إنها بيروت فهل يمكن أن تستسلم؟
لا، فهي التي قامت من تحت الردم مرات عديدة، هي عاصمة البلد الذي صدَّرَ الأبجدية للعالم، وهي التي علمتنا الصمود والحب، هي التي إستطاعت أن ثبتت أنها الرقيقة الجميلة الصغيرة، على الرغم من أنها "وسع الدني".
نعم بيروت الجميلة تعاني، فالضربة التي تلقتها هذه المرة موجعة جداً، فقد دمرها فساد المسؤولين، هي وثقت بهم وهم لم يفوا بوعودهم، ظلموها وظلمناها جميعنا بعدم حسن إختيار من يرعاها ويهتم بها، لكنها ومع ذلك ستصمد، وستقف من جديد، ويشع نورها.
بعد إنفجار المرفأ الذي سجله التاريخ كواحد من أضخم الإنفجارات في العالم، هناك من قرروا الإستسلام ورفضوا العودة إلى الحياة (وقد يكون هذا من حقهم)، فالمصيبة أكبر من أن يستوعبها عقل، والفيديوهات التي نشاهدها منذ أسابيع وحتى اليوم، تكسر القلوب، والكارثة لم ترحم أحداً، فمن رحل هو ضحية الفساد، ومن إستمرت حياته يعيش وهو ميت من الداخل.
الإستسلام لم يكن يوماً هو الحلّ، والضعف لا يشبه بيروت ولا الشعب اللبناني، فاللبنانيون هم الذين تحدوا لسنوات طويلة أوجاع وطنهم، ثم عادوا ولمعوا في العالم. لبنان علّم البشر، ليس فقط الأبجدية، بل التفاؤل وحب الحياة. ظلم وفساد دولتنا لا يعني أننا لا نستحق العيش مجدداً، لن ننسى، ولكننا سنمضي قدماً، لن نسامح المسؤولين، لكننا سنساند بعضنا، سنحاسب، ورغم كل شيء، سنعطي العالم مجدداً درساً في الصمود.
نحن بحاجة إلى أن نشعر بوجودنا، وإنتقاد من يحاول العودة الى الحياة هو أمر ظالم، فيحق لنا أن نصلح ما تهدم، وأن نتابع الحياة أملاً منا أن نعود يوماً للسلام في أرضٍ لم تعرفه إلا نادراً.
سنقاوم كلّ في مجاله، البنّاء سيبني، المزارع سيزرع، الطبيب سيعالج، الفنان سيغني، الممثل سيمثل، الصحافي سيكتب.. وكلنا سنحصد يوماً.
ويبقى الأمل، وتستمر الحياة، وتبقى بيروت ست الدنيا والمدينة التي يعشقها محبو الثقافة والجمال.
قلبك سينبض يا بيروت، ونطلب منك أن تحتضني أبناءك من جديد، عودي وأشرقي لأن الدنيا بعدك ليست تكفينا.