مواضيع فنية عديدة ودقيقة يلزمها فناناً مثقفاً، ولديه خبرة كافية ليبدي رأيه فيها، ومن بين خير من يقومون بذلك، الدكتور المايسترو لبنان بعلبكي.
ففي الجزء الثالث من لقائنا معه، حدثنا بعلبكي عن الفرق بين الموسيقار وقائد الأوركسترا، وعن رأيه في التعاون بين السيدة فيروز والفنان زياد الرحباني، وعن تعاونه مع الفنان مارسيل خليفة، والعديد من الأمور الشيّقة.
هل يمكن أن نسمّي الموسيقار قائد أوركسترا؟
الموسيقار لا يطلق عليه لقب قائد أوركسترا، كلمة "موسيقار" باللغة الألمانية تلفظ "موزيكر"، وتعني الموسيقي، ولكن هنا لأن القاف مع الألف تعطي تضخيماً للكلمة، تصبح موسيقار، وهذه الكلمة جاءت من لغات أجنبية، ويجب الفصل بين الموسيقار وقائد الأوركسترا.
من يطلق عليه لقب موسيقار من بين هذه الأسماء؟
إحسان المنذر:
مؤلف وملحن بالدرجة الأولى.
عبدو منذر:
مؤلف وملحن.
إيلي العليا:
قائد فرقة، رئيس فرقة مطربين، وغير قادر على قيادة أوركسترا في أي مكان في العالم، من الممكن أن يقود نوعاً معيناً.
أود التنويه بأنني لا أعطي لنفسي الصلاحية في تقييم الأشخاص أو إلغاءهم.
ما رأيك بـ:
الفنان زياد الرحباني؟
أحبه كثيراً، وأقدر أعماله، وأعتبره من أهم العباقرة الذين مروا على لبنان من ناحية الموسيقى.
الموسيقار ملحم بركات عندما يقود أوركسترا؟
أعتقد أن ملحم لا يقود أوركسترا، ولكن متطلبات التصوير قد فرضت نفسها، وجعلته يقوم بهذا الدور.
الفنان الياس الرحباني؟
مؤلف موسيقي، وله بصمة في الموسيقى اللبنانية.
ما الفرق في العمل مع الفنان مارسيل خليفة وغيره من الفنانين، خصوصاً وأنه عازف عود وملحن ماهر؟
أولاً مارسيل لديه خبرة كبيرة جداً في العمل الموسيقي، وهو إنسان غير مدعي، أنا شاركت معه في العديد من الحفلات، وهو يمتلك جماهيرية تمتد من الصين إلى المحيط، إذ إنه في بعض الأحيان كنا نسير معاً في الشارع، وكان يأتي الناس من كل جانب لإلتقاط صورة معه في أوروبا وتركيا وفرنسا. مارسيل فنان متواضع جداً، ويعلم حدوده في العمل، وهذا أمر مريح جداً في العمل معه.
ومثال على ذلك، يكون هو صاحب المقطوعة الموسيقية، أجلس أنا برفقته قبل التمارين، ويحدد لي ما يريده، ولا يتدخل نهائياً في التمارين، ويترك قائد الأوركسترا ليضع رؤيته الموسيقية في المقطوعة الموسيقية.
لماذا يختار الفنانان مارسيل خليفة وزياد الرحباني، في بعض الأحيان، الفنانين ذات الأداء الصحيح، وليس بالضرورة أصحاب الأصوات الرائعة، ليشاركوهما الغناء؟
لا أظن أن الموضوع هو خوف من الشهرة، أنا برأيي مارسيل وزياد أخذا نطاقاً أبعد من التلحين، ولم يبحثا عن مطربين أصواتهم رائعة لكي يشهروا لهما الألحان الخاصة بهما، هما مؤلفان موسيقيان، لديهما رؤية موسيقية، وهما مختلفان عن بعضهما البعض في معظم العناصر، ولكنهما يملكان رؤية موسيقية، فكان التركيز على العمل الموسيقي أكثر من الشخصية الفنية التي ستقف معهما على المسرح، وعلى أن يكون المغني جزءاً من العمل، وهذا فرق كبير بين المؤلف والملحن، فهما لم يطرحا نفسيهما كملحنين، ليعطيا ألحاناً لفنان معين، بل قدما أعمالاً موسيقية متكاملة.
ماذا عن السيدة فيروز والفنان زياد الرحباني؟ البعض ينتقد عملهما سوياً والبعض الآخر أحب عملهما معاً.
السيدة فيروز هي والدة الفنان زياد الرحباني، ومعها كان زياد يعمل بـ"ندية"، إذ إنه فرض عليها أسلوبه الموسيقي، الذي فيه نمط غنائي مختلف، وهو غير لها مجرى حياتها الفنية، وخلق لها جمهوراً جديداً، فحفلاتها في أواخر الثمانينيات كانت بتوقيع زياد الرحباني، وكانت أقرب إلى العالمية.
كم صعب أن يغني فنان موسيقى الجاز الشرقي بربع نوتة، مثلاً أغنية السيدة فيروز "كيفك أنت"؟
"كيفك أنت" هي أغنية تحتوي على نمط موسيقي يشبه "الجاز"، ولكنها ليست قائمة على الجاز الذي يعتمد بجزء أساسي منه، على المهارة والحرية الفردية في التعبير الموسيقي، وأعني المبادرات بحرية العزف، مثلاً هناك ثورة في المحيط الذي أتواجد فيه، وأريد أن أعزف بهذا الأسلوب، "الجاز" يفتح لي باباً أن أكون أنا، فهو أعطى مجالاً للعازف بأن يعكس شخصيته، وبالحرية التي يريد، والحق في الإرتجال لمدة ثلاث ساعات، إذاً الجاز ليس فيه أسس صارمة، مثل الموسيقى الكلاسيكية، من ناحية الأبعاد الموسيقية والأوركسترا، ومكان الآلات، مع العلم أن معظم فرق الأوركسترا باتت تدخل مجال الحرية، فإذا إمتلك العازف مهارات معينة، من الممكن أن يعزف بالآلة التي يمتلكها موسيقى الجاز.
كلمة أخيرة.
الفن مهم جداً ليتمكن الإنسان من الإبتعاد عن الأجواء السلبية الموجودة في البلد، كونوا متفاعلين دائماً مع المواد الموسيقية التي ترونها بين أيديكم، لأنها تحمل تفاصيل هامة لعشاق الفن والموسيقى.