النجوم، وقدم العديد من البرامج التي تحكي عن كبار الفنانين، كما دافع عن حقوق المؤلفين والملحنين، ونثر الكثير من الجمال من خلال الألحان التي قدمها من أغاني النجوم المشهورين أو أغاني الأطفال.
طفولته
ولد إحسان المنذر في بيروت في العام 1947، وكان يتعلم في المدرسة العباسية الإبتدائية في الرويس، حارة حريك، في الضاحية الجنوبية لبيروت. وعندما كان إحسان في السابعة من عمره، كان ينتظر عازف الناي الذي يمر بالقرب من منزلهم كل مساء، وعندما إلتقى به، لم يتردد في الوصول إليه، وفي أن يسأله عن طبيعة الآلة التي يستخدمها، وبعدما أخذ الجواب، جاء إحسان بقصبة وراح يحرقها بشيش نار، وحين ضبطته والدته شرح لها أنه يخترع آلة ناي، فابتسمت لبراءته، وأكمل اختراعه وأخذ يعزف على الناي.
موهبته ودراسته وزواجه
بعد نجاح شقيق إحسان في شهادة "الستريفيكا" أهداه والده آلة أكورديون التي لم يهتم لأمرها، لكنها لفتت نظر إحسان الذي أخذها وبدأ العزف عليها. وفي أحد الأيام خلال زيارة صديق بلجيكي لوالده، سمعه وهو يعزف "عزيزة" للموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، ما أثار دهشة الصديق، فطلب من والد إحسان أن يدخله المعهد العالي للموسيقى. وهكذا كان، فدخل إحسان المنذر القسم الغربي في المعهد، ودرس العزف على آلة البيانو، وكان ذلك في العام 1959، كما درس النظريات على يد المؤلف الموسيقي سلفادور عرنيطة، وتلقى دروساً خاصة على يد الأستاذ الروسي تشيسكينوف.
سافر إلى القاهرة ونال شهادة "التوجيهية"، وإلتحق بعدها بكونسرفاتوار "الهرم".
عام 1970 سافر إلى إيطاليا ليدرس التأليف الموسيقي، وإلتحق بمعاهد خاصة في جنوى وميلانو، وتزوج هناك من الإيطالية مارينا، وأنجبا ماريا وأحمد وسارة، وصار يعمل هناك، يعزف على البيانو ويغني بعدة لغات في الفنادق.
عند عودته إلى بيروت في العام 1979 إلتقى المخرج سيمون أسمر، وإتفقا على أن يقود المنذر الفرقة الموسيقية في برنامج "ستوديو الفن"، تزوج من كارول شحود، وله منها فراس وآية، وفي العام 1985، ترأس إحسان الدائرة الموسيقية في الإذاعة اللبنانية.
أعماله الفنية
تعاون المايسترو الراحل إحسان المنذر مع العديد من الفنانين، نذكر منهم تعاونه في التلحين مع الشحرورة صباح في عدد من الأعمال منها أغنية "ممنوع" وأغنية "يومين"، التي أوصت بإصدارهما بعد وفاتها حينها، والأغنيتان من كلمات الشاعر طوني أبي كرم.
وضع إحسان المنذر موسيقى تصويرية لفيلم "الإنفجار" و فيلم "المخطوف"، وأوبريت "وصية حب" للفنانين ديانا حداد ووائل كفوري في دبي، ووزع موسيقى مسرحية "إيليا النبي".
وبعد نجاح الفنان اللبناني راغب علامة في برنامج "ستوديو الفن" كان التعاون بينه وبين المبدع إحسان المنذر كبيراً، إنطلاقاً من أول أغنية خاصة لراغب وهي "بكرا بيبرم دولابك" التي أطلقت راغب علامة نحو النجومية، وتتالت بعدها الأعمال بينهما، نذكر منها أغنية "عن جد" و"قولي لجيرانك" و"قدام الناس"، "يا لومي"، "لو شباكك ع شباكي"، "الكتب العتيقة"، "دي ليلة ورد"، "برافو عليكي" و"بعتم الليل".
لحّن إحسان المنذر قصيدة الشاعر نزار قباني الرائعة "كلمات" التي غنتها الفنانة ماجدة الرومي، وذلك بعد تعاون لسنوات مع الرومي في أغنيات عديدة، نذكر منها "نبع المحبة"، "مطرحك بقلبي"، وداع"، "يا ساكن أفكاري"، وأغاني ماجدة للأطفال منها "العصفورة"، "عندي بيسي" و"اللعبة"، ووصلت أغنية "العصفورة" حينها إلى إيطاليا وأذيعت بالإيطالية، وفازت الأغنية بالجائزة الأولى في مسابقة بولونيا عام 1989.
إحتلت ألحان إحسان المنذر المراتب الأولى طوال تسعينيات القرن الماضي، وتوزعت ألحانه على أصوات كثيرة أخرى، نذكر من تلك الأعمال، أغنيتَي "بلديات" و"الحق عليي" للفنانة اللبنانية نجوى كرم، أغنية "يا قصص" للفنانة جوليا، وأغنية "مستعدة" للفنانة المغربية سميرة سعيد، كما لحن للفنانة باسكال مشعلاني أغنيتَي "جيد جدا" وأغنية كلو منك"، وتعاون مع الفنانة لورا خليل في أغنية "عشان إحنا طيبين"، ومع الفنان مايز البياع في أغنية "عالي".
في العام 2014، قضى الفنان اللبناني وليد توفيق ساعات طويلة مع إحسان المنذر، حيث تعاون معه في عدة أغنيات.
أصدر إحسان المنذر عدة مقطوعات موسيقية نالت شهرة واسعة، نذكر منها "رقصة ندى"، خبرية"، سوناتينا إلى ماريا"، رباب"، "إزميرالدا"، ولم يكتفِ بالتأليف الموسيقي والتلحين والتوزيع الموسيقي وقيادة الأورستكرا، إنما أنشأ ستوديو خاص مجهزا بأحدث التقنيات، ومنها التقليدية عام 1992، وقدم برنامج "بيانو بيانو" على شبكة أوربيت مع الممثلة مي صايغ، من إعداد الزميلة هلا المر، فقدم عشرات الحلقات التي تحكي سيرة حياة كبار الفنانين من أم كلثوم، صباح، فيروز، سيد درويش وغيرهم، وبعدها قدم برنامج "دندنة" على قناة "mbc" مع الإعلامية نانسي معماري من إعداد الزميلة هلا المر أيضاً، وإستقبل أهم الفنانين، منهم وردة الجزائرية، كاظم الساهر ونانسي عجرم، وكان الضيوف يغنون للمشاهير الكبار.
فنان كبير ومبدع لم يكن لديه سقف لطموحاته، فنجاحه الكبير يحكي مسيرته الفنية الطويلة التي لم يمل منها ومن تطويرها يوماً.
كان المنذر عضو جمعية "المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى SACEM" باريس، ونائب رئيس "مجلس المؤلفين والمحلنين" في لبنان.
الجوائز والتكريمات
بعد إبداعه الكبير ورقي فنه الذي قدمه بتألق، لا يليق بالمايسترو إحسان المنذر إلا التكريم، وحصد الجوائز التي خلفها سنوات من التعب، نذكر من أبرز الجوائز التي حصل عليها:
الجائزة الأولى من تونس سنة 1994 في مهرجان "الميكروفون الذهبي" عن أغنية "لا أريد إعتذاراً" للفنانة سمية بعلبكي، وجائزته الثانية سنة 1996 في مهرجان القاهرة عن أغنية "نهر الإيام" بصوت للفنانة لور عبس.
حاز سنة 2006 على تكريم دار أوبرا الاسكندرية من جمعية فناني الاسكندرية.
وكان الرئيس السابق سليمان فرنجية قد استقبل إحسان المنذر، ومنحه درع رئاسة الجمهورية تقديراً لعطاءاته الفنية والموسيقية في العام 2012.
وفاته
توفي إحسان المنذر صباح يوم الأربعاء 8 آب 2022، عن عمر يناهز الـ 75 عاماً، وذلك بعد صراع مع المرض، تاركاً خلفه عدداً كبيراً من الأعمال الفنية الراقية التي ستبقى للأجيال المقبلة.