بعد مشاركته في مسابقة مهرجان أيام قرطاج السينمائية، وضمن فعاليات الدورة الـ22 لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، ومسابقة مهرجان چيهلافا Ji.
Hlava الدولي للأفلام التسجيلية، وبدعوة من مهرجان "قافلة بين سينمائيات"، حضرنا العرض الأول في لبنان لفيلم "بيت اتنين تلاتة" للمخرجة ربى عطية (نسخة المخرج 2021)، مترجم إلى اللغة الإنجليزية، وذلك في سينما "مونتاين" في المعهد الفرنسي.
في رصيد المخرجة ربى عطية أفلام تلفزيونية، ووثائقيات شخصية، وأفلام قصيرة، إلا أن "بيت اتنين تلاتة" هو أول فيلم شخصي طويل لها، صوّرته بعد إصابة والدتها الكاتبة والباحثة والإعلامية حياة الحويك عطية بمرض السرطان، والتي توفيت هذا العام في القاهرة. ربى وحياة بطلتا الفيلم، الذي تستعيد فيه ربى طفولتها والماضي، في حوار طويل مع والدتها، فهي تسأل وحياة تجيب، رغم تفضيل حياة إجتياز الماضي، الذي وضعته وراءها، وأكملت حياتها مع الأسرة في الأردن، بعد الهجرة من لبنان بسبب الحرب.
بين الحنين إلى الماضي الجميل، والموجع أيضاً، أصرت ربى في أحد المشاهد، وهي تخاطب والدتها، على قولها إنها تذكر جيداً أنه في طفولتها كانت والدتها تبكي، وكانت تكرر هذه العبارة لتجعل حياة تبوح بما أبكاها حينها، إلا أن حياة ردت بأن لا فائدة من العودة إلى الماضي الآن، في حين أن ربى كانت مصرة على أن تبحث عن تلك المرحلة، الذي ذهبت إلى غير رجعة، فهي لم تكن تريد أن تزعل والدتها، وتتخطى جرحاً كي تستمر، بل كانت تريدها أن تعيش لنفسها أكثر.
وفي حديث خاص إلى موقع "الفن"، قالت ربى :"الفيلم من كتابتي، وإستعملت فيه أيضاً أجزاء من نصوص لرواية لوالدتي. غادر أهلي لبنان خلال الحرب، وربينا في غربة، وبعدها عشت 10 سنوات في فرنسا".
وأضافت :"بدأنا نشعر بالحزن بعد الإجتياح الإسرائيلي عام 1982، فأمي كانت تحزن حين كانت تشعر بأن الكل تفرقوا، وإنقطع الوصل. هذا الفيلم أنجزته كي نحاول أن نتعامل مع الجروح الماضية، بشكل ألا تبقى عبئاً علينا، بل لتصبح دافعاً لشيء أجمل، بمعنى أن نفهم ونتخطى".
وتابعت ربى :"العمل كان صعباً، لأن الفيلم حقيقي كثيراً، وموضوعه عميق جداً، وسيعرض في عمّان، وبعد الإنتهاء من عرض الفيلم في المهرجانات، سيتم عرضه في صالات السينما، وطبعاً في بيروت".
وبعد عرض الفيلم، كان حوار بين ربى والحاضرين، أداره المخرج سيمون الهبر، وأبرز ما جاء في إجابات ربى عن الأسئلة، أن والدتها لم توافق في البداية على تصوير الفيلم، وكانت ربى تسافر أحياناً مع الكاميرا إلى عمّان حيث كانت تقيم والدتها، وأحياناً كانت والدتها تقبل بالتصوير، وأحياناً أخرى لا، وأضافت :"كنت أريد أن أوثق اللحظات التي إجتمعت بها خلالها، وأردت أن أضع في الفيلم ما لم أعد أستطيع أن أصوره، والذي هو وجهها الذي أذكره خلال نشأتي منذ طفولتي، بالنسبة لي هناك زمن وعيت في آخره، إختفى، والعالم الذي أنتمي إليه إختفى حين كنت صغيرة جداً في السن، هذا العالم كان موجوداً بكل الحب والصراع والأمل الذي فيه، وبعده نعيش في فراغ، وإعتبرت أن هذا العالم لا يشبه ما فتحت عينيّ عليه. كان يجب أن تكون هناك إستمرارية لجيل، تلقى ضربة كبيرة، وبالتالي نحن ضُربنا بعده، وذلك الجيل كان أكثر تطوراً وإنفتاحاً إيماناً وعلمانية منا، وكان مستعداً أكثر منا للمواجهة، في حين أن والدتي لم تعتبر أنها تعيش في فراغ، لأنها إعتبرت أنها مستمرة في طريق آخر".
وقالت ربى :"والدتي أصبحت تستمتع بالحياة أكثر بعد مرضها، ولم تعد تحزن من الكثير من الأمور. هي لم يُلسب منها حق، ولم تتعرض لمأساة، بل على العكس، هي جاءت من مكان تملك فيه كل الإمتيازات، وبكل المعاني، ولكنها عاشت تلك الظروف، لأنها أخذت خياراً فكرياً ووجدانياً معيناً، بمعنى أن هناك من يناضل لأنه طرد من بيت وسُلبت أرضه، وهناك في المقابل من يملك كل شيء، ولكنه يسجل موقفاً، فأمي إستقالت لتحتج على نظام كانت هي مستفيدة من إمتيازاته بكل شيء في حياتها".
وأشارت ربى إلى أن الأسئلة التي طرحتها في الفيلم لم تعد موجودة، لأنها أصبحت تعرف إجاباتها جيداً، وختمت :"هذا الفيلم كان لأتخلص من هذه الأسئلة، وكي لا يعود الحزن أمراً يريد الشخص الهروب منه، بل ليجلب له طاقة قوة وحرية كبيرة".