من قال إن ذواقة الفن الأصيل قليلون، فما إن علم هؤلاء بأنه ستكون لك تحية في أمسية فنية تليق بك، وبما قدمته وزرعته من فن عريق، حتى ضبطوا ساعاتهم على موعد هذا الحفل الذي لطالما إنتظروه.
العائلة، الأصدقاء، رفاق الدرب، شركاء النجاح ومن لازالت آذانهم تستذوق الفن النظيف، ملأوا بحضورهم كل المقاعد قبل موعد إنطلاق الحفل، لأنك أكبر من كل لقب، فأنت فؤاد عواد.
فؤاد عواد المؤلف الموسيقي والممثل وقائد الأوركسترا لبناني والباحث الأكاديمي، تخرّج من المعهد اللبناني الوطني العالي للموسيقى، حاملاً شهادتَي الغناء العربي والعزف على العود، وأصبح بعدها أستاذاً لهاتين المادّتين في المعهد ذاته، وفي جامعتَي سيّدة اللويزة والروح القدس في الكسليك، وأسّس جوقة الغناء العربي في جامعة الروح القدس الكسليك، وقادها لسنوات عديدة، كما ترأّس قسم الموسيقى العربيّة في الجامعة ذاتها، ومن ثمّ أصبح مستشار الموسيقى العربيّة فيها.
لحّن الكثير من الأغاني، وألّف الموسيقى للعديد من المسرحيّات، بالإضافة إلى الموسيقى التصويريّة لمسلسلَي "من أحلى بيوت راس بيروت" و"حصاد المواسم" من كتابة مروان نجار. كتب ولحّن أغانٍ عديدة للأطفال أصدرها في مجموعتين: "باقة غناني للأطفال" و"غنّوا مع نادين"، بالإضافة الى أغاني مسرحيّة "إسوارة الحظ" وهي من كتابة جوزيف أبي ضاهر، كما لحّن العديد من الأناشيد وأبرزها النشيد الجمركي اللبناني.
لمع إسم فؤاد عوّاد أيضاً في مجال التمثيل، فهو بدأ مشواره المسرحي مع سامي خياط وشارك في مسرحيات "غلا غلا"، "فيا مافيا"، "تو بيت مري شانت"، "باكس بقى" و"سوبر شوار"، وعمل أيضاً مع الكاتب مروان نجّار، وشارك بأدوار رئيسية في مسلسلَي "حكاية كل بيت" و"هيك ربّونا"، وإنتقل مع نجار إلى المسرح وشارك في مسرحية "صبي وين بدو يروح" ومسرحية "فارس والصّبايا"، وقد إشتهر بشخصية "فارس إبن إم فارس".
ألف وأصدر مناهج "قواعد العزف على العود، "المنهج الجديد في الصولفيج"، و"نظريات الموسيقى الغربية والعربية المشرقية".
حاز عوّاد جوائز عديدة، منها الجائزة الأولى في برنامج "نادي النوادي" التلفزيوني (1987) عن أوبريت "زوق الحرير" التي لحّنها وأخرجها وشارك في كتابتها مع أنطوان سلامة، كما حصل على جائزة الغناء العربي لأفضل أغنية للأطفال كلاماً ولحناً (1996) في مهرجان الأغنية العربيّة في أبو ظبي.
إذاً إجتمعنا كلنا في أمسية خاصة وتحية إلى فؤاد عواد، وجهت خلالها الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج، تحية لعوّاد في الحفل الذي أقيم على مسرح بيار أبو خاطر في حرم كلية العلوم الإنسانية في جامعة القديس يوسف طريق الشام، وغنت نادين عوّاد داغر وميشال خوري، بمشاركة كورال الغناء العربي في الكونسرفاتوار، تدريب عايدة شلهوب زيادة.
وكانت كلمة لإبن الراحل، إميل فؤاد، وهو أستاذ في معهد الدراسات المسرحية والسمعية المرئية والسينمائية في جامعة القديس يوسف، أضاء خلالها على سيرة والده، وأشار إلى أنه في أحد الأيام سمع فؤاد "المكوجي" وهو يغني ويعزف على العود، وكان صوته جميلاً، فسأله فؤاد إن كان يعلمه العزف على آلة العود، ليسأله "المكوجي" إن كان لدى فؤاد عود في المنزل، فقال له فؤاد إنه يوجد لديهم عود في المنزل ولكن بقي فيه وتر واحد، وأحضر فؤاد العود وأصبح "المكوجي" يعمله العزف، إلى أن أصبح فؤاد يعزف مطلع أغنية "النهر الخالد" للموسيقار محمد عبد الوهاب على وتر واحد، ومنذ ذلك الحين زاد شغفه بالموسيقى.
وأضاف :"وحين أصبح والدي أستاذاً في الكونسرفاتوار تعرف على والدتي عازفة البيانو آربي نجاريان، وعاشا قصة حب كبيرة وتزوجا، وأصبحت والدتي شريكة حياة فؤاد وشريكة أحلامه الموسيقية".
وتابع :"بعد رحيل فؤاد أصبحنا نفكر كيف علينا أن نعمل لنكمل المسيرة من خلال حفل يضيء على أعمال والدي، إلى أن قلنا إنه لا يوجد سوى الطالب البارع الذي كان يعرف والدي ويعرف روحه الموسيقية وآمن بمسيرته الأكاديمية والفنية، إنه المايسترو أندريه الحاج الذي حمل معنا هذه الأمانة، وكأنها أمانته الخاصة، ونفذها بكل دقة مع عازفين محترفين ومخلصين في الموسيقى، حولوا النوتات المدونة إلى سحر موسيقي يجعلنا نلمس عن قرب روح فؤاد، أما أمانة الغناء فحملتها معنا الأستاذة الكبيرة عايدة شلهوب زيادة مع كورال الغناء العربي في الكونسرفاتوار، وهي التي تخرجت مع والدي في الفترة ذاتها من المعهد الموسيقي العالي، وتعرف فكره الموسيقي وحملت الأمانة بحرفية عالية".
وختم عواد :"أختي نادين ستغني، ويشاركها صوت من المعهد نفسه وقرر أن يحمل الأمانة معنا، وهو الصديق ميشال خوري، وأشكر رئيس الكونسرفاتوار بسام سابا على دعمه لهذه التحية لفؤاد عواد".
وإنطلق الحفل الذي تضمن الحفل المقطوعات الموسيقية والأغنيات التالية من تلحين الراحل فؤاد عواد:
"الينابيع.
ذاب قلبي، كلمات يحيى بن بقى القرطبي.
قالولي شعرك مجنون، كلمات مي منصور.
أمي منار الزمان، كلمات ميشال جحا.
لونغا حجاز.
لوّح يا قصب، كلمات فؤاد عوّاد.
بيروت، كلمات مروان نجار.
دقّي يا منجيرة، كلمات طوني سلامة.
شعبك واقف بالريح، كلمات هنري زغيب.
أرض الحلم، كلمات سيمون يوسف عسّاف".
لحوالى الساعة ونصف الساعة إستمتعنا بأعمال فؤاد عواد الموسيقية الراقية، وعدنا بصوت ميشال ونادين إلى أجمل اللحظات والذكريات، ورددنا معهما الأغنيات التي قدماها، خصوصاً أغنية "شعبك واقف بالريح" التي قدماها ديو، والتي لطالما رافقتنا في أيام الحرب، كما تفاعلنا كثيراً مع أغنية الختام "أرض الحلم" التي قدمتها الأوركسترا بمشاركة الكورال، هذه الأغنية التي غنتها المطربة ميشلين خليفة، وكان حينها صوت ميشلين يعلو فوق صوت القذائف التي كانت تتساقط هنا وهناك، ويقوي فينا روح الصمود في وجه العدوان.
المايسترو أندريه الحاج، كان كما عادته، حريصاً على إبهارنا بقدرته المتميزة على إدارة أوركسترا كبيرة ومغنين على المسرح، فهو دائماً الرقم الصعب الذي يحترف التحدي.
فؤاد عواد ربما وصلتك هذه التحية، ولكننا فخورون بأن هناك من تذكرك، وألقى الضوء على فنك الأصيل الذي قدمت له عمرك.
وكان لموقع "الفن" هذه الكلمات الخاصة.
المايسترو أندريه الحاج
قال :"عندما طرح عليّ إميل فؤاد عواد فكرة حفل اليوم وافقت مباشرة، وعلى الرغم من أني أعمل في كل حفل على النوتات الموسيقية من نقطة الصفر، إلا أن إميل سلّمني النوتات الموسيقية جاهزة، وأنا وضعت عليها بعض اللمسات الصغيرة، ووضعنا معاً البرنامج الموسيقي".
وأضاف :"قليلون هم الذين فهموا فؤاد عواد، فهموه لكنهم لم يقبلوا أن يسيروا مع فكره، بمعنى آخر لم يفهموه من الداخل، مشكلة فؤاد عواد أنه لم يكن دبلوماسياً، وأنا مثله، والأخوان الرحباني لو لم يكونا جدّيين في عملها لم يصلا إلى ما وصلا إليه، وأي شخص يريد أن يعمل بالشكل الصحيح يجب أن يكون قاسياً مع نفسه، فؤاد عواد كان دقيقاً في عمله، وكان ينفذ الأمور بكل دقة، خلق منهجاً لازلنا نسير عليه في المعهد الوطني العالي للموسيقى في اللاوعي، وكثيرون أصبحوا يؤلفون كتباً عن العزف على العود بعد فؤاد عواد، وأسلوب الصولفيج الذي يعتمده لم أرَه في أي كتاب، لأن لدى فؤاد فكراً علمياً وموسيقياً في نفس الوقت، وهذا المزيج يخلق أعمالاً جميلة وقريبة إلى القلب".
وتابع الحاج :"فؤاد إختار أن يبتعد عن الأضواء وكان يعمل بإستمرار، فهو علّم الكثير من المغنين، وقدّم لي الكثير، ومرة قال لي "بما أنك أنهيت دراسة العزف آلة العود، أدرس العزف على آلة الكمان"، ولم أدرك حينها لماذا طلب مني ذلك، إلى أن فهمت أنه حين يكون قائد الأوركسترا يجيد العزف على آلة الكمان يصبح هناك تعاطف أكثر بينه وبين الموسيقيين، لأن غالبية الآلات الموسيقية التي تكون موجودة في الأوركسترا هي الكمان والفيولا والتشيلو والكونترباص، وأنا ملم جداً بهذه الآلات الموسيقية وأجيد التعاطي معها".
وعن إختيار ميشال ونادين للغناء في هذا الحفل، قال الحاج :"إخترت ميشال لأني شعرت بأن ألحان فؤاد عواد لم يغنّها فنان لديه خامة صوت ميشال، وهو أعطى الأغنيات التي يؤديها في الحفل روحاً مختلفة، وبالنسبة لنادين صوتها جميل وأداؤها كذلك، والحضور يتعاطف أكثر عندما تغني من ألحان والدها فؤاد عواد".
الفنانة نادين عواد داغر
قالت :"أنا درست العزف على البيانو مع والدتي آربي نجاريان عواد والتي ستشارك في العزف مع الأوركسترا كضيفة في هذا الحفل، ودرست Solfège وTheory غناء شرقي مع والدي فؤاد عواد، وأصقلت موهبتي في المنزل الذي هو كونسرفاتوار صغير، وتخصصت في الأدب الفرنسي وأدرّس اللغة الفرنسية. ولناحية الأعمال الفنية، فأنا غنيت تتر برنامج "من أحلى بيوت راس بيروت"، وتتر برنامج "صارت معي"، ومجموعة "غنوا مع نادين" للأطفال، ومثلت دوراً صغيراً في مسلسل "بنت الحي" من كتابة الأستاذ مروان نجار، وعملت في المسرح مع الأستاذ سامي خياط في مسرحية 1+50".
وأضافت :"أشكر الصديق المايسترو الكبير أندريه الحاج لأنه من الأشخاص الذين عاشوا معنا ويعرف فكر فؤاد عواد، والمايسترو هو من أبرع الطلاب الذين مروا لدى والدي، وهو الذي طلب مني أن أغني في حفل اليوم، وطلب من والدتي أن تشارك في العزف، ونحن لم نتردد للحظة في المشاركة في هذا الحفل، لأننا شعرنا من خلال عمل المايسترو وإندفاعه، بأنه إمتداد لروح والدي".
الفنان ميشال خوري
قال :"أنا درست الغناء الشرقي في الكونسرفاتوار، ودائماً أغني في حفلات الأوركسترا، وشاركت في أكثر من حفل بقيادة المايسترو أندريه الحاج، والمايسترو بسام صالح والمايسترو أنطوان فرح. لم أتعرف إلى فؤاد عواد شخصياً، ولكني عرفته من خلال أعماله، وتعرفت أيضاً على أسرته الجميلة التي أخبرتني أنه كان إنساناً مميزاً وفناناً راقياً، وهو وضع منهج قواعد العزف على العود، وفي نفس الوقت زرع البسمة على وجوه كل اللبنانيين الذين يذكرون أعماله التمثيلية في البرامج والمسلسلات الكوميدية والمسرح".
وأضاف :"موسيقى فؤاد عواد فيها حبكة جميلة جداً، وأصنفها في خانة السهل الممتنع، والأغنيات التي تصنف كذلك هي التي تدخل إلى قلوب الناس وتنجح، وبرنامج حفل اليوم دليل على كلامي، فهو يتضمن مختارات منوعة من أعمال عواد والتي ترضي كل الأذواق".
الشاعر الدكتور ميشال جحا
قال :"هو للعود فؤاده وإلى الشعر مداده، هذا هو فؤاد عواد، إنه إنسان عريق قلباً وقالباً، فناً وريشة وفكراً وأدباً ولحناً، العلاقة بيني وبينه طويلة الأمد، وقد لحّن لي الكثير من قصائدي، منها "يا بعيداً"،"أمي منار الزمان" و"حيي الأحباب يا هوا الشمالي"، كان صادقاً مع ذاته جداً، وما رأيته مرة ساوم على لحن من ألحانه، إلا وأعاد عزفه مراراً وتكراراً كي يحظى مع ذاته بالفن الأصيل، لأنه ما تعوّد إلا الأصالة. فؤاد عواد فنان، ممثل، شاعر، ملحن، أديب ومفكر، هو باقٍ بقاء الكلمة واللحن والفكر العظيم المطيّب بالعنبر والمصداقية والخزامى، هذا هو فؤاد عواد، آمل أن يبقى في التاريخ منارة وهداية لكل من أراد الغناء واللحن والعطاء الفني الأصيل".
الكاتب مروان نجار
قال :"فؤاد رفيق درب وأخ، ورحيله خسارة كبيرة لنا جميعاً، فؤاد يستأهل الكثير، وتكريم اليوم قليل عليه، ولكن الحمد لله أن هناك هذا التكريم له. فؤاد كان طيلة حياته مهذباً، حتى بمرضه كان يستأذننا للرحيل. عندما راهننا كفريق عمل على أن يضع فؤاد عواد الموسيقى لبرنامج "فارس إبن إم فارس" الذي كان أول برنامج لي معه، وقفت في وجهنا كل مافيا القرارات والإدارات ورفضت ذلك لأن لديها جماعتها، حتى أن أغنية البرنامج التي غناها فؤاد لم يلحنها هو، بل لحنها كفاح فاخوري، وهو صديق عزيز على قلبي، فحينها لم يستطيعوا رفض فاخوري لأنه من منزل عريق في الموسيقى، وأخذنا وقتها الكثير من الوقت حتى إستطعنا أن نستمتع بموهبة فؤاد الموسيقية، لأن في لبنان التفاهمات تغلب على المواهب".
المطربة ميشلين خليفة
قالت :"أغنية "أرض الحلم" أعادتني إلى بداياتي في الغناء وإلى أيام جميلة، حين كان فؤاد يقول لي إن الجميع يبدأ بأعمال صغيرة وأنا بدأت بأعمال كبيرة، لذلك أشعر دائماً بأنني لازلت في بداياتي الفنية. كل كلام يقال عن فؤاد أشعر بأني معنية به، فأنا كان لي النصيب الأكبر بأني إستفدت من فؤاد عواد بخلاصة فنه وعطائه، إن كان في "أرض الحلم" أو "يا بعيداً"، هي قصائد كثيرة وأغنيات كثيرة، وقريباً إن شاء الله سأكرّم فؤاد عواد على المسرح، ونختار هذا المسرح أنا وأنتم من صحافيين وإعلاميين ومصورين، لأني أريده أن يكون حفلاً لا مثيل له".
وأضافت :"فؤاد عواد يكفيه فخراً أنه لحّن "أرض الحلم"، فهذه الأغنية تختصر عمراً طويلاً من فنه وعطائه، لا أظن أن أحداً وضع لحناً مثل هذا اللحن، فؤاد دعمني كثيراً ووقف إلى جانبي، كان أستاذي وأخي وصديقي والمؤتمن عليّ، فحين كنت أشعر بالأسى أو بأنني ضعيفة كنت ألتجئ إليه، وكان ينصحني وأعمل بنصائحه حرفياً، ولازلت لغاية اليوم أعمل بنصائحه. وصحيح أنني مررت بمفترق طرق مع ملحم بركات، ولكن لو لم يكن فؤاد عواد قد أسّسني بالشكل الصحيح، لم أستطع أن أقف وأغني "أنا والقمر والنجوم" لملحم بركات، وعندها تحديت الجميع بغنائي على طبقة رجل يغني سوبرانو وليس يغني ألتو. فؤاد فنان كبير من لبنان، وتكريم اليوم جميل، ولكن يجب على لبنان أن يكرمه برؤسائه ومسؤوليه، وأنا حاضرة دائماً لأكرمه".
نقيب الفنانين المحترفين جهاد الأطرش
قال :"فؤاد عواد فنان كبير، مبدع كبير من لبنان، كان موسيقاراً كتب الكثير عن الموسيقى ودرّسها، وأعطى الكثير من الألحان لكبار المطربين والمطربات في لبنان، وألف مقطوعات موسيقية راقية جداً لبعض المسلسلات التلفزيونية، فقدناه مثلما فقدته الساحة الفنية والموسيقية".