إحتفل أصدقاء الإعلامية والفنانة الراحلة سحر طه بالتعاون مع برنامج زكي ناصيف للموسيقى يوم الثلاثاء الماضي بالذكرى السنوية الأولى لوفاتها، وقد لا يبدو غريباً إستخدام كلمة إحتفال في ما كان يشبه تأبيناً وإستذكاراً حزيناً للراحلة، بل نستخدمها عن قصد للتأكيد على أن هذا اللقاء كان محطة إستذكار جمعت بين الفرح والأسى في الوقت نفسه لشخصية حاربت أبشع الأمراض وأخطرها بإصرارها على أن الفنّ هو خلاص الشعوب وما يجمعها، وأنه بالفن وحده ترتقي الشعوب، فحملت راية موطنها الأصلي العراق وموطنها الثاني لبنان وجابت بهما جميع أصقاع العالم، وحفرت في ذاكرة الشعوب بصمة فنية لا تُمحى.
حضر الحفل الذي قدمته الإعلامية وداد حجاج وأقيم في الجامعة الأميركية في بيروت، مبنى "ويست هول"، صالة "بطيش" عدد من أفراد عائلة طه تقدمهم زوجها سعيد طه، إضافة إلى الأديب ميشال معيكي ممثل وزير الثقافة اللبناني محمد داوود، الشاعرة العراقية أمل الجبوري، المايسترو نبيه الخطيب، الأب جان جبور، الروائية الجزائرية فضيلة الفاروق والشاعر الشعبي حسين شعيب.
بداية الحفل كانت مع النشيد الوطني اللبناني، بعده ألقي عدد من الكلمات، كانت اولها لمعيكي الذي أكد على أهمية إنجازات طه التي حققتها وتركتها خلال مسيرتها، وأكد في نهاية كلمته على أهمية دور وزارة الثقافة بالمشاركة في تكريم الكبار وإحتضان ودعم الطاقات والمواهب للجيل الجديد من شباب لبنان سواءً في المسرح والموسيقى والرواية والشعر وسواها.
ثمّ كانت كلمة الشاعرة أمل الجبوري التي جاءت خصيصاً من لندن للمشاركة في هذه الأمسية، وبدأت كلمتها بتوجيهها الشكر للبنانيين لأنهم كانوا أكثر وفاءً وإحتضاناً لإبنة العراق كما قالت، وروت بعضاً من المواقف التي جمعتها بطه وكيف أنها غيرت حياتها وأثرت بها.
وألقت الجبوري جزءاً من قصيدة كتبتها بعد أن علمت بأن المرض قد داهم طه، إضافة إلى نص آخر كانت تحبه.
وبعدها إعتلى المايسترو نبيه الخطيب المسرح وقد أحب ان يتحدث عن بدايات طه، متذكراً في كلمته لحظات لقائه الأول معها وزوجها سعيد طه وما جمعهما بعدها من أعمال وحفلات.
وتلى كلمة الخطيب عرض مشاهد من الحفلة الأولى التي أحيتها طه مع فرقته.
ثمّ كانت كلمة الأب جان جبور، الذي أشار إلى أن طه ما زالت حاضرة بفنها وإبتسامتها وثقافتها، مضيفاً أنها كانت إنسانة مليئة بالأحاسيس ورفيقها هو العود، وقام بعدها بدندنة بعض النغمات على العود التي أهداها لروح طه.
ومن الكلمات أيضاً، كانت كلمة مؤثرة جداً للشاعرة الجزائرية فضيلة الفاروق، التي جمعتها صداقة متينة بطه، فتأثرت وبكت أثناء تحدثها عن معايشتها لمرض طه وكم أنها كانت تلك المحاربة التي لا تستسلم ولا تعرف الإنهزام، فبقيت حتى آخر نفس قوية.
ثمّ، كانت فقرة موسيقية لفرقة "وتد"، تلتها كلمة شعرية للشاعر حسين شعيب الذي بدأ كلمته قائلاً لطه "لا تخجلي إن قتلك السرطان، فنحن من هنا إلى العراق مصابين بأخطر بكثير من السرطان"، وألقى بعدها قصيدة مميزة جداً مهداة لروحها يقول مطلعها "صرلوا سنة هاك الوتر فلتان، وما بتدأر الريشة بإيديكي، صرلوا سنة هاك النغم عطشان، ما عاد عم تسقي عينيكي، صرلوا سنة هالصوت ما برنّ، صرلوا سنة هالعود ما بجنّ، وإلنا سنة منفتش عليكي".
وكانت نهاية الحفل بفقرة موسيقية ثانية لفرقة "عازفات عشتروت" وهي الفرقة التي أسستها طه، ليكون الختام بإلتقاط الصورة التذكارية.
موقعنا الذي كان حاضراً كانت له هذه اللقاءات.
الشاعرة أمل الجبوري.
أمل الجبوري و في وصفها لعلاقة الصداقة التي كانت تجمعها بالراحلة سحر طه شبهتها بعلاقة السمك بالماء، قائلةً إنها عندما تزوجت في لبنان، فكانت سحر طه هي من نظمت لها الحفل، وإعتبرت طه حينها أن الجبوري بمثابة إبنتها رغم أن الفرق بينهما في العمر هو 10 سنوات فقط.
وأضافت :"ما يجمعنا هو العراق، وجرح العراق والإنسانية والفن والجمال، هذه القيم الإنسانية التي لم نتنازل عنها، من الممكن أننا خسرنا أوطاننا لكن أوطاننا بقيت في كلماتنا وموسيقانا، وهكذا شخصيات لا تموت".
وتابعت:"حزننا اليوم حولناه إلى شعر وموسيقى، سحر هي النهر الثالث للعراق، فنحن عندنا دجلة والفرات وسحر طه".
وعن كيفية إيفائها حقها، قالت إنه يجب أن تستمر أغانيها وموسيقاها وفنها لأن هذه كانت رسالتها، وهي بأن تقدم فناً راقياً يقف في وجه الفن المبتذل الذي نعيشه اليوم، والذي هو أرذل ما تشهده الثقافة العربية.
الروائية فضيلة الفاروق.
عن علاقتها بالراحلة سحر طه، قالت إنها بدأت من خلال حادثة طريفة وقعت في قرية "النبي شيت" في جنوب لبنان وذلك خلال لقائهما هناك من أجل إحياء أمسية، فكانت هذه شرارة إنطلاق صداقتهما، مشيرةً إلى أنها كانت دائماً تتردد إلى الصالون الذي كانت تقيمه طه برفقة زوجها، الذي من خلاله تعرفت الفاروق على الكثير من الناس، وكان له اهمية كبيرة، إذ كانت طه وزوجها يستقبلان الناس ويقومان بواجب ضيافتهم وقراءة كتاب ومن ثمّ توزيعه عليهم، وفي الختام يتمّ صياغة تقرير يوزع على الصحف والإذاعات، فهذا الصالون لم يكن شيئاً عابراً بل كان عملاً دؤوباً.
وأضافت:"سحر كانت كريمة جداً، وتحب التعرف على الناس، تحب العراق جداً، وتحب لبنان إذ تعتبره بلدها، فهي تنازلت عن الجنسية العراقية كونهم كانوا يجبرون الشخص أن يختار فلا يمكنك ان تكون عراقياً وتملك جنسية أخرى، فاختارت اللبنانية من أجل أولادها".
وتابعت:"كنا نتكلم عن وجعنا المشترك، فما جاء بنا إلى لبنان هو حبنا لهذا البلد".
وأكدت الفاروق:"سحر حملت الوجع العراقي إلى العالم كله، حتى أنه في أسوء مراحل مرضها كانت تأخذ جلسة الكيماوي أو تؤجلها من أجل حفلاتها، مع الإشارة إلى أن زوجها سعيد كان دائماً إلى جانبها وهو رجل عظيم".
وقالت:"علينا دائماً أن نتذكرها، وها هي فرقتها موجودة، وأنا سعيدة اليوم بما قدم في هذا الحفل، إذ أعتبره ولادة جديدة لها، ولا سيّما من خلال الفرقة التي أسستها كونها ما زالت مستمرة وسأكون سعيدة أكثر إن إنضم أعضاء جدد لهذه الفرقة، فآلة العود يجب ان تستمر في ظلّ العصر الرقمي الذي نعيشه والذي يلتهم كل شيء".
الفنانة جاهدة وهبه.
قالت جاهدة وهبه إنها كانت أهدت العام الماضي حفلتها التي أحيتها ضمن مهرجانات بعلبك الدولية لروح طه، مشيرةً أن طه كانت تقدم فناً راقياً وكانت إنسانة شفافة جداً، وعلمتنا أمثولة مهمة جداً بمحاربة المرض بالجمال والإبداع.
سعيد طه.
قال سعيد طه إن: "ذكرى رحيل سحر هي ذكرى عزيزة علينا، ونؤكد فيها أنها ما زالت موجودة وتركت فينا أثر حب الموسيقى، ونتمنى أن نستطيع أن نكمل بالمؤسسة التي أطلقناها وتحمل إسمها لدعم النساء والشابات على العزف وتحقيق نشر تراثها وأغانيها".
وعن الفراغ الذي تركته طه بعد عام على رحيلها قال: "هي لم تترك فراغاً، بل تركت حنيناً لها وفقداناً، لكن نشعر أنها تعيش معنا، فهي إنسانة مميزة وإستطاعت ان تطوّع الوجع والألم وتحوله لجزء من الفرح اليومي".
وأشار إلى أن وطنها الأم العراق لم يكن إلى جانبها في أوجاعها، مضيفاً:"حتى أن التمثيل الدبلوماسي أو الرسمي بكافة المراحل بداية من الوفاة لم يكن موجوداً، ولربما هو بسبب كونها كانت تعيش في لبنان ولا يعتبرونها جزءاً منهم، مع العلم انها لطالما كانت تقول سكنت بيروت وبغداد تسكنني".
لمشاهدة ألبوم الصور كاملاً الضغط هنا .