مخرج واعٍ بأدواته ومتمكن منها، ولا يتعامل أبداً بديكتاتورية مع المؤلفين أو الممثلين الموجودين تحت سقف عمله، فهو من المؤمنين بأفكار كثيرة غائبة عن مخرجي الوقت الحالي، أولها التعامل بجماعية والإستماع لكل من حوله ورؤية الفنانين بعيون فنية جديدة..هو المخرج رؤوف عبد العزيز الذي قدم عدة أعمال حاربت أفكاراً جديدة طرأت على المجتمعات العربية بعد الربيع العربي، وكانت آخر أعماله الفنية مسلسل "قمر هادي" وفيلم "حملة فرعون".. ويتحدث رؤوف لـ"الفن" عن إختياره لذوي الإحتياجات الخاصة للتمثيل أمام كاميراته، وإهتمامه بإعلاء الفضائل والأخلاق، وعن أزمات المخرج مع المؤلف والسيطرة على أفكاره، وعن ظاهرة "نمبر 1" وإتهام بعض الممثلين للمخرجين بوضعهم داخل صندوق واحد من الأدوار وتفاصيل كثيرة في اللقاء التالي:
في البداية..قدمت هذا العام مسلسل "قمر هادي" وفيلم "حملة فرعون" فكيف تعاملت مع التركيبة الصعبة المندرجة ضمن نوعية "السايكو" للمسلسل وخلطة "الأكشن" الممزوجة بكوادر أجنبية في الفيلم؟
هذا هو التعاون الثالث بيني وبين هاني سلامة الذي أحب العمل معه ، وفي "قمر هادي" كنا مُدركين ألا نقع في التكرار ونقدم نوعية دراما مختلفة قبل أن نتناقش في قصة العمل، وإستقررنا على تقديم نوعية "السايكو" وهذا النوع خطر وخاصة أن المشاهد في رمضان يحتاج للأعمال البسيطة غير المعقدة، ولكننا رغبنا في المجازفة والتطرق لنوعية جديدة من الأعمال وكانت هذه بداية التفكير في هذا العمل، وفي هذا الوقت كنا نُحضر لفيلم سينمائي جديد وتحمست للقصة المكتوبة من إسلام حافظ الذي يمتلك موهبة واضحة للغاية في كتاباته، وبدأنا في تقديم العمل وتم طرحه في رمضان الماضي وحقق نجاحاً كبيراً للغاية، أما بالنسبة لـ"حملة فرعون" حاولت تقديم "الأكشن" بلون جديد من خلال قصة متميزة لاقت إعجاب الناس.
فكرة الإستعانة بذوي الإحتياجات الخاصة للمشاركة التمثيلية بـ "قمر هادي"، هل هي إنطلاقاً من مُبادرة الرئيس السيسي للإهتمام بهم والتأكيد على ضرورة إشراكهم بالمجتمعات العربية بشكل عام؟
بالتأكيد..الشعب المصري كله أشاد بمبادرة الرئيس السيسي، وأنا كمواطن وليس كمُخرج علي أن أقوم بتلبية المبادرة، ولكن في الوقت نفسه لم نقحم ذوي الإحتياجات الخاصة ضمن أحداث العمل بل كان المؤلف إسلام حافظ قد وظف هذه الشخصيات درامياً داخل أحداث العمل، ولكن المفاجأة كانت أن الجميع إعتقد أنني سأختار ممثلاً محترفاً لتقديم هذه الأدوار، ولكنني فاجأت الجميع بإختيار شخصيات مُبهرة من ذوي الإحتياجات الخاصة، فاجأت الجميع بأدائهم غير العادي والذي أشاد به الجميع.
وما الذي أبهرك في إختيار "محمد عزمي" وهو من ذوي الإحتياجات الخاصة؟
أكثر ما جذبني لهذا الشاب أنه يمتلك كم إرادة غير طبيعي، حتى أنه غيّر بعض المفاهيم بداخلي، فكلما طلبت منه أن "يذاكر" ساعة واحدة كان يتحدى كل شيء و"يذاكر" 10 ساعات، وكان يتدرب بإستمرار على التمثيل بعدد مرات خيالي، ويرسل لي ويسألني ويعمل بإجتهاد قوي وصبر وعزيمة غير عادية.
دائماً ما تهتم في أعمالك الفنية بإعلاء قيم الحق والدين والفضائل والأخلاق، فهل هذا يكون مقصوداً بدافع منك كمخرج؟
بالتأكيد..أحب أن تكون هذه القيم هي السائدة في أعمالي الفنية سواء في الدراما أو السينما، ففي "قمر هادي" أحببت أن تكون الرسالة الأولى للعمل هي أن الله هو يشفي وقادر على كل شيء، كما أنه من الضروري إبراز القيم الأخلاقية والفضائل داخل الأعمال الفنية، فمنذ سنوات وجدنا إنتشاراً مُرعباً لبعض أفكار الإلحاد، وللأسف لم يكن هناك شكل يقنعني كرؤوف عبد العزيز للتصدي لمثل هذه الأفكار، ووجدت بعض المفاهيم في الفن من أجل حرية التعبير، وهناك من يستغلون حرية التعبير من أجل وضع أفكار لا علاقة لها بالأخلاق والدين والفضائل ومثل هذه الرسائل يمكن أن تؤثر في مجتمعاتنا بالإيجاب أو السلب.
وهل المخرج له الحق في التدخل في السيناريو وخاصة أننا نجد أزمات ما بين المخرج والمؤلف وتدخل الأول في حق الثاني وأحياناً يصل الأمر لحد التصوير من دون مراعاة الحق الأدبي للمؤلف؟
وجهة نظري الشخصية وفي إعتقادي وما أفعله في أعمالي أنني مقتنع أن العمل والعلاقة ما بين المؤلف والمخرج يجب أن تكون من مبدأ الفريق، فلا بد أن تكون هناك لغة حوار ما بينهما من دون أن يفاجئ المخرج مؤلف العمل بالقيام بأشياء غير متفق عليها، والحمد لله لغة الحوار تكون موجودة بيننا حينما نبني كل حلقة والفكرة العامة والشخصيات والغرض من كل حلقة، وليس هذا وحسب فنحن نبني على الورق وفي أثناء التصوير أيضاً، وهو يشاركني العملية الإخراجية وآراؤه تكون مهمة بالنسبة لي وتستطيع أن تسأل كل المؤلفين الذين تعاملت معهم من قبل.
دائماً في أعمالك ترى الممثل بعين جديدة وتقوم بتوظيفه بأدوار لم يسبق له أداءها من قبل، وهذا نادرا ما يجازف به المخرج بنجوم يؤدون أدواراً قد يراها البعض مجازفة؟
أنا سعيد للغاية بهذا السؤال فأنا أرفض فكرة التصنيف الفني أو وضع الممثل بقالب معين بل أحب أن أرى الممثل بعين جديدة وأضعه يُقدم دوراً جديداً يتمناه حتى ولو بمنطقة جديدة فنيا عليه وخاصة أن الممثل عليه أن يؤدي كل الأدوار وليست أدواراً معينة.
بعض الممثلين يتهمون المخرجين بالنمطية في إختيارهم للأدوار نفسها وأنهم يريدون الخروج من الصندوق.. فما رأيك؟
أحاول توظيف الممثلين بعين جديدة وبأدوار مختلفة لم يسبق لهم تقديمها، وهذا سبق وحصل مع عدة ممثلين من دون تسمية أي أحد بعينه، وأنا سعيد بالقيام بهذا الدور وتستطيع أن تسأل كل من تعاونت معهم.
وما رأيك كمخرج بظاهرة "نمبر 1" المُنتشرة مؤخراً على صعيد التمثيل؟
ظاهرة "نمبر1 " في المصارعة الحرة وليست في الفن، فإختلاف الآراء الشخصية حول شخص بعينه لا تعني أن الآخر سيئ، وحبي لفنان معين لا يعني كرهي للآخر أو أنني أفهم وغيري لا يفهم، والحقيقة أن الفن لا يجب أن يكون به تصنيفات أو "رقم 1" و "رقم2 " بل الفن إبداع ولغة جماعية بين فريق العمل كله، وحتى في نفس كل واحد منا فإن المزاج مُتقلب، فأحياناً يخطر لك الإستماع لموسيقي معين دون غيره.
وفي النهاية.. تعمل بروح مختلفة عن بقية المخرجين حيث تقرأ لكتّاب جُدد وتستعين بالشباب في أعمالك لأول مرة، فما وراء ذلك؟
أحب التجارب وأرغب في أن أساعد الجميع من حولي، وأعشق القراءة ولدي المقدرة على أن أقرأ لأي كاتب جديد من دون النظر إلى أنه لا يمتلك سيرة ذاتية تُساعده على العمل بمجال الفن، فلو وجدت نصاً جيداً لكاتب جديد فليس هناك ما يمنع تقديمه، وكذلك أحب الإستعانة بالشباب والوجوه الجديدة في أعمالي، ولدينا الكثير من المواهب بالكتابة والتمثيل والإخراج والكثير من المجالات ممن يستحقون فرصة لإثبات الذات.