تميّز المسلسل الدرامي "للموت" خلال عرضه في الموسم الرمضاني على شاشة الـMTV ومنصة شاهد، عن غيره من المسلسلات بالعديد من الأمور، التي جعلته يجذب المشاهد اللبناني والعربي على حد سواء، وينافس أقوى الانتاجات العربية هذه السنة، رغم أنه إنتاج لبناني جمع أكبر عدد من الممثلين اللبنانيين المخضرمين، إضافة إلى ممثلين شباب، واللهجة المحكية من قبل أبطاله انحصرت باللبنانية والسورية.
وقد راهنت شركة إيغل فيلمز لصاحبها المنتج جمال سنان على العديد من العوامل التي اتضح أنها كانت بمثابة حصان رابح لها في المسلسل، علماً أن العمل ليس برنامجاً وثائقياً، وقصته من وحي خيال الكاتبة نادين جابر، التي أصابت في طرح العديد من المواضيع الاجتماعية، في قالب من الغموض الشيّق الذي يجعلك تشعر بالذهول، بحيث لا تنتهي كل حلقة، إلا بترقب للحلقة التي تليها.
ومن المواضيع التي طرحها المسلسل : العنف الأسري، الاغتصاب، تسول الأطفال، والانحراف السلوكي عند الأطفال بسبب اليتم والتشرد، خصوصاً عندما تكبر الطفلتان "ريم" الممثلة دانييلا رحمة، و "سحر" الممثلة ماغي بو غصن، لتعتبرا أن ما فعلتاه هو نتيجة طبيعية وخيار وحيد للحياة التي عاشتاها، الإتجار بالبشر، زواج القاصرات، المريض النفسي ومدمن المخدرات "عمر" الذي جسد دوره الممثل باسم مغنية، والشخص الفاقد ثقته بنفسه "باسل"، بعد قتله زوجته عن طريق الخطأ، والذي جسد دوره الممثل خالد القيش، الخيانة الزوجية، الطمع والجشع، وجمع المسلسل بيئتين مختلفتين، وسلط الضوء على مشاكل وأسلوب حياة كل منهما، بيئة الأغنياء وبيئة الفقراء.
وقدمت ماغي بو غصن نفسها في مسلسل "للموت" بدور اختلف عن كل أدوارها، اجتهدت فيه على خطوط الشخصية وتعابير الوجه، وكل التفاصيل، فتفوقت على نفسها، وكانت بالفعل مرتكزاً للمسلسل كله، الذي برأيي لم يكن فيه ممثلون ثانويون وآخرون رئيسيون، بل الجميع، كل وفق مساحة دوره، كان مؤثراً في مجريات العمل. قصة المسلسل الجامعة كل هذه القصص الاجتماعية الدرامية في إطار تشويقي وغموض جذاب، قدمت متعة المتابعة للمشاهد، الذي لطالما اشتاق لهكذا مسلسلات لبنانية قوية بكل عواملها.
أما المخرج فيليب أسمر، فقد انتقى كادرات بعيدة للمساحات الشاسعة، وقريبة مع تحرك كل شخصية، كأن عين المشاهد هي التي تتبع الممثل، كذلك لا ننسى اختيار أماكن التصوير في الطبيعة الخلابة، التي أبرزت جمال جبال لبنان وكورنيشه البحري وأحياءه.
أما شارة المسلسل التي غناها الفنان ناصيف زيتون فهي تحفة فنية، لحن سلس، فيه قوة ورومانسية، وقد ساهم صوت ناصيف في منحه هذا الزخم، أما الموسيقى التصويرية فهي جميلة إلى حد الرعب، أبكتنا في بعض المواقف، وأفرحتنا في مواقف أخرى، وانسجمت مع مجريات العمل.
وقد تلقى المسلسل انتقادات عديدة، لكنه نجح بكل المقاييس، وتصدر نسب المشاهدات، وبالتأكيد مسلسل "للموت" يستحق جزءاً ثانياً، وهذا ما سيكون بعد أن تشوق الجمهور لما سيحدث في آخر مشهد من الحلقة الأخيرة، حين وجد الممثل محمد الأحمد الممثلة دانييلا رحمة في المصعد، فلا يعقل أن لا تستكمل الأحداث.