الدكتور ناجي قزيلي، صحفي ومحاضر جامعي، حائز دكتوراه في الفلسفة والعلوم الإنسانية. أطلق كتابه الجديد "قصص الميلاد" Contes de Noël باللغة الفرنسية، فجمع بين التاريخ والدين والفانتازيا، وتعمّد من خلاله أن يحث القارئ على الغوص في أعماق ذاته، ليفهم الرسالة الموجّهة إليه في نهاية كل قصة. الكتاب موجّه للشباب الذين يجهلون تاريخ لبنان، وعلاقته المباشرة بالدين المسيحي، وهو يحثّ على العودة إلى الإيمان، والمعنى الحقيقي للعيد، أي ولادة المخلص، بدلاً من المظاهر البرّاقة والفارغة من المضمون. وتميّز العمل برسالة رجاء وإيمان للإنسان، لاسيما لللبنانيين الذين يعانون من الوباء، ومن ظروف إقتصادية قاسية. حاز الكتاب على تقدير مميّز من قداسة البابا فرنسيس: "الكتاب الذي أثّر في البابا".
ما الهدف من إطلاق كتاب Contes de Noël؟
الهدف الحقيقي هو الإيمان، الذي له الأهمية الأساسية في حياتنا، لأنه الوحيد الذي يعطي معنى للحياة، وللتساؤلات الكبرى التي نطرحها على أنفسنا، لاسيما الألم والموت والوجود. هذه التساؤلات كلها لا نستطيع بمفردنا إيجاد أجوبة عليها، لذا نحن بحاجة الى الله. وهذا هو دور الإيمان الأساسي، وهذه هي الرسالة التي أردت إيصالها من خلال الكتاب. في كل المجتمعات، خصوصاً التي تعتبر نفسها متقدمة، ألغت الله كلياً من الوجود، واعتبرت ذلك نوعاً من التحرر، وتبين فيما بعد أنها لم تحصل على الحرية، بل على المزيد من القيود، وصولاً إلى أن إلغاء الله، أوصل إلى إلغاء الإنسان الذي فقد قيمته كفرد، وصار رقماً مثل أي سلعة.
المزج الذي إعتمدته بين التاريخ والديانة والفانتازيا، هل كان عاملاً مساعداً لإيصال فكرة الكتاب بشكل أفضل؟
طبعاً، لأنني لم أكتب كتاباً لاهوتياً أو دينياً أو تاريخياً. أنا كتبت أقاصيص موجهة الى فئة عمرية معينة، وكان من المفروض أن ألعب على القواعد والأطر الأدبية، وأمزج كل هذه العناصر، وقد ورد في نهاية الكتاب: "الآن حان وقت الهدايا، لأن الناس يتبادلون الهدايا في عيد الميلاد، والهدية الكبرى هي المسيح، الذي أتى من أجلنا، وفي هذا الإطار، رغبت في أن يكون في محتوى كل قصة تفاصيل تاريخية ودينية، تدفع القارئ إلى البحث عنها، وعليه أن يميّز بين التاريخ والفانتازيا والدين، فيتلمّس المسيرة التي عليه أن يسلكها، ليصل الى الحقيقة، أي الى الله".
ما هي أهمية المراجعة الذاتية؟
على القارئ أن يقوم ببحث ذاتي، وأن يبحث عن موقعه في كل مرحلة من حياته، ويطرح تساؤلات على نفسه، وعن الرضا الذاتي، لأن الإيمان ليس فقط مجموعة قواعد نحفظها، بل هو مسيرة نحو الله، يتخللها تراجع وتقدم، وأحياناً تقدّم سريع، وأحياناً أخرى توقف، يرافقه إكتفاء آني.
الكتاب يتمتع بأبعاد دينية وتاريخية تتعلق بالوجود المسيحي، هل لديك النية في ترجمته إلى اللغة العربية لكي تستفيد منه شريحة أكبر من القرّاء؟
بالطبع هناك إقتراحات لترجمته الى عدة لغات، منها العربية، لكن ضيق الوقت كان سبب إصداره باللغة الفرنسية، خصوصاً أنه يجب إطلاقه قبل الميلاد. ولا بد أن أشير الى أن مراحل العمل، كانت تتطلب القيام بتعديلات، إستمرت الى حين طباعته، وكان علينا إنتظار الغلاف الذي قام به رسام إيطالي معاصر، يدرّس الرسم الكنسي في الجامعات، وقد حرصت على طباعته في لبنان، مع التقيد بقواعد النشر الفاتيكانية، وبنفس معايير الجودة والإتقان.
هل رسالة الرجاء التي يتضمنها الكتاب هي التي دفعت قداسة البابا إلى منحه تقديراً مميزاً؟
ربما، لم أعرف بعد ما الذي دفع قداسة البابا الى منح كتابي هذا التقدير المميز، وقد يكون السبب هو القراءة للميلاد، إنطلاقاً من لبنان، ومن التجربة اللبنانية، ومن آلامنا وصعوباتنا، وهناك تساؤلات كبرى، إنطلاقاً من كل انسان يمكن أن يطرحها على نفسه في أي زمن. أنا أعتبر التقدير نعمة كبيرة حصلت عليها من قداسته، وأشكر الله عليها.
ما هي أهمية ودلالات التفاصيل الصغيرة التي وردت في الكتاب؟
التفاصيل الصغيرة مهمة، وهي ضرورية للإشارة الى أن المسيح لم يتجسّد بمفاهيم العظمة، بل تجسّد بأضعف شكل، وهذا ما خبرناه هذه السنة في عيد الميلاد، إذ كنا الأقرب إلى الميلاد الحقيقي، بعيداً عن مظاهر البذخ وتبذير المال على مشتريات غير مهمة، فشعرنا من خلال الآلام التي نمر بها بجوهر العيد، وبأن العيد الحقيقي هو ميلاد المخلص، الذي عرف كيف يتكلم من خلال الضعف البشري والفقر المادي والجوع، وأعطى قيمة للضعفاء والمنبوذين والمهمّشين.
هل تعتقد أن الإيمان سيساعد اللبنانيين على النهوض من جديد؟
أعتقد أن المسيرة الإيمانية التي عشناها وتلقينا تعاليمها من الأجداد، والتي استمرت تقريباً 2021 عاماً على هذه الأرض، لا يجب، ولا يمكن، أن نكون الحلقة التي تكسرها، وأن نجاهر بمسؤوليتنا عن الوضع الحالي. لذا أجد الدافع الذي يردّني الى إيماني، أن وراء كل شيء قوة كبيرة نستطيع الإتكال عليها، وهي المسيح الذي رافقنا في مراحل العذاب، وهذه الأرض المهمة بالنسبة إليه، لا يمكن أن تزول، وهي ليست وليدة الصدفة أبداً.