فيلمون وهبي منحه الله موهبة التلحين بلا دراسة، فكان أعجوبة عصره، كما أن خفة ظله جاءت لتجعله نابغة فنية، زرع البسمة في العديد من الأعمال المسرحية والأفلام السينمائية، إضافةً إلى منحه ألحاناً خالدة، لفيروز، وصباح، ووديع الصافي، ونصري شمس الدين، وسميرة توفيق، وفهد بلان، لم يُعجزه أمرٌ في الفن، كان عرّاب الأغنية اللبنانية وذاع صيته حتى حدود أوروبا وأميركا، في الخليج أحبوه وفي كل الدول العربية، إنه سبع الفن اللبناني..
تعامله مع أهم الفنانين والفنانات
لحّن فيلمون وهبي لصباح ووديع الصافي ("بترحلك مشوار" و"حلوة وكذابة" و"تبقوا اذكرونا"، و"هالدلعونية")، ونصري شمس الدين ("هدوني هدوني" و"نقلة نقلة"، و"عالعالي الدار")، ونجاح سلام ("برهوم حاكيني" و"الشب الأسمر جنني" و"بين حانا ومانا")، وسميرة توفيق ("يا هلا بالضيف" و"حبك مر متل الكينا")، وعصام رجي ("لا مع سيدي بخير" و"هزوا المحارم")، وملحم بركات (الله كريم و"بالعز بنينا براجو")، ونهاد سرور، وسواهم من كبار الفنانين اللبنانيين، كما لحَّن لفنانين كبار في العالم العربي مثل وردة الجزائرية ("على شو يا حبيبي" و"بحب الأسمر")، وشريفة فاضل ("حبيبي نجار" و"يوم الحد تلاقينا")، وفايزة أحمد، وشادية (يا مهندس).
أما صباح فكانت رفيقة دربه، وقد لحّن لها الكثير من الأغنيات الناجحة، وأول ألحانه لها "دخل عيونك حاكينا"، ثم توالت ألحانه لها ومنها "ع العصفورية" و"متل الأطرش بالزفة"، وكانت سميرة توفيق من أوفى الفنانات لفيلمون وهبي.
"أم كلثوم" هي التي لقبته بالـ "فلمنك"، فقد طلبت منه لحناً، إلا أن الظروف ورحيل السيدة لم يساعدهما"، كما أن هناك ألحاناً قليلة من أعمال فيلمون لم يقدمها أحد، وبالتحديد أغنية لـ ماجدة الرومي من كلمات الشاعر إيليا ابو شديد، وكان قبل وفاته بفترة قصيرة لا يزال يسجل الأغاني في الإستديو.
وصفه الفنان الكبير الراحل وديع الصافي بأنه: "الفيلسوف الساخر، الملحن العظيم والصياد الرائع .. هو موسوعة، يلحن اللحن الثقيل والخفيف، كان خفيف الظل، في كل عصر يخرج انسان منه، أول لحن لي كان أغنية "(حلوة وكذابة)".
في غياب فيلمون وهبي، قالت فيروز: "كل اللي تركتن اشتاقولك وكل اللي جايين رح يحبوك". رحل منذ ربع قرن، وما زال يخاطبنا بألحان عصيَّة على التقليد، وستظل موسيقاه عنوانًا استثنائيًا لموهبة رأسمالها الفطرة والأصالة. موهبة تجلّت في التلحين والتمثيل وجعلته الـ مونولوجيست الذي لم يأتِ الزمن بمثله.
موهبته تخطت حدود اللغة
كان فيلمون وهبي قادرًا على جعل الأميركيين مثلاً يضحكون لنكاته من دون أن يفهموا كلمة مما يقوله، إذ كان يمتلك من الظرف ما مكَّنه من دخول القلوب كلها.
يروي أحد أصدقاء فيلمون وهبي عنه كيف لحَّن أغنية "عباية مقصَّبة"، لفهد بلان في سوريا العام 1978، قائلاً: "سحب طاولة خشبية صغيرة وأخذ ينقر عليها بأصابعه، ويدندن مسوَّدة اللحن قائلاً لفهد بلان بين الحين والآخر: قول معي أبو طلال، قول معي!!، وفعلاً قام الراحل سمير حلمي لاحقًا بتدوين نوتة الأغنية، وغيره قام بتوزيعها وتدريب الفرقة الموسيقية، وصدحت حنجرة الفهد بلحن فيلمون بأغنية ومن قبلها أغنيات عديدة وكلها حملت بصمات كل منهما في الإبداع والأصالة".
فنان شامل
كان أول من نشر الأغنية اللبنانية في العالم العربي وخصوصاً في مصر إعتباراً، من منتصف الخمسينيات من خلال أغانٍ مثل "دخل عيونك حاكينا"، "عالعصفورية" لصباح، "شب الأسمر جنني"، "برهوم حاكيني" لنجاح سلام، "بترحلك مشوار" و"حلوي وكذابي" لوديع الصافي. إنتشرت أعماله في الكويت والخليج العربي من خلال أغاني غريد الشاطىء ومحمد الباقر وغيرهما.
ترجمت أعماله وموسيقاه في أوروبا وخصوصاً أغنيات "بسيطة" و"دايشتك بوم" و"قلبي نازل دق" وغيرها، على يد أساتذة موسيقيين مثل الإيطالي إدواردو بيانكو والبريطاني رون غودوين، كما أنشدت فيروز أغنيته الشهيرة "جايبلي سلام" في باريس في إحتفالات الذكرى المئتين للثورة الفرنسية، ويومها كان صوت فيروز الصوت العربي الوحيد، الذي شارك في إحياء الذكرى عام 1989.
فاق عدد ألحان فيلمون وهبي الألفي لحن، كما أنه شارك في العديد من المهرجانات اللبنانية والعربية، إنطلاقاً من مهرجانات بيت الدين إلى مهرجانات بعلبك الدولية، ومهرجانات الأرز وجبيل ومعرض دمشق الدولي ومسرح البيكاديلي، فمسرح الكابيتول وستاركو وغيرها، برفقة رفاق الدرب فيروز والأخوين الرحباني وصباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين.
مسرحيات
أبرز المسرحيات التي شارك فيها فيلمون وهبي مع الأخوين الرحباني والسيدة فيروز: "فخر الدين"، "الشخص"، "جبال الصوان" ،"الاسوارة"، "بياع الخواتم"، و"المحطة"، و"قصيدة حب" إلى العديد من الاستكشات. كما أصدر ألبوماً تضمَّن مونولوجات فكاهية بينها: "همبرغر"، "فيلمون أتى"، و"البوسطجي".
ومن أهم المسرحيات التي كتبها بالإشتراك مع الشاعر جورج جرداق "قضية وحرامية"، التي مثَّل فيها مع الممثل السوري دريد لحام. كما شارك كتابة وتلحيناً وتمثيلاً في مسرحية "ست الستات" للفنانة صباح مع الفنان الراحل وسيم طبارة، والتي عرضت على خشبة مسرح"ستاركو" في بيروت، أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
كما شارك فيلمون وهبي في العديد من المهرجانات في لبنان والخارج، بالمسرحيات مع الأخوين رحباني والسيدة فيروز.
جوائز وأوسمة
حاز فيلمون وهبي تقديراً لعطاءاته الفنية المميزة العديد من الجوائز والأوسمة، منها وسام الأرز ووسام الإستحقاق من لبنان، وعدة أوسمة من الجيش اللبناني، الى جائزة سعيد عقل والعديد من الأوسمة العربية.
حياته العائلية
خلال الحرب اللبنانية تألم فيلمون وهبي كثيراً لتركه بلدته كفرشيما قسراً، ليمكث في بلدة بعبدات لعشرين عاماً.
رفض الألقاب التي أسبغت عليه بإستثناء لقب "شيخ الملحنين"، الذي أطلقته عليه فيروز، وأحب لقب "إبن الشعب".
تزوج العام 1946 من السيدة جانيت خوري (كانت مطربة عرفت بإسم تغريد الصغيرة ولديها عدة أعمال وتسجيلات إذاعية، وقد لحن لها فيلمون العديد من الألحان ومنها "خدعتني العين" "وحملتني فوق الألم" وغيرهما)، وبما أنه كان يلحن بالفطرة كانت هي تحفظ ألحانه... ولكنها إعتزلت الغناء بعد الزواج.
كان فيلمون وهبي أباً حنوناً ومثالياً وكريماً مع عائلته، متواضعاً وعفوياً، ولديه 4 أولاد:
-عماد، ماجستير في العلوم السياسية والقانون الدولي من الجامعة الأميركية في بيروت. عازب ورث عن والده روح النكتة والفكاهة، وكان يرافقه في مشاوير الصيد.
- سعيد، درس الهندسة الداخلية خبير تجميل وصاحب مؤسسة، متزوج ولديه ولدان فيلمون وماريتا.
- ألحان، درست المجال الإداري وعملت في شركة شحن، وربة منزل.
- ربيع، إجازة في التسويق والمالية وإدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأميركية.
رحيل شيخ الملحنين
رحل فيلمون وهبي في 5 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1985، وكان حلمه الذي لم يستطع تحقيقه قبل وفاته، هو أن يعود إلى بيته في كفرشيما، بعد أن هُجر منه خلال الحرب.
ترك للأجيال إرثاً فنياً عظيماً، سيظل يخاطبنا بصوت فيروز، وسيظل عصياً على التقليد والمحاكاة.