نجاة الصغيرة فنانة مصرية من الزمن الجميل، حصدت شعبية كبيرة في العالم العربي وتميّزت بحس مرهف في غنائها وبصوت مميّز مختلف عن باقي فنانات جيلها.
قدّمت أغنيات طربية كثيرة ووطنية ودينية، وغنت للشاعر السوري الكبير نزار قباني وإعتزلت الفن في أوائل الألفية الثانية، لتعود بأغنية يتيمة عام 2017، وتغيب بعدها عن جمهورها.
هي شقيقة الممثلة الراحلة سعاد حسني، والتي لم تجتمع معها بأي عمل فني مشترك، ولا بأغنية ولا بأي فيلم سينمائي.
نشأتها
ولدت نجاة الصغيرة يوم 11 آب/أغسطس عام 1938، في مدينة القاهرة، لأب سوري كان يعمل خطاطاً وأم مصرية، وعمها الفنان السوري أنور البابا، وإسمها الحقيقي نجاة محمد محمود حسني البابا. كان لديها 8 أخوة وأخوات، ونشأت في عائلةٍ فنية، فكان شقيقها الأكبر عزّ الدين ملحناً وهو من تولى تدريبها على الغناء، إذ كانت تشارك في عدد كبير من الحفلات، كما كان أخوها سامي حسني يهوى العزف على التشيلو، رغم عمله في تصميم المجوهرات.
والدها شجعها على الدخول إلى عالم الفن في سن صغيرة، وكان لا يهتم بأن تتواجد في أماكن تعج بالدخان، وكذلك بالنسبة للسهر وتأثيره على صحتها، إذ قيل إنه كان يحتكر كل حفلاتها وأعمالها، ويستحصل على الأموال التي تجنيها.
بداياتها وحكاية تسميتها بـ"الصغيرة"
إشتهرت نجاة الصغيرة منذ نعومة أظافرها بالغناء لكوكب الشرق أم كلثوم، ورافقها هذا الأمر طيلة حياتها، كما تألّقت أيضاً في مجال التمثيل منذ الأربعينيات وحتى إعتزالها في عام 2002."
أما عن قصة تسميتها بـ"الصغيرة"، فقد تردد أن السبب هو أن جسدها كان صغيراً أثناء بداية مشوارها الفني، إلا أن الحقيقة هي أنها حصلت على هذا الإسم الفني بعد أن نُشر إسمها للمرة الأولى على أفيش فيلم "هدية" عام 1947 وكان عمرها فقط 8 سنوات، وقد أشاد الكاتب فكري أباظة بمواهبها وذكائها، كما وصفها بالمعجزة، وقررت شركة الإنتاج وقتها منحها الإسم الجديد للتفرقة بينها وبين مطربة كبيرة كتنت تدعى نجاة أيضاً.
بدأت نجاة الصغيرة في سن السادسة فقط بالغناء، وأولى إطلالاتها كانت مشاركتها بحفل وزارة المعارف، وقد تلقت دعماً من الموسيقار والفنان المصري الكبير محمد عبد الوهاب فنياً ومادياً، وتقدّم ببلاغ رسمي لقسم الأزبكية لمنعها من الغناء، وكان تبريره للأمر حتى لا يرهقها والدها بالغناء في المقاهي بحثاً عن المال، خصوصاً أنها كانت لا تزال في سن صغيرة، وأنه كان يعترض على أن تقوم طفلة في الغناء، وذلك من باب الحرص عليها وحماية لها وحفاظاً على صوتها وطفولتها من الغناء، وسط الحانات والدخان.
وقيل وقتها إن بلاغ موسيقار الأجيال ضد نجاة لمنعها من الغناء، لم يكن خوفاً على مستقبلها، وإنما جزءاً من معركته مع أم كلثوم، ولم يسمح لها بالغناء لها الا في منتصف السبعينيات، بعد أن قدّمت لحن عبد الوهاب "ومرت الأيام"، رداً على غناء عبد الحليم حافظ للأغنية نفسها.
ورغم غنائها في الحفلات والمسارح، إلا أن الإنطلاقة الحقيقة للمشوار الفني الخاص بها، لم تبدأ إلا في منتصف الخمسينيات.
إدمانها على الشيشة وشرب الخل
كانت نجاة الصغيرة تشرب الخل للعلاج من إصابتها بسعال حاد، سببه إدمانها المبكر على تدخين الشيشة مع والدها، وهو ما كان يمنعها من الغناء بقوة، وتمكنت عندما وصلت لعامها الخامس عشر من الإقلاع عن تدخين الشيشة، كما ألزمت والدها بالتوقيع على لإتفاق تتخلص فيه من وصايته عليها، لتنتقل لشقيقها عز الدين.
نجاة الصغيرة وسعاد حسني شقيقتان لم تجتمعا
نجاة الصغيرة تكبر شقيقتها سعاد حسني بـ 5 سنوات، ورغم خروجهما من بيت واحد، إلا إنهما لم يجمعهما فيلم واحد طيلة مشوارهما الفني، ولم يظهرا سوياً في أي لقاء تلفزيوني، ولم تجمعهما أغنية واحدة، وعاشا وكأنهما ليستا شقيقتين، وكان من الواضح وجود غيرة بين سعاد ونجاة دوماً، بسبب دخولهما الوسط الفني سوياً، مما تسبب في فتور في العلاقة بينهما، ولكن كانت تجمعهما صفة مشتركة واحدة هي حب الغناء والطرب.
أغنياتها
تعاونها مع نزار قباني وعبد الوهاب
شكّلت نجاة الصغيرة مع الموسيقار محمد عبد الوهاب والشاعر نزار قباني، ثلاثياً عظيماً وقدموا عدداً من القصائد الهامة، ولقّبت نجاة بـ"سيدة القصائد العربية"، فقدّمت للثنائي المبدع "ماذا أقول له، متى ستعرف، كم أهواك، أسألك الرحيلا"، "أيظن" إلى حبيبي" وغيرها، ومن ألحان عبد الوهاب "شكل تاني"، ساكن قصادي، آه بحبه ، لا تكذبي من كلمات محمود الشناوي، آه لو تعرف، ساعة ما بشوفك جنبي، حبايبنا دبنا، من كلمات مرسي جميل عزيز، كما لحّن لها عبد الوهاب أيضاً العديد من الأغنيات الوطنية.
تعاون وحيد مع الأخوين رحباني
تعاونت نجاة الصغيرة مع العديد من الشعراء منهم حسين السيد، بيرم التونسي، مرسي جميل عزيز، أحمد رامي، جورج جرداق في أغنية "أنا لياليك"، التي لحنها الملحن حليم الرومي، مأمون الشناوي ، صلاح جاهين وغيرهم، كما لحن لها زكريا أحمد، محمد الموجي، كمال الطويل، بليغ حمدي، والأخوين رحباني في أغنية "دوارين "عام 1968، والأغنية شهدت التعامل الوحيد بين نجاة والأخوين رحباني، وأضيفت في فيلم "7 أيام في الجنة" عام 1969.
أغاني خالدة
قدّمت نجاة الصغيرة العديد من الأغنيات الخالدة، ومنها اوصفوا لي الحب وأسهر وانشغل أنا والهي ما أعظمك وحبيبي سامعني واستناني في عام 1974 وعيش معايا في العام التالي، وأنا لياليك يا حبيبي وأطلقت ألبوم أنساك في عام 1979. وفي عام 1980 أطلقت عيون القلب وفي عام 1992 أطلقت موكب حب وبعدها بعامين غنت إلا فراق الأحباب، وفي عام 1997 مسافر وحدك، وألبوم سهران يا قمر في عام 1999.
إضافة إلى عدد آخر من الأعمال المميزة، ومنها لا تنتقد خجلي وأنا بعشق البحر ويا سلام عليك وأما غريبة.
أفلامها
شقّت نجاة الصغيرة طريقها في عالم السينما، ومثّلت في العديد من الأعمال والأفلام، وكان من أهم الأعمال التي شاركت فيها "بنت البلد" عام 1955 و"الشموع السوداء" عام 1962، "القاهرة في الليل" عام 1963 و"شاطئ المرح" عام 1967 و"سبعة أيام في الجنة" عام 1969.
إعتزال ثم عودة فغياب
إعتزلت نجاة الصغيرة بعد تقديمها لحفل غنائي في قرطاج عام 2001، وطوال تلك سنوات حاولت الإختفاء عن الأنظار، لكي تحتفظ بصورتها كشابة جميلة كما عرفها الجمهور، ورغم ذلك عادت للغناء في كانون الثاني/يناير عام 2017، وطرحت أغنية "كل الكلام " على طريقة الفيديو كليب، إعتمدت فيه صورة قديمة لها، والأغنية من كلمات الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي وألحان الموسيقار الكبير طلال، ومن توزيع يحيى الموجي، ثم عادت وإختفت مجدداً إلى أن تردد أنها ظهرت خلال شهر تموز/يوليو عام 2020، وهي جالسة قرب مدخل المبنى الذي تقطنه في حي الزمالك، بعدما حصل هبوط أرضي في المكان المحيط، نتيجة حفر مترو للأنفاق، إلا أن نقيب الممثلين أشرف زكي نفى أن تكون نجاة الصغيرة هي المرأة التي تم رصدها، والتي كانت تغطي وجهها كي لا تُعرف.
جوائزها
حصلت نجاة الصغيرة على جائزة الشاعر الإماراتي سلطان بن علي العويس، كما أنها حصلت على ميدالية ذهبية ومبلغ قيمته مائة ألف دولار من دبي، وحازت وسام الإستقلال من الدرجة الأولى من ملك الأردن، وحصلت على وسام أخر من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وغير ذلك الكثير من الجوائز والأوسمة.
حياتها الشخصية
كشفت نجاة الصغيرة عن قصة حبها الأول وزواجها في لقاء صحافي عام 1958 من صديق شقيقها المهندس الزراعي والسجين السياسي السابق كمال منسي، وكشفت أنه وقع خلاف بينها وبين والدها، بعدما حازت شهرة واسعة وذاع صيتها فى تقليد أم كلثوم، لأنها أرادت أن تكون فنانة مستقلة ويكون لها أغانيها الخاصة، وهو ما رفضه والدها مما تسبب في أنها تركت البيت هي وشقيق لها، وإستقلت في شقة أخرى.
وأشارت إلى أن شقيقها كان له أراء سياسية فى عهد ما قبل ثورة 1952 وفي فساد الحكم، ولذلك قبض عليه البوليس السياسي مع عدد من أصدقائه، ومنهم صديق جمعته به علاقة قوية بعد محنة السجن، وكان يزور الأسرة بعد الإفراج عنه قبل شقيقها ليطمئن عليهم.
وتابعت: "تزوجنا يوم 31 كانون الأول/ديسمبر عام 1955، وأعتبرت هذا اليوم أسعد أيام حياتي، فقد اكتملت فيه سعادتي ووجدت أخيراً الذي يحميني ويحيطني بالحب والحنان، بعد أن حرمت منه في طفولتي وصباىي".
وبعد أشهر من الزواج وقفت على أعتاب حادث سعيد، فإعتكفت في البيت فترة أنجبت خلالها إبنها الوحيد "وليد"، ولكن بعد بضع سنوات شب الخلاف بين نجاة الصغيرة وزوجها ووقع الطلاق عام 1960، لتتزوج للمرة الثانية من المخرج حسام الدين مصطفى عام 19670، وأيضاً لم يستمر زواجها طويلا وإنفصلا لتكون هذه الزيجة الثانية والأخيرة لها.
كرّست نجاة الصغيرة حياتها لإبنها وإبتعدت عن الأضواء، بعد أن ترك الزمن بصماته على وجهها، ولم تقبل بالخضوع لعمليات التجميل، ففضلت أن تبقى الصورة الجميلة لها مرسخة في ذاكرة محبيها.