رائدة في مجالها، أسست مسرحها الخاص منذ 26 عاماً، وما زالت تناضل في سبيل نشر الثقافة بين المواطنين، الذين أتعبهم المسؤولون السياسيون، فبات معظم الناس يبحثون عن لقمة العيش، بدلاً من إهتمامهم بالفن الراقي.
إنها الممثلة والكاتبة والمخرجة نضال الأشقر، مؤسسة مسرح "المدينة"، التي استقبلتنا في مسرحها العريق، وكان لنا معها هذا الحوار.
كم يعاني المسرح في لبنان ليبقى مستمراً في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها في السنوات الأخيرة؟
كل المسارح في لبنان تعاني، وهناك مسارح كثيرة أقفلت لأنها لم تعد قادرة على الاستمرار، من زمن ليس هناك دعم للمسرح، حتى أن المسارح التي لديها دعم أقفلت أبوابها، ونحن في مسرح "المدينة" قررنا أن نستمر، مهما حصل، حتى أننا استمرينا في الأوقات الصعبة لأزمة فيروس كورونا، وكان الدعم من الناس الذين يهمهم ألا يقفل مسرح "المدينة" أبوابه، وكذلك كان الدعم من الأصدقاء، ولاحظت أن الناس يأتون إلى المسرح بكثيرة، وذلك لأنهم بحاجة إلى أن يأتوا إليه، وإلى أن يشعروا بأن مدينتهم لا زالت موجودة، ومسارحهم لا زالت تفتح أبوابها، وفنانيهم لا زالوا على قيد الحياة.
لماذا هناك من يعتبر أن المسرح من الكماليات؟
لأنه ليس هناك ثقافة عامة في بلدنا عن المسرح، وهذا النظام في لبنان منذ أن بدأ، ليس معنياً في أهمية الثقافة، وفي أهمية الإنسان المثقف، فالإنسان الذي يحترم دولته وقوانينها ولديه أخلاق، يختلف عن الإنسان الذي لم تدربه الدولة على أي شيء.
ولكن هناك مبادرات فردية للتوعية عن أهمية الثقافة.
المبادرات الفردية حاصلة، ولكنها لا تكفي لحصول نهضة متكاملة في كل لبنان، وأعني بكلامي أن يكون هناك مسارح في كل الضيع اللبنانية، أو مكاتب مسرحية صغيرة أو مكاتب جوالة، أو أشخاص يدعمون المراكز الثقافية، وأن يكون هناك مكان يستطيع الشباب أن يلتقوا فيه ليقرأوا ويمثلوا ويتدربوا، التمثيل هو ثقافة واسعة وكبيرة جداً، لأنك تقول كلاماً كتبته كتّاب كبار، أو كلاماً نابعاً من مشاكل الناس ومعاناتهم، وما ذكرته لم يحصل مرة في لبنان، فلم يتحرك لبنان على شكل نهضة كاملة متكلة حول المسرح والقراءة والإلمام في الثقافة، لذلك بقي المسرح على الهامش بالنسبة لأشخاص عديدين، ولكن بالنسبة لنا، هناك مبادرات فردية من أشخاص يقومون بهذه الأعمال، ويكتشفون دايماً أن الناس يحضرون إلى المسرح بشغف وتعطّش، لأن الناس يحبون أن يلتفوا ويتحاوروا، وأن يدخلوا إلى المسرح ليكتشفوا إنسانيتهم، وفنانيهم، وجمال الكلام الذي يُقال، وهذه حاجة للإنسان منذ وجوده.
أكمل مسرح "المدينة" عامه الخامس والعشرين، ودخل في عامه السادس والعشرين، هذا المسرح شهد على أحداث فنية كبيرة، على ماذا يشهد اليوم؟
يشهد على إنهيار لبنان، أو على آخر حلقة من الإنهيار في لبنان، الإنهيار والفساد بدآ في لبنان منذ زمن بعيد، ولكن هذا الفساد كان لا يزال متماسكاً، كانت الدولة لا زالت متماسكة، الآن انهار كل شيء، لذلك نشهد كفنانين ومسارح، على انهيار هذا النظام الذي لم يكن لمرة "ماشي". فنظام لبنان مرتكز على الطائفية والتوزيع الطائفي، ولذلك "ولا مرة رح يمشي".
ماذا تقولين لطلاب المسرح اليوم؟ وهل سيجدون فرص عمل؟
صعب جداً ، أن يجدوا فرص عمل، وليستمروا في دراستهم لأنهم يحبون المسرح وهذا العمل، كما قلت لك فإن المسرح هو ثقافة عامة، ولكني لا أستطيع أن أشجع الطلاب، وأقول لهم إن المسارح ستفتح أبوابها، وإن لبنان سيتبنى نهضة ثقافية كبيرة يستطيع الطلاب أن يكونوا جزءاً منها، أحب أن أقول لهم ذلك، ولكني لا أستطيع.
قدّمتِ منذ فترة عرض "مش من زمان"، الذي هو سيرتكِ الذاتية ولكن مغناة، وحضرتكِ كتبتِ النص، أي مرحلة تحذفينها من حياتك؟
ولا مرحلة.
هل كانت حياتكِ مرة أكثر مما كانت حلوة؟
كانت صعبة، ولم تكن سهلة.
هل ستكون هناك عروض جديدة لـ"مش من زمان"؟
طبعاً، سأحدد لاحقاً موعد العرض.
في الختام، في ظل كل الظروف الصعبة في لبنان، هل يمكن أن نسمع من حضرتكِ كلمة أمل؟
نعم، فلو لم يكن لدينا أمل لما كنا نستمر، ولدينا أمل في التغيير الجذري، على الرغم من أنه يتطلب وقتاً طويلاً، لأنه علينا أن نغير نظاماً بالياً وفاسداً ومنهاراً. مع أنه من الصعب أن نعطي أملاً في هذه الأوقات الصعبة، ولكن علينا أن نتسلّح دائماً بالأمل، وبأنه يمكن أن نصل إلى مكان أفضل يوماً ما، لا أقول لك غداً أو بعد غد، ولكن علينا أن لا نييأس، على الرغم من أن كل ما حولنا يجعلنا نيأس، من البنزين إلى الكهرباء والنفايات..، والمسؤولين الذي مرّ على وجودهم في موقع المسؤولية 70 عاماً، والذين سرقوا لا زالوا يسرقون، ما الذي سيتغير؟ هم يقومون بما يقومون به عن قصد ليجعلوا الناس ييأسون، ولكننا لن نيأس، لأن هذا بلدنا، وهذه أرضنا، وهذا لبنان الذي ليس هناك أجمل منه، وعلى الرغم من كل ما قام به المسؤولون، لم يستطيعوا أن يقتلوا لبنان، هم قتلونا، ولكننا متمسكون بلبنان به، لكن ليس بهذه الصيغة، بل بصيغة إحترام الإنسان، وفصل الدين عن الدولة وإلغاء الطائفية كلياً، على أن يكون كل لبنان دائرة انتخابية واحدة، لماذا أوجدوا هذه الدوائر الطائفية، لماذا يجرون هذه الانتخابات بهذه الطريقة، ليعودوا هم أنفسهم، لذلك أطلب من الناس ألا يصوتوا لمرشح يعلمون أنه فاسد، حتى لو أعطاهم أموالاً كثيرة، فليأخذوا الأموال، ولا يصوتوا له.