كنا نشرنا الجزء الأول من سيرة سفيرتنا إلى النجوم فيروز، الذي تحدثنا خلاله عن إنطلاقتها الفنية، وتعرفها إلى زوجها وشريك عمرها ونجاحاتها عاصي الرحباني، لقراءة القسم الأول كاملاً إضغط هنا .
فيروز نجمة مسرح الأخوين رحباني، عمل معها كبار المطربين والممثلين على هذه الخشبة، وشكلت حواراتهم معها جزءاً من ذاكرتنا.
فيروز التي تألقت في مهرجانات بعلبك الدولية، وجالت العالم أيضاً بفنها الراقي، غنت أجمل القصائد باللهجة اللبنانية، وباللغة العربية الفصحى، بتوقيع رواد الشعر.
ننشر لكم اليوم الجزء الثاني من سيرة سفيرتنا إلى النجوم فيروز.
فيروز والإنطلاقة
زواج فيروز من عاصي الرحباني، هو زواج المجد للأغنية اللبنانية، وكان العمل الدؤوب مع الأخوين الرحباني، منصور وعاصي، حيث أصقلت موهبتها بالدراسة الموسيقية، إستطاع الأخوان رحباني، أن يحصرا موضوع الأغنية بـ 4 أو 5 دقائق، على عكس ما كان شائعاً آنذاك، حيث كان معدل وقت أقصر قطعة فنية 20 دقيقة، وعمل عاصي على مزج موسيقي، ما بين الأنماط الموسيقية الغربية والشرقية. مع قصة حب عاصي وفيروز في أروقة إذاعة لبنان، كانت الصبية البريئة الملامح، صاحبة الصوت الجهوري. لتكون الانطلاقة الفعلية في العام (1952)، حيث تعاون الأخوان رحباني مع فيروز، وغنت لهما أعمالاً كثيرة في تلك الفترة، ألحانها للأخوين رحباني، حتى حصل الارتباط الزوجي في العام (1954)، وبدأت أغانيها تملأ القنوات الاذاعية في العالم العربي. كانت أغلب أغانيها أيامها موقعة بامضاء الأخوين رحباني، فجاء هذا التعاون بينهم بمرحلة موسيقية جديدة، أحدثت ثورة عارمة في الشارع الغنائي.
الثورة الغنائية الفيروزية
غنت فيروز حب الوطن، العائلة، الأطفال، فذاع صيتها في وقت قصير، وطُلبت للغناء في أرقى المسارح، لتجسد لبنان صوتاً وصوراً أمام الملايين من الأشخاص.
أصر الأخوان رحباني على أن تغني فيروز للأوطان، لا للملوك أو الزعماء، ما فرض إحترامها على جميع الشعوب.
صوتها زهرة المدائن
قدمت فيروز في أغانيها الفرح والعزة والكرامة لكل بلدان العالم، فغنت القدس ومصر وبغداد ومكة ودمشق وباريس وعمان، وغيرها من المدن والدول.
قد تكون المطربة العربية الوحيدة التي حصدت ألقاباً من كبار المفكرين والأدباء والإعلاميين، ومن هذه الألقاب : جارة القمر / أسطورة العرب / ياسمينة الشام/ ملكة الغناء العربي / عصفورة الشرق/ الصوت الساحر/ سيدة الصباح / صوت الأوطان / الصوت الملائكي/ سفيرتنا إلى النجوم ( أطلقه عليها سعيد عقل ) / سفيرة العرب / جارة القدس / قيثارة السماء/ صديقة الطفولة / النغم الحالم / شاعرة الصوت.
فيروز والمسرح
كان الأداء المسرحي لـ فيروز ملفتاً، وأعطى الكثير من القيمة للمسرح الغنائي الذي لا يبرع فيه إلا القليل من الفنانين، لأنه يتضمن الأغاني الطربية، الوطنية، الكلاسيك، وخصوصاً الحوار الغنائي. قدمت فيروز عدداً من المسرحيات، بدأتها في العام (1962) بمسرحية جسر القمر / الليل والقنديل (1963) / بياع الخواتم (1964) / أيام فخر الدين (1966)/ هالة والملك (1967)/ الشخص (1968)/ جبال الصوان (1969) / يعيش يعيش (1970)/ صح النوم (1971)/ ناس من ورق (1972) ناطورة المفاتيح / المحطة (1973)/ لولو (1974)/ ميس الريم (1975) وبترا (1977)، بالإضافة إلى "البعلبكية"، "عودة العسكر"، "قصيدة حب"، "سهرة حب" و"الإسوارة".
شكلت فيروز ثنائياً ناجحاً جداً مع المطرب نصري شمس الدين، تارة كان يمثل دور "فخر الدين"، وتارة أخرى دور "البويجي"، حيث أبدع إلى جانب مطربتنا الكبيرة بحضوره، وصوته الذي يحمل الكثير من حنين بلدته "جون"، والكثير من الرجولية، ويصدح بأغاني الدبكة عالياً.
وجود نصري شمس الدين في مسرحيات الأخوين رحباني، دعم الفلكلور اللبناني، وساهم في نجاح الحوارات الغنائية، وشكل مع فيروز ثنائياً ناجحاً من دون منازع.
المطربون والممثلون الذين شاركوا فيروز في مسرحياتها وأفلامها
كثيرون هم المطربون والممثلون الذين شاركوا في مسرحيات وأفلام السيدة فيروز، نذكر منهم شقيقتها هدى التي كانت لها حصة مميزة في كل مسرحية من مسرحياتها، كذلك وليم حسواني الذي يمتلك خامة صوت قوية، "ضابط البوليس" و ضابط الأغاني" في معظم الأدوار، أنطوان كرباج الممثل المحترف ذو أداء مسرحي عالٍ، مثّل إلى جانب فيروز معظم الأدوار المسرحية، وساهم في نجاح المسرحيات وشهرتها، فيلمون وهبي الصديق الوفي، والملحن العظيم الذي شارك فيروز في المقاطع الكوميدية في معظم مسرحياتها، وخطف الإبتسامة والضحكة من الجمهور، ناهيك عن إبداعه في الألحان التي أعطاها إياها. ومن المطربين والممثلين الذين شاركوا فيروز في مسرحياتها، سهام شماس، الموسيقار ملحم بركات، إيلي شويري، جوزيف عازار، صلاح تيزاني، جوزيف ناصيف، ليلى كرم، إيلي صنيفر، جوزيف صقر، زياد الرحباني، رجا بدر، جورجيت صايغ، عصام كشتان (أبو الشباب)، سامي مقصود، علي دياب، الياس الياس، ماجد أفيوني، نوال الكك، بيار جامجيان، غسان صليبا، رونزا وغيرهم الكثير.
فيروز وبعلبك مدينة الشمس
أطرب صوت فيروز آلهة بعلبك في مدينة الشمس، فأيقظها من سباتها، لتمجد تاريخ لبنان عبر المسرحيات التي قدمتها.
فيروز كانت أول مطربة لبنانية تقف قبالة معبد (جوبيتير) عام (1957)، وذلك في أول عمل مسرحي للأخوين رحباني بعنوان (أيام الحصاد)، بحضور رئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون وأركان الدولة، غنت (لبنان يا أخضر حلو)، فوقف لها الحاضرون، ومنهم الرئيس شمعون، وصفقوا لها لدقائق، متجاوزين رسميات البرتوكول الرئاسي.
وبعد عودة مهرجانات بعلبك، إثر توقفها لسنوات، عادت فيروز مجدداً، وقدمت مقاطع من مسرحياتها في سهرة واحدة، وأغنية جديدة من أعمال الموسيقار الراحل الياس الرحباني، الذي قاد الأوركسترا حينها.
أهم المسارح التي غنت عليها فيروز
كان لإلتزام فيروز في الرسالة الفنية قلباً وقالباً، دور في إعتلائها أهم المسارح العالمية، في البحرين غنت في قلعة عراد وقاعة المؤتمرات الدولية، وكذلك غنت في الكويت، وبعدها في الإمارات العربية المتحدة في أبو ظبي على خشبة مسرح وزارة الثقافة، وفي قصر المؤتمرات، أما في الشارقة، فقدمت مسرحية (صح النوم)، وأهدت حفلها في دبي للشعب الفلسطيني المنكوب. تألقت في قطر الدوحة، وبغداد العراق، أما في الأردن، فتألقت على مسرح جامعة عمان الأهلية (الارينا)، وكذلك في جرش. غنت في سوريا، وقدمت مسرحية (صح النوم )، بينما في مصر، غنت في حديقة الأندلس، وعلى مسرح الصوت والضوء (الأهرامات)، وغنت أيضاً في المغرب والجزائر وتونس.
فيروز من لبنان إلى العالم
فيروز هي المطربات القلائل اللواتي غنينَ في بلدان غربية وأوروبية، فغنت في هولندا / بمدينة أمستردام، وأيضا في اليونان / أثينا، وشاركت في سويسرا في جنيف بإحياء الذكرى الـ(50 للصليب الأحمر الدولي)، وكانت المطربة الوحيدة المختارة في هذا الحدث التاريخي، من بين المطربات اللبنانيات والعربيات. أما في باريس، فكانت أول من وقف على خشبة مسرح الأولمبيا، وكان حفلها من أعظم الحفلات بالعالم، وكذلك غنت في مدينتي بيرسي وليل.
وقفت وغنت على خشبة مسرح ( لندن رويال ألبرت هول ) في بريطانيا، وبالاديوم ورويال فستيفال هول، وفي كنيسة سانت مارغريت. ومن رحلاتها الخارجية، رحلتها الغنائية إلى المكسيك، وبدعوة من المركز اللبناني السوري في مكسيكو والبرازيل والأرجنتين والولايات المتحدة الأميركية، زارت بجولتها الغنائية 11 ولاية، منها واشنطن / نيويورك/ ماستشيوش/ ميشغن / لاس فيغاس / كونيكيت وكاليفورنيا. غنت أيضاً في جولتها الغنائية في مدينتي ملبورن وسيدني في أستراليا، وفي كندا بقصر الثقافة والفنون، ومدينتي مونتريال وأتاوا.
مهرجانات فيروز بعد الحرب اللبنانية
بعد مرور سنوات على الحرب اللبنانية، وتوقف المهرجانات الغنائية، عادت فيروز بحفل كبير جداً في أسواق بيروت، وبعدها أحيت حفلات غنائية في مهرجانات بيت الدين، كما قدمت مسرحية "صح النوم" في البيال بإشراف زياد الرحباني، وأحيت حفلاً غنائياً كبيراً على خشبة مسرح البلاتيا.
فيروز وشعراء المعلقات
إستطاعت فيروز أن تغني القصائد الصعبة، بسبب أدائها المميز ومخارج الحروف السليمة لديها، وتشكيلها الصحيح للكلمات، وغنت فيروز المعلقات، فغنت لإبن سناء الملك قصيدة (شقيق الروح)، وللصمة القشيري (بروحي تلك الأرض)، ولعنترة بن شداد (ولقد ذكرتك)، وللسان الدين بن الخطيب (في ليال ومن عذاب اللما)، واختارت من روائع أبو نواس (حامل الهوى)، ولإبن جبر (قول وآنست)، أيضاً غنت لشعراء النهضة، منهم أحمد شوقي (يا جارة الوادي)، وجبران خليل جبران (سكن الليل/أعطني الناي وغني/المحبة)، ولميخائيل نعيمة (تناثري)، ورشدي المعلوف (ربي سألتك بإسمهن)، وسعيد عقل (قصيدة لبنان)، وكانت لها أكثر من أغنية لمختارات من قصائد نزار قباني منها : دمشق/لا تسألوني/وشاية.
اختارت من دواوين ميشال طراد، فغنت له : بكوخنا يا ابني / وتخمين وجلنار، ومن مختارات نجيب اليان غنت مواكب الحق.
الشعراء المعاصرون :
انتقت السيدة فيروز كلاماً من خوابي الشعراء الكبار، الذين أضافوا لوناً خاصاً إلى الكلمة، اختارت من جعبة طلال حيدر (يا راعي القصب)، إيليا أبو شديد (وطن النجوم)، سليم حيدر (قولي أحبك لا تملي)، فوزي العمري (فوق الجبل غاد)، نزار قباني (لا تسألوني)، سعد سابا (مين دلك)، بولس سلامة (نوار يا حلم الصباح)، ومارون نصر (يا ويلك بكرا)، وعمر أبو ريشة (عنفوان). جوزيف حرب غنت له العديد من الأغاني، نذكر منها "حبيتك تنسيت النوم" و"لبيروت"، إضافة لشعراء آخرين، منهم مرسي جميل عزيز/ محمد السباع/ هارون هاشم رشيد/ الأخوان فليفل / صلاح اللبابيدي / أحمد شوقي (يا جارة الوادي) / فتحي قورة /عمر الحلبي.
فيروز وعبقرية سعيد عقل
كان الشاعر سعيد عقل سكراناً في صوت فيروز حتى الثمالة، لهذا السبب خصّها بقصائد عملاقة، سطّرت على صفحات التاريخ الغنائي المعاصر أمجاداً خالدة. غزل سعيد عقل كلاماً لا يشبه إلا فيروز، فكانت لها باقة من القصائد المغزولة شعراً لصوتها، منها : قصيدة لبنان (من أين يا ذا الذي استسمته أغصان) / أجراس العودة / الأردن / أمي يا ملاكي/ بحبك ما بعرف / دقيت / ردني إلى بلادي/ سائليني/ شال / شام ذا السيف / غنيت مكة / فتحهن عليّ/ قرأت مجدك / القمر / لاعب الريشة / مرّ بي / مرجوحة / مشوار / من صوب بيتكم / نسمة من صوب سوريا / يارا، وهو من أطلق عليها لقب سفيرتنا إلى النجوم.
لقراء الجزء الأول..اضغط هنا
ترقبوا الجزء الثالث من سيرة سفيرتنا إلى النجوم فيروز.