هي غذاء الروح، تبلسم الجروح، وترسم الأحلام وتعيد الذكريات، الحلوة منها والمرة، فهي رفيقة الدرب في الفرح كما في الحزن، إنها الموسيقى التي إحتفلنا بعيدها في حفل رائع أحيته الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية بقيادة المايسترو الرائد في مجاله أندريه الحاج، برعاية وزارة الثقافة، وبدعوة من الوزير الدكتور عباس مرتضى، وذلك في المتحف الوطني، فإلتقت أصالة المكان بعراقة الألحان.
بدأ الحفل بالنشيد الوطني اللبناني الذي عزفته الأوركسترا، ثم أطلت المديرة التنفيذية للمكتبة الوطنية ومستشارة وزير الثقافة جلنار عطوي التي ألقت كلمة للمناسبة، وقدمت الحفل.
وزيرة الإعلام منال عبد الصمد قالت في كلمة لها :"نحتفل اليوم بعيد الأب بالموسيقى، ونستقبل فصل الصيف بالموسيقى، في صرح عزيز على قلوبنا جميعاً وهو المتحف الوطني، وعلى الرغم من كل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، نؤكد على أننا شعب صامد يحب الحياة، ونحن تخطينا كل الحروب العسكرية، واليوم نمر بحرب إقتصادية إجتماعية صحية كبيرة، وإن شاء الله سنتغلب عليها بتصميمنا وإرادتنا".
وأضافت :"لبنان يتغنى بعلمه وثقافته وفنونه، وأكبر دليل هو هذا الإحتفال بقيادة المايسترو أندريه الحاج، وبالعمل الرائع الذي تقوم به الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق-عربية، على أمل أن يعود لبنان أجمل مما كان بجهود أبنائه".
وزير الثقافة الدكتور عباس مرتضى قال :"لا يسعني أن أبدأ كلمتي، إلا بأرقى أعزوفة وأسما الألحان، ألا وهي الوقوف دقيقة صمت لأرواح كارثة مرفأ بيروت".
وأضاف :"نعم، نستحضرهم بأسى شديد، وبأمانة أطيافهم الحاضرة دوماً بأن رؤيتهم شهداء العمل والواجب، وبأنهم جميعاً شهداء البحث الدائم عن الحياة بشتى أشكالها، وعن فسحة أمل إن ضاقت آفاقها، لذا إسمحوا لي أن أطلق اليوم، ومن هذا المكان العابق بالتاريخ، إسم "بيروت الأمل" على حفلنا العريق".
وأشار مرتضى إلى أن الموسيقى هي اللغة العالمية التي تحاكي أحاسيس البشر، وتوصل لهم المعاني بأروع الصور، وتسافر بنا على متن الأنغام، إلى عوالم جديدة يستكشفها كل منا، بكل جوارحه، يطرب لها الجميع، وتتوحد بها مسامع الإنسانية.
وحيّا الكونسرفتوار والأوركسترا والمايسترو أندريه الحاج، وإستحضر عبارة المؤلف الموسيقي العالمي بيتهوفن :"الموسيقى أكثر إلهاماً من جميع الحِكم والفلسفة"، وختم قائلاً :"فلنفسح لها المجال لتلهمنا الخلاص وقيامة لبنان، وكلنا ثقة بأن وطننا لبنان سيستعيد عافيته، ومن بيروت تحديداً، بيروت الأمل".
بعدها علا صوت الموسيقى في أرجاء المتحف الوطني، وأمتعتنا الأوركسترا بعزف:
1 "موسيقى بَس" تأليف أندريه الحاج
2 "ويبقى الوطن" تأليف أندريه الحاج
3 "زمن" تأليف أندريه الحاج
4 "أحلى زهرة" تأليف زكي ناصيف
5 "تَفاريح" تأليف أحمد قعبور
6 "ذِكرى" تأليف إياد كنعان.
وكان المايسترو أندريه الحاج يقود الأوركسترا بإبداعه الذي إعتدناه، وبعصاه السحرية، التي حرك بها مشاعرنا أيضاً.
ولأنه المناضل في سبيل إستمرارية الموسيقى الراقية ونشرها أينما كان، كرمته وزارة الثقافة في الحفل، بدرع تكريمي، تقديراً لعطاءاته الكبيرة للأوركسترا خصوصاً، وللكونسرفتوار عموماً، وهو الذي تليق به كل الدروع والأوسمة.
موقع "الفن" الذي كان حاضراً في الحفل، عاد بهذه الكلمات الخاصة.
وزير الثقافة الدكتور عباس مرتضى سألناه عن مدى إختلاف الموسيقى التي نشأ عليها عن الموسيقى التي نسمعها اليوم، فقال :"هناك الفن العربي الأصيل، وهناك اليوم أيضاً الفن الجديد، وهناك عصرنة في الموسيقى والفن والطرب، وهذا كله مطلوب، ولكن يجب أن نحافظ على الفن الأصيل، والموسيقى التي هي فعلاً غذاء الروح، ووجودنا اليوم في المتحف الوطني، هو رسالة نوجهها، وهي أنه في ظل هذه الأوضاع الإقتصادية الصعبة والأوضاع الضاغطة في البلد، نحاول أن نطلق دائرة أمل، هذه بيروت، هذا لبنان، وهذه الحياة التي يجب أن نحافظ عليها، ويجب أن نبذل جهداً ونضحي لنحافظ على الأصالة والتاريخ والثقافة في لبنان، ويجب على كل اللبنانيين أن يتكاتفوا، وأن يتوجهوا لتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، لأن هذا الشعب يحب الحياة ويستأهل أن يعيش".
وعن الموسيقى والأغنيات التي يسمعها، قال مرتضى :"كل يوم صباحاً أستمع إلى أغنيات السيدة فيروز، وعند توفر الوقت أستمع إلى أغنيات أخرى، أستمع إلى أغنيات لفنانين من الجيلين، أسمع الأصالة وأسمع الجديد".
وزيرة الإعلام منال عبد الصمد أجابت عن سؤالنا حول ما نسمعه اليوم من موسيقى، فقالت :"الموسيقى أنواع عديدة، هناك ما يعيدنا إلى تراثنا اللبناني العريق والفن الأصيل، هناك ما يهدئ الأعصاب، وهناك ما يخدش الأذن، ومن الضروري أن نبقى محافظين على ثقافتنا، لأن ما يميز لبنان في النهاية هو إبداع موسيقاه وفنانيه، ومثلما نحاول، قدر المستطاع، أن نحافظ على المستوى في الإعلام، يجب أن تكون الموسيقى التي تصل إلى القلب والعقل، بالمستوى الراقي الذي تميز به لبنان".
وعما إذا كانت مسؤولية المحافظة على المستوى الموسيقي تندرج ضمن مسؤوليات وزارة الإعلام، لناحية أن بعض وسائل الإعلام تبث أغنيات دون المستوى، قالت عبد الصمد :"كل شخص منا مسؤول، المسؤولية هي دائماً مشتركة، وتبدأ من الأشخاص الذين يصدرون أعمالاً تضر المجتمع على مختلف الأصعدة، مهما إختلفت القطاعات، نتفق على أن تكون القضية واحدة، وهي كل ما يخدم الثقافة ولا يؤذيها".
رئيس الكونسرفتوار الدكتور وليد مسلّم :"الموسيقى مهمة جداً، من الضروري أن تكون حاضرة، فهي ليست فقط للترفيه، بل هي مقاومة ثقافية، ورغم كل ما يحصل من أزمات، نحن موجودون من خلال الفن والعلم والثقافة والموسيقى، خصوصاً أن للكونسرفتوار اليوم دوراً كبيراً جداً".
وأضاف :"بالإضافة إلى هذا الحفل، كان لدينا حفل مهم جداً مع الأوركسترا الفلهارمونية في كنيسة مار يوسف في مونو يوم الجمعة الماضي، ولدينا حفل يوم الجمعة المقبل في متحف سرسق في الهواء الطلق. يهمنا أن نكون حاضرين اليوم، لأن هناك حاجة للموسيقى أكثر من أي وقت مضى، فهي متنفس، وتعطي حضوراً وقوة، وعلينا أن نستمر ونقاوم، وكل على طريقته، وهذا البلد يجب أن يعيش مجدداً، ولا يستطيع أي بلد أن يعيش إلا من خلال ثقافته وفنه".
نقيب محترفي الموسيقى والغناء في لبنان فريد أبو سعيد :"نحن في النقابة، التي كان إسمها نقابة الموسيقيين المحترفين، المعنيون الأوائل بعيد الموسيقى، وفي كل عام نقيم إحتفالاً في عيد الموسيقى، إلا أنه العام الماضي لم نقم إحتفالاً لأن فيروس كورونا كان منتشراً بشكل أكبر، إضافة إلى الظروف الأخرى، وهذا العام تحسنت الأوضاع قليلاً، إلا أنها لم تستقر بشكل كلّي،لذا نأمل أن تكون الأوضاع أفضل في العام المقبل، لنقيم مهرجاناً يليق بنا وبهذه المناسبة".
المايسترو أندريه الحاج :"الإصرار على إقامة هذا الحفل كان من وزير الثقافة، وكانت الفكرة من الوزارة، وأنا رحبت فوراً بالأمر، وعندما حضرت إلى المتحف قررت أن يكون الحفل من دون إيقاع، فهذه من المرات القليلة التي تعزف فيها الموسيقى العربية من دون إيقاع".
وأضاف :"برنامج هذا الحفل كله لبناني، وهذا أمل صغير على أنه ممكن أن نعود إلى حياتنا الطبيعية، على الرغم من أنه حتى في أوروبا والدول العربية لم يعودوا بعد إلى الحياة الطبيعية بشكل تام".
وعن مدى تأثر ذوق الناس بالأغنيات التي نسمعها منذ إنتشار فيروس كورونا الذي فرض غياب الحفلات الموسيقية الراقية، ومنها حفلات الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية، قال الحاج :"غابت الموسيقى الأكاديمية، فسمع الناس الأغنيات الموجودة وما يغنيه المطربون، لذلك يجب أن يعود دورنا، وهذا يحصل في أي مؤسسات فنية في أي دولة، إن كان في سوريا أو مصر، أو في الدول العربية والأوروبية، لأننا في ظل الظروف الصعبة نكون أول من يتوقف وآخر من يعود إلى الظهور، وعلينا أن نقدم عملنا الصحيح للناس".
وعن الشخص الذي يجب أن يعايده في عيد الأب وعيد الموسيقى، والذي كان موجهاً له، قال الحاج :"الدكتور وليد غلمية، رحمه الله، وهذه مناسبة جميلة لنتذكره، وهو له فضل كبير على الكونسرفتوار، ولولاه لما كانت الأوركسترات موجودة، إذ تأسست هذه الأوركسترا والأوركسترا الفلهارمونية، هذه كانت النهضة التي حصلت في العام 2000، بعد أن كانت نهضة المعهد الوطني العالي للموسيقى في العام 1990 مع الدكتور وليد غلمية".
عضو مجلس الإدارة في الكونسرفتوار المؤلفة الموسيقية والسوبرانو د. هبة القواس :"كلنا إشتقنا للحياة الطبيعية بعد العزلة، وبلدنا بحاجة إلى مد جسور يعبر فيها من عزلته الموجود فيها، وإنهياراته التي يشعر بها، إيماني هو بأن ثروتنا الحقيقية هي قدرات الفرد اللبناني، أي بكل الطاقات الإبداعية".
وأضافت :"نحن نجسد أجمل صورة من الإبداع، عندما نتحدث عن الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق-عربية في عيد الموسيقى، التي تعطي صوتاً للبنان في العالم، وهو أننا نحيا رغم كل الظروف الصعبة، وهذه هي الحالة الثقافية الكبرى التي يمثلها لبنان دائماً، وهذا الجسر سيبقى ممدوداً لو مهما حدث".
عضو مجلس الإدارة في الكونسرفتوار الفنان عبدو منذر :"هذا الحفل ضروري جداً ومهم، لكي نثبت وجودنا كفنانين وموسيقيين وأوركسترا وكونسرفتوار وطني، ولكي نقول لكل الناس إننا موجودون رغم كل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها البلد".
وختم قائلاً :"الحياة يجب أن تستمر، وعلينا أن نكون متفائلين بالغد، وألا نبقى خائفين من المستقبل".