خمسون سنة بين بداية قصة ونهايتها، في أسبوع نغم والدكتور نصار يعيدان عبير إلى الحياة... وتكتمل قصة إمرأة كلما لمست حبيباً يختفي. تحاول تجاوز لعنتها فتفشل، وفي لحظة إنهيار تقرر مواجهة مصيرها!
الرواية هي في الواقع ثلاث...
قصة نغم الصحافية وتحديها الوقت والغرق في دهاليز الذات في عالم الدكتور نصار العجوز، ومحاولاته إثبات أن الخيال حقيقي: الحقيقيال.
قصة عالم النفس عام 1968 وإختباراته مع النساء.
قصة عبير ومطبات الخيال والفشل.
لكن نغم تربط خيوط القصة بحثاً عن نقطة النهاية... إن إستطاعت إقناع عالم النفس بسرد المزيد!
بهذه الكلمات يختصر ميشال أبو راشد روايته الجديدة "إمرأة تلامس الخيال - الحقيقيال"، والتي وضع فيها جدلية الخيال بالواقع، فأبطال الرواية يبحثون عن الحقيقة. هل الحقيقة تتعارض مع الخيال؟ أم أن الخيال هو بحذ ذاته حقيقة؟ ولكن الحقيقة والخيال يتعارضان مع الواقع.
ولمناسبة إطلاق "إمرأة تلامس الخيال - الحقيقيال"، وبدعوة من دار "سائر المشرق" أقيمت ندوة في مبنى المجلس العام الماروني في الكرنتينا، لمناقشة الرواية. أدارت الندوة الصحافية محاسن حدارة، وكانت كلمات لكل من د.ناتالي الخوري غريب، الإعلامي وليد عبود والكاتب مروان نجار، ولصاحب الرواية ميشال أبو راشد.
الصحافية محاسن حدارة قالت :"من ومضات قدسية تبدأ الحكاية، مع إمرأة تلامس الخيال، كلما لمست حبيباً يختفي، ترسم في خيالها عشاقها، ولا يمكن لمس الخيال. هي حافية القدمين، تركض في الغابات، وتلون وجه السماء عطراً وطهراً، وتسكب في وجه الأرض بثور الأحلام، فتورق الأشجار بلون الأمنيات. لم يعد صخب الحياة مكانها، تضع يدها على كتفها، تحني رأسها فوق راحتها، تضيع في وحدتها، هكذا تشعر بالأمان. تدفن الوجع في عمقها، ووجعها يتدفق أنوثة، يختصر جمال الحياة ونعومتها وأناقتها. هي إمرأة لامس عشقها السماء، وحين عبرت لم تبقَ سوى رائحة الخيال، حاولت نقل ذاتها إلى القمة بعد كل سقوط، قبل أن تهدد جبهتها فكرة الإنتحار، وتراقص الموت بلا ضوابط بلا حدود، فهل كان موتها حقيقيال؟ أليست في هذه السيدة صورة معظم النساء؟"
وأضافت :"أما عن الكاتب والراوي فحديث آخر، لم يستطع إلا أن يتدخل بشخصه كصحافي إنسان، يضحك ويساعد الجميع، ويتخلى عن المنافسة وقت الإمتحان، فتظهر شهامته وشجاعته، ويقف وقفة الرجال. لم ينسَ أصله في حضرة الكاتب والكتاب، وأنصف مهنته الأم، الصحافة، وإستعاد مكانتها ورسالتها".
د. ناتالي الخوري غريب قالت :"حين تكون الرواية شغفاً بالحياة، ومغامرة في المشي على الحواف، وسقوطاً آتياً في الهاوية، وحين تتلاعب الصورة بمشاعرك، وتداعب عقلك عبر حثه على المشاركة باللعبة، وتجرك نحو الغرف من الخيال، وتقنعك بأن الخيالي هو الحقيقي، نحن إذاً أمام مشهد روائي يجدر بنا التوقف عنده لأنه مغاير عن السائد في الوصف والفكرة والمعالجة، كما قدمه ميشال أبو راشد".
وأضافت :"جعل الكاتب للفكرة حكاية، مؤمناً بأن للفكرة حقاً بأن تكون لها حكاية، بما تعنيه الحكاية من مواجهات وصراع، فنحن أمام حكاية الفكرة في متعة التفاصيل عند تكونها ومسار تطورها وجدلية بقائها وذروة وجودها، وقد جعل علم النفس والفلسفة الجغرافيا التي تتكون فكرته على أرضهما، ومن ثم جعل الخيال أرضاً لتلقي الحقيقة، ليس على سبيل الكشف والإنكشاف أو الحدس الصوفي، إنما جعلها أرضاً خصبة في مقابل الواقع، لتحمل فكرته مصير سيزيف في مشقة اللاوصول، ولو كان الهدف تجاوزاً وتخطياً لكل العوائق".
أما الإعلامي وليد عبود فقال في كلمته :"ما إن قرأت عنوان كتاب ميشال أبو راشد، حتى تذكرت مثلاً إفريقياً قديماً يقول "خيالي لم يمت، إذاً أنا حيّ"، فقلت في نفسي ولنفسي "والخيال عند الرجال لن يموت ما دام في إمرأة واحدة على وجه الأرض، قلب ينبض وسحر يتجلى"، ومن العنوان إلى الكتاب، وهو في ذاته متعب محيّر، فإذا كان بعض القراء يأتون فن الرواية ليتسلوا، وللتمويه عن أنفسهم، فإن الأمر لا ينطبق البتة على الكتاب الذي بين أيدينا، فهو أبعد ما يكون عن التمويه أو التسلية، إنه كتاب يهز لأنه مزيج من الفلسفة وعلم النفس وفن الحياة، ولأنه يقتحم الخبايا، ويحاول أن يكشف الخفايا، وأن يرسم إطاراً آخر للذات الإنسانية في تجلياتها المختلفة".
وأضاف :"تعرفت إلى ميشال أبو راشد في محطة MTV حيث عملنا معاً لفترة جميلة من عمرنا، إن كان في قسم الأخبار، أو في برنامج "بموضوعية"، وفي الحالين والموقفين، إكتشفت في شخصية ميشال أبعاداً تتخطى الصحافة والإعلام، فهو حتى في عمله الإعلامي اليومي، كان يميل إلى الفلسفة والتحليل، أي إلى سبر غور الشخصيات إنطلاقاً من علم النفس، وإلى تحليل الأحداث إنطلاقاً من نظريات وشطحات فلسفية، لذا لم أستغرب حين أبلغني عبر الهاتف، من حيث يعمل الآن خارج لبنان، أنه كتب رواية ذات أبعاد فلسفية".
الكاتب مروان نجار قال :"أول طرح يواجهنا في ضبابية العمل وعبثية اللمس والإنقشاع علاقة الخيال بالحقيقة، وصراع الإثنين مع الواقع، فهل يكذب الفنان؟ هل يناقد الواقع وبذلك لا يخدم الحقيقة؟ وفي جميع الأحوال، لماذا يكذب الفنان بموجب مفهومنا اليومي للصدق والكذب، ولا يعتمد اللغة التقريرية المباشرة، لغة أهل العلم والمنطق، إنما الأديب الفنان في المطلق ممتهن كذب، يدعوه بأشرف الأسماء، ومنها الإيحاء والإستعارة والصورة والرمز والبديع. وأمامنا رواية كل صفحة منها تعبق بالأكاذيب، إن تسألوا صاحبها يقول "خدمة للحقيقة، فاللغة محدودة والحقائق واسعة". يضيق فيقصر عنها الكلام بأبعاده المرسومة في المعاجم، والمصطلح عليها على مدى الموروث، لذلك لا بد للأديب في نقل رؤياه وتقاسمها مع المتلقي الشريك، من أن يوسع وعاء اللغة، علها تنقل حمولتها كاملة، أو أقرب إلى الكمال. أكذباً تعطى الألفاظ أبعاداً توسعها نستعيرها من خارج المألوف، فنضاعف طاقة الكلمة على التعبير، وقدرة الرؤيا على العبور؟
وأضاف :"الإيحاء هو الكذب الصادق في جعل الحقيقة تعبر من وجدان إلى آخر، وبفعل هذا العبور تغتني العبارة. أسمي هذا الضرب من الكذب فصاحة، لأني أفصح به عن ما جرى، وما ولّده من مشاعر وإنطباعات، فتكتمل اللوحة. هذه الأبعاد الممنوحة للألفاظ من خارج المعاجم كي تلتقي من بعيد فتتسع، أسميها"بلاغة" لأنها تسمح لتجربتي ببلوغ ضمير الآخر. أدعوكم إلى قراءة أكاذيب هذه الرواية، والإستمتاع بما تخدمه من حقائق كبرى لا تتسع لها القواميس، إنها رواية تمردت على حدود الواقع، وكرست للحقيقة نصيبها الحيوي من الخيال".
وفي ختام الندوة قال الكاتب أبو راشد :"مجرد وضع الرواية بين أيدي الكبار، كان بحد ذاته مغامرة، وأنا كنت جاهزاً لهذه المغامرة، ولو لم يكن في كلماتهم بعض النصائح الكبيرة، لما كانت الندوة حقيقية، بل كانت فقط من الخيال".
موقع "الفن" إلتقى الكاتب والصحافي ميشال أبو راشد، وكان لنا معه هذا الحوار.
من أنت؟
أنا كاتب وصحافي لبناني تخصصت في الفلسفة، وأعمل في الصحافة الدولية، وأكتب في مجال القصة الأدبية أو الفكرية، ولدي هاجس بالحياة أن أجد بعض الأجوبة على الأسئلة التي نطرحها كلنا، أسئلة وجودية تدخل في إطار القلق الوجودي، وتعطي معنى لأي وجود، لذلك إهتمامي كله يصب في جدلية الأحلام والخيال والواقع المعاش وقيمة المادة في الحياة.
ما هي أعمالك السابقة في مجال الكتابة؟
سبق أن قمت بمجموعة مشاريع مع دار "سائر المشرق"، منها إدارتي لمشروع الكتابة الجماعية، حيث دخل الناس إلى مواقع التواصل الإجتماعي وساعدونا في الكتابة، وجمعنا كل الأفكار ونشرناها في رواية "شو القصة".
لماذا تكتب؟
أنا أكتب من أجل متعة الكتابة، ولأجد أن أفكاري تتفجر ولأجد نفسي، فهذا الشغف لوحده كافٍ، وبالوقت نفسه أنا لا أكتب كتاباً لأتركه عندي، لذلك أحاول أن أوازن بين حبي للكتابة وبين أن يلقى الكتاب صدى.
ما هي الرسالة من روايتك؟
الرسالة هي أن الحقيقة هي الخيال، فكل شيء تفكر فيه وتتخايله وكل ما تحلم به يكون ذاتك أنت، وأنت شخص حقيقي، لذلك يصبح كل الخيال حقيقة، وإن كان يتعارض قليلاً مع الواقع أو لم يتجسد بعد.
عملك كصحافي خدم عملك ككاتب أم العكس؟
عملي كصحافي يضعني يومياً بتفاصيل الحياة من كل جوانبها، وهذا الأمر يساعدني كثيراً حينما أتجه إلى الكتابة، وإحدى بطلات روايتي صحافية وتدخل في جدل مع عالم النفس الذي هو البطل الثاني في الرواية، والذي يقول لها "الصحافة هي رتابة وملل، وأنتم تظنون أنكم بالصحافة تملكون العالم، لكنكم لا تملكون سوى الواقع بتفاصيله، فلنذهب إلى الخيال الذي هو ملجأنا ويشكل حقيقة ذاتنا"، هذه الجدلية هل هي ممكنة الحصول؟ أم هي مجرد شعارات؟ هذا ما تقوم عليه الرواية.
هل لا زال هناك إقبال كبير على شراء الكتب والروايات في زمن الإنترنت؟ وهل لا زال الناس يجدون وقتاً للقراءة؟
سوق الكتاب لا زال مستمراً، ولكن ليس بالقوة التي كان فيها سابقاً، فالكتاب لازال موجوداً، وخصوصاً كتب المذكرات والقصص والروايات، وما أطلقناه اليوم أسميناه "سلسلة الجلسة الواحدة"، بمعنى أنك تقرأ الرواية كلها خلال جلسة واحدة، وبالوقت نفسه نضع فيها إسقاطات فكرية، في محاولة لإبقاء الجدلية الفكرية قائمة.
كثيرون يطلقون على أنفسهم تسمية "كاتب"، ومنهم من تتضمن كتاباتهم العديد من الأخطاء اللغوية، هل ترى أن الكلمة لا زالت بخير؟
الأهم هو فعل الكتابة، أما الأمور الأخرى فهي أشياء إضافية ترفع من شأن الكاتب أو تقلل من شأنه، فعل الكتابة والقراءة على الإنترنت ينعش المجال الفكري والأدبي، والمشكلة تكمن في أننا كنا نقرأ في الماضي لنتثقف، فالقراءة أصبحت فقط من أجل المتعة، بعد أن أصبحت المعرفة كلها بين يديك من خلال الإنترنت.
لمشاهدة ألبوم الصور كاملاً، إضغط هنا .