مما لاشك فيه أن الفن قوة ناعمة مؤثرة في المجتمع بشكل كبير، وللفنان دور إنساني ومجتمعي كبير قبل أن يكون فنياً تمثيلياً، وهذا الدور كان يقوم به الكثير من النجوم الكبار من زمن الفن الجميل أمثال أم كلثوم وصباح وشادية وفاتن حمامة والكثير من النجوم الكبار، الذين كان لديهم وعي وثقافة عن دورهم الكبير تجاه المجتمع والإنسانية بدافع ذاتي ووعي عن أهمية هذا الدور. ولكن بمرور السنوات وتغير خارطة الفن المصري والعربي بشكل عام أصبح فنانو الوقت الحالي لا يدركون أهمية دورهم بل يتعالون على الصحافة والناس، ولا يهتمون إلا بحالة تنافسية سطحية مبنية على أرقام وهمية مزيفة، وهم بعيدون عن الناس والمجتمع حتى وإن قاموا بأعمال خيرية لا يُصدقهم الجمهور.."الفن" يُفجّر هذه القضية في التحقيق التالي ويتحدث مع ثلاثة نُقاد مصريين لديهم من الوعي السينمائي ما يكفي للرد على تساؤلاتنا في التحقيق التالي:
طارق الشناوي
في البداية تحدث الناقد الفني طارق الشناوي وأوضح رأيه قائلاً: "أرى أن الفنان لابد أن يكون وراءه انسان وقيمة وهذا يعني أن ليس كل الفنانين والنجوم يحظون بالمكانة نفسها عند الناس، وعلى سبيل المثال فكوكب الشرق أم كلثوم كانت مختلفة ومكانتها عند الناس كبيرة ليس كصوت وفنانة فقط، إنما كانت لها مواقف إنسانية عظيمة، فقوة الفنان مرتبطة بشيء شخصي وإنساني إلى جانب قوته الإبداعية، وهذا ما يتميز به ويمنحه القوة. وأم كلثوم حينما دخلت في صراع مع محمد عبد الوهاب على مقعد نقيب الموسيقيين في فترة الأربعينيات وربحت هي، وقتها سألوا الشيخ زكريا أحمد عن سبب دعمه لها وهي إمرأة في وقت كان معروفاً بتمييزه بعض الشيء بين الرجل والمرأة فكانت إجابته واضحة وهي: "أم كلثوم أرجل من عبد الوهاب".
وبسؤاله عن تعالي بعض الفنانين في الوقت الحالي على الصحافة والجمهور، أجاب قائلاً: "رأيي الشخصي أن الصحافة هي السبب وخاصة أن بعض الصحفيين إرتضوا بأن يتعاملوا مع إدارة أعمال الفنان، وأن يأخذوا منهم المقابلات الصحافية والتي يتم إرسالها إلى أكثر من صحيفة في الوقت نفسه وهذا لا يرتقي مع العمل بمجال الصحافة، فلابد أن نملك القدرة على أن نشير إلى أخطائنا، ونحن شاهدنا الكثير من الامثلة، على سبيل المثال بالرغم من تواجد عشرات الحراس الشخصيين حول نجم معين نجد تهافتاً من الصحافة للتسجيل معه، فهذا يجعلنا نقول إننا نستحق ذلك، إذ لابد من إحترام قيمة المهنة والقلم والوسيلة الإعلامية التي تمثلها".
وعن رؤيته بمن يستحق لقب الأكثر تأثيراً بفنه ومواقفه الإنسانية خلال الفترة الحالية، أجاب الشناوي قائلاً: "في المرحلة الأخيرة مع الاسف لا أرى أي فنان مصري يقوم بدوره المجتمعي والإنساني، فالناس لديها حس عالٍ وتعرف من يدّعي الجانب الإنساني لكسب قلوب الناس، ولكن الحقيقة ماجدة الرومي هي الأفضل في الوقت الحالي على المستوى العربي، ولكنّ كثيرين لدينا حالياً مبتعدون عن الفن ومن بينهم الدكتور مجدي يعقوب، كما أن تأثير محمد رمضان شكلي وليس وجدانياً ونجاحه وأرقامه ليست مزورة وكل أرقامه وراءها قدرة على التأثير الشكلي وليس الوجداني والعقلي، وبمناسبة شيرين عبد الوهاب فأنا ضد قرار نقابة الموسيقيين بشأن وقفها عن الغناء، ولكنها ليست ذكية إذ كان من الممكن أن تكسب قلوب الناس وتجعل إيرادات حفلها الأخير في دبي لصالح مرضى نقابة الموسيقيين وبالتالي كانت لتكون مؤثرة بدورها الإنساني والمجتمعي قبل فنها وما حدث من تعاطف الجمهور والناس معها".
خيرية البشلاوي
أما الناقدة خيرية البشلاوي فكشفت عن رأيها قائلة: "ما يلفت نظري من قديم الوقت حينما قامت السينما بداية من الصور المتحركة في نهاية القرن التاسع عشر، بدأت الصهيونية تصب إهتمامها عليها وسيطرت على هوليوود وشكلوا منها قلعة تستولي على وجدان وعقول وعواطف الناس ووضعوا فيها كالسم في الدواء، وكل الإعلام الغربي إلى جانب السينما أيضاً كانوا يحاولون تمرير أفكارها التي ترغب في توصيلها للعالم من خلال هذه المنصات السينمائية والفضائية ونحن لا نفكر حتى في القيام بتصدير ثقافات مُضادة لها، وعلى سبيل المثال رامي مالك حصل على الأوسكار بعد تقديمه دور شاذ جنسياً فهذا هو ما يريدون تصديره لنا في الوقت الحالي، والمختصر من حديثي أن السينما والفنانين لهم دور كبير في المجتمع ولكن مع الاسف لا يوجد فنان له تأثير إنساني ومجتمعي في الوقت الحالي والكل يبحث عن الـ "شو" والشهرة فقط مع غياب الدور الإنساني تماماً لهم".
وأضافت البشلاوي قائلة: "الفنان المصري المثقف والذي يعرف خريطة الفن وتأثيره في العالم نادر في الوقت الحالي، وأرى أن الفنان المصري قاصر حتى في معرفة تفاصيل المرحلة الدقيقة التي نعيشها في الوقت الحالي، فهو ليس مشغولاً بالوعي بل أن إنشغاله بالشهرة والجماهيرية والتنافس على مستوى شخصي ضحل للغاية، وهناك فارق كبير بين محمود مرسي ويحيى الفخراني وآخرين بالقوة الجماهيرية نفسها كفنان ووصولا بالإنهيار وهو محمد رمضان، وحالياً لا يوجد فنانون لديهم تأثير في المجتمع إلا بشكل سلبي ولا يديرون دفة المجتمع إلى الأمام".
ماجدة خيرالله
ومن جانبها ترى الناقدة ماجدة خيرالله أن غياب دور الفنان الإنساني والمجتمعي مشكلة كبيرة، حيث ترى أن ثقافة الفنان تراجعت للغاية مؤكدة أنه قديماً لم يكن هناك فنانون يدرسون بالأكاديمية ومعاهد التمثيل، ولكن كان لديهم وعي أن شهرتهم ونجوميتهم هي لخدمة المجتمع قبل أي شيء من دون أن يطلب منهم أو يؤجرون للقيام بذلك بهدف الظهور في إعلانات خيرية للترويج لنفسهم عبر مستشفى خيري فيأخذون أجراً مقابل ذلك، وقديماً كانوا يقومون بذلك من تلقاء أنفسهم وبإهتمام شديد".
وأضافت ماجدة خيرالله قائلة: "قديماً كان هناك قطار يُسمى قطار الخير كوان الذي يمر وبه عدد كبير من الفنانين أمثال صباح وشادية وفاتن حمامة من الإسكندرية إلى أسوان وكان يقف بكل محافظة حيث يجمعون الأموال من كل هذه البلاد التي يمر عليها القطار للتبرع للمجهود الحربي. ومثل هذه الجوانب الخيرية كانت تتم بمنتهى الادب والذوق ومن دون الإعلان عن أنفسهم والقيام بـ "شو" مثل الذي نراه حاليا، بالإضافة إلى ذلك كان هناك فنانون يتبرعون بمجهودهم لصالح الهلال الأحمر على غرار مديحة يسري التي كانت ترتدي ملابس التمريض وتسعف المرضى، وهذا كتشجيع لعشرات السيدات المحترمات للقيام بهذا الدور، ولكن الآن أصبح الإهتمام بالـ "شو" والشهرة أكثر من القيام بالدور الإنساني والمجتمعي".
وتابعت خيرالله قائلة: "لا ارى أي دور مؤثر لأي فنان مصري في الوقت الحالي تجاه المجتمع والإنسانية وحتى وإن ظهروا بأية إعلانات خيرية أو أعمال إنسانية فالناس لا تُصدقهم، لأن هذه الأعمال الإنسانية التي يقومون بها ليست برغبة ذاتية بل بتكليف، بالإضافة إلى أن سلوك الفنانين حالياً وتصرفاتهم سخيفة للغاية ومتناقضة مع القيام بأية أعمال إنسانية".