عايدة صبرا تلمع بمواهبها المتعددة، ولا تقتصر صفتها على "الممثلة" فقط، بل هي مخرجة، كاتبة، شاعرة، ومصمِّمة ومدرِّبة رقص، ومدرِّبة على التعبير الجسماني وفنّ الإيماء.
إسمها أكاديمي بإمتياز، سواء من خلال التعلم أو التعليم، بارعة بإيصال الانفعالات العاطفية الى المشاهد.
عام 2021 تعاونت مع المخرج والمؤلف المسرحي وجدي معوض، ونجحت في أداء دور "أم وجدي" في مسرحية "الأم"، التي عرضت في باريس، ومقرر عرضها في عدة بلدان.
موقع "الفن" كان له لقاء مع الممثلة والكاتبة والمخرجة عايدة صبرا، تحدثت فيه عن العمل المذكور، العمل الأخير الذي قدمته، وعن مشاريعها بعد أن غادرت لبنان نتيجة الأزمات التي يمر بها.
تعاونتِ مؤخراً مع المخرج والمؤلف اللبناني العالمي وجدي معوض في مسرحية عرضت في باريس بعنوان "الأم"، هل هذا أول تعاون لكِ مع معوض، وكيف وقع الاختيار عليكِ؟
إنه أول تعاون لي مع وجدي معوض، وقع الاختيار عليّ من خلال أوديت مخلوف معركش، التي تلعب في المسرحية دور ابنتي، أي دور شقيقة وجدي معوض، وهي تعرفني، ورشحتني عبر اقتراح اسمي على وجدي. أوديت مثلت مع وجدي معوض في فيلم Sous le ciel d'Alice وأعجب بذكائها. تتناول المسرحية الفترة التي تركت فيها أم وجدي لبنان خلال الحرب لمدة خمس سنوات. طلب معوض من أوديت أن تؤدي دوراً في المسرحية، في نفس الوقت كان يبحث عن ممثلة لتلعب دور أم وجدي. بعد أن زوّد أوديت بصورة والدته، أخبرته عني، اتصل بي عام 2019، وهكذا تم اللقاء.
ما التحديات التي واجهتكِ في تجسيد هذا الدور؟
هناك نقاط مشتركة كثيرة بيني وبين الدور، أي شخصية "أم وجدي" التي اقتلعت من وطنها، واضطرت إلى السفر مع أولادها الثلاثة. سافروا الى فرنسا حيث اختلفت حياتها كلياً بين البلد الام وبلد المهجر. بقي زوجها في لبنان ليؤمن معيشتهم، لم يكن يستطيع أن يعمل في فرنسا. عاشت "أم وجدي" القلق والتوتر والخوف على الاولاد، من أن ينخرطوا في بيئة مختلفة تماماً، بسبب العقلية المحافظة السائدة في تلك الفترة. من ناحية أخرى، كانت "أم وجدي" تعيش في لبنان حياة اجتماعية غنية بالعلاقات العائلية والصداقات، فقدت هذه العلاقات في فرنسا، حيث البيت كان صغيراً، اضافة الى الخوف من الاوضاع في لبنان الذي رافق حياتها. في تلك الحقبة، لم تكن الاتصالات الهاتفية متوفرة مثل اليوم. كانت تقلق على زوجها، وبالنسبة إلى أوضاعها المادية، لم تكن في بحبوحة.
وعلى الصعيد الشخصي، أنا عشت هذه الظروف عندما هاجرت الى كندا، كذلك في بداية الحرب عندما ذهبنا مع والدتي الى فرنسا. اكتشفنا من خلال المسرحية، أنها كانت حال الكثير من اللبنانيين الذين هاجروا.
التحضير للعرض مثّل التحدي الأكبر. ما يميز وجدي معوض عن غيره من المؤلفين المسرحيين، طريقته التفاعلية في التأليف. وجدي معوض لا يكتب نصاً متكاملاً، بل يلجأ إلى القيام بمختبر مبني على الارتجال، حول مواضيع تتعلق بالمسرحية. ذهبنا في الصيف للقيام ببعض التمرينات، التي تكوّن أحد العناصر التي يرتكز عليها لتقييم القدرة الابداعية للممثلين، وبناء تصوره للمسرحية. عدنا في أيلول بعدما بلور ما أخذه من المختبر، وطوّر في الكتابة. وجدي يكتب المسرحية شيئاً فشيئاً، كان يعطينا النص، وكان علينا بوقت قصير، أن نترجم دورنا إلى اللبنانية، هذه الطريقة التفاعلية، تدفع الممثل للمشاركة بالعمل بقدراته، ومخيلته، وموهبته وثقافته. بهذا الشكل أصبح العمل ملك الممثل أيضاً.
التحدي الآخر تمثّل في الارتقاء الى البيئة الثقافية الفرنسية، حيث الجمهور مثقف مسرحياً، في باريس المسارح متنوعة، وهذا تحدٍ كبير، وكان النجاح باهراً، لأن المسرحية باللبنانية وكانت مترجمة. التعليقات كانت رائعة، لأن المسرحية تلامس شعور كل شخص اضطرته ظروفه الى ترك بلده الأم وثقافته، ليبدأ حياته من جديد، وهذا ما أكده مشاهدو المسرحية.
ماذا أضاف هذا الدور الى مسيرة عايدة صبرا الأكاديمية، الممثلة المتعددة المواهب؟
تعلمت كثيراً من طريقة عمل وجدي، الذي يستفز الممثل بشكل ايجابي، لإخراج الأفضل منه، فيدفعك في عملية بحث، الى المشاركة في كتابة النص أو الاقتراحات، وجدي يستمع إلى الجميع، يسجل ملاحظات فريقه من الفنيين، من مصممة الأزياء الى مهندس الصوت. لديه طريقة عمل جماعية تغني العمل، وهذه قوة وجدي معوض الذي لا يقف عند حدود معينة، فهو قام بقلب تراتبية المشاهد. هناك استنفار يتطلب تقبلاً من الممثل للتغيير، وحالة تيقظ ومشاركة في النقاش على مشاهد معينة. هذا الإنفتاح وتقبل أفكار الآخر، هما أمران نادران، إذ شعرت أنني في مختبر بحثي طوال الوقت.
كيف عبّرتِ بجسدك عن القلق والتوتر اللذين تعاني منهما الأم في حياتها بالإغتراب؟
التعبير عن هذه الشخصية كان عبر حالات انفعالية حادة جداً، إلى درجة الهستيريا والصراخ على الاولاد. لديها هذا الصوت العالي عندما كانت تتكلم على الهاتف، والذي يقلق الجيران. حركتها سريعة ومتوترة، هناك ديناميكية في حركة جسدها. الدور يتقلب بين الصراخ والهستيريا والغضب، الى لحظات ضعف وبكاء، ولحظات ضحك، كان هناك تنوع في الحالات، تنتقل من الضحك الى البكاء، من الحنان الى الفرح، الانفعالات كانت متطرفة. نقل معوض عبر الحالات، كيف كان يرى والدته في عمر العشر سنوات. الولد الصغير لديه رؤيا خاصة لعالم الكبار.
هل ستعرض المسرحية مجدداً؟
ينظم وجدي معوض جولة للمسرحية على مهرجانات وعروض، في أوروبا وأميركا. كما سيعاد عرض المسرحية في فرنسا لمدة شهر، لكن لم يتم تحديد المواعيد بعد.
هل تقومين بنشاط مسرحي في كندا؟
عند ذهابي إلى كندا في تموز/يوليو 2020، مثلت في مسرحية مع فرقة كندية، ونحضر الآن لعمل، النص مكتوب، وبدأنا التمارين، لكن عرضه ليس قريباً.
هل تواصلين تعليم تلاميذك في جامعة القديس يوسف عبر تقنيات الإنترنت، أم أنكِ توفقتِ عن التعليم في الفترة الحالية؟
تركت التعليم في لبنان منذ عام 2017، كنت أقوم بأتولييه مسرحي، أستأجر قاعة في مونو أو في مسرح المدينة، وأنظم الورشة المسرحية للتلاميذ الراغبين.
إشارة إلى أن صور المسرحية المرفقة في الموضوع، هي بتوقيع المصورة الفوتوغرافية Tuong-vi Nguyen.