يعود الفنان مارسيل خليفة الى مهرجانات بعلبك الدولية، بعد 6 سنوات من آخر لقاء له مع الجمهور هناك. يعود خليفة الى بعلبك حاملاً معه شغفه وأحلامه وحنين الطفولة، وأغان وأناشيد ترسّخت في الذاكرة.
في هذه المقابلة مع موقع "الفن" يتحدّث خليفة عن أهمية مشاركته في هذا المهرجان، وتفاصيل الحفل الذي إختار "تصبحون على وطن" عنواناً له، لعلنا نقنع أنفسنا بوطن مستحيل، ولتبقى بعلبك ومهرجانها في ذاكرة الأجيال.
بعد 6 سنوات يعود مارسيل خليفة الى بعلبك، ماذا تعني لك المشاركة في مهرجانات بعلبك الدولية؟
أعود بشغف الى بعلبك كي أحرّر وثبة القلب ممّا يؤجلها، ما من شيء غير الخيال قادر على إعادة تركيب الزمن المنكسر، وأيضاً الموسيقى والأغنية والقصيدة التي دربتنا على الحب. سنلهو ونعبث بالموسيقى كما آلهة بعلبك حين كانت تلهو! سأكون مع الأوركسترا السيمفونية اللبنانية والمايسترو لبنان بعلبكي وكورال اللويزة بإدارة خليل رحمة. سهرة (رحلة) مع أعمالي الموسيقيّة الغنائية. ستتكلّم الموسيقى وتسقط الكلمات وينحني الشعر وترقص الإيقاعات في أعمال جديدة، كإفتتاحية بعلبك وأغان وأناشيد جديدة وكلاسيكيات، ترسّخت في الذاكرة برفقة العود والصوت. الأحلام تدفعنا الى المهرجان وبلادنا تدفعنا الى بئر الخيبة، وسيأخذنا الحنين والذكريات الى أول الموسيقى وأول الغناء. أصل ليلة ٥ تموز/يوليو الحالي الى بعلبك على صهوة حلمي المبلّل برذاذ الطفولة، وعيناي تمسحان القلعة وسحرها الخُرافيّ، ولا أملك في هذه الليلة سوى مفردة يتيمة: حُبْ!
لماذا إخترت "تصبحون على وطن" عنواناً للحفل.. وهل تحضّر شيئاً مميّزاً للجمهور في بعلبك؟
لماذا تصبحون على وطن؟ لأنه لم يكن لنا وطن في يوم من الأيام، منذ الإستقلال وحتى يومنا هذا. كم يعوزنا الاوكسيجين! وكم يعوزنا الغناء! وكم يعوزنا المهرجان! هل نريد أن نقنع أنفسنا بوطن مستحيل؟ أو أننا سنكوّن وطناً؟ يكفي أن نحاول من خلال الموسيقى والغناء لننقذ لحظة إنسانية حارة من الضياع، في زحمة الحروب الصغيرة والكبيرة.
هل تعتبر أن على عاتقك مسؤولية إبقاء بعلبك في ذاكرة الأجيال؟
مهرجان بعلبك مهرجان (بكر) في لبنان، وترسّخ منذ زمن بعيد في أعمال لبنانية رائدة وأعمال أتت اليه من العالم. كنت على سبيل المثال في طفولتي أستعجل السنوات كي أكبر وآتي الى المهرجان. ولم تكن الطريق واضحة لصغير مثلي في ذلك الزمن، فأكتفي بالسماع الى الليالي اللبنانية، تنقلها إذاعة لبنان الرسمية والوحيدة آنذاك. ثمّ أتت الحرب وأكلت الأخضر واليابس وتعطّلت المهرجانات، وبعد غفلة من الزمن سأصل في ٥ تموز وعلّها تبقى هذه الأمسية لاحقاً في ذاكرة الناس وتتخطى الظروف الصعبة والعوامل الدقيقة، لتبقى بعلبك ومهرجانها في ذاكرة الأجيال.
لكن أين الجمهور الآن من الفن الذي تقدمه؟ وهل الأغنية التي تحمل قضية ورسالة إنسانية ما زالت تؤثر في الناس؟
نحن في أمسّ الحاجة الى شيء من سلامة الفكر، إلى شيء من الصحو، نرى به ما الذي يحدث لأنفسنا ولأفراد مجتمعنا. الاضطراب السياسي قد أدّى الى قلقلة مريعة في القيم وتمزق شديد في النفس .
يجب ان نكون متيقظين . وفي غمرة البرامج التي تتشدّق بها كل فئة. ولقد استشرى فساد من السلطات المطلقة والرياء ولا نستطيع ان نغفل عنه . والوسائل الجماعية الطاحنة للذهن من إذاعات وتلفزيونات وصحف ومجلات ورقية ومرئية. بطل من يحاول أن يقف على رجليه ازاء هذا السيل الطاغي، وعلى الفن أن يكون صاحب هذه الشجاعة بتصويره هذه الحالة المعقدّة، ورؤية مصير الإنسان من خلالها رؤية خلاّقة.
كيف ترى المستوى الثقافي والفني في لبنان الان؟
اننا نقاسي شحّاً في الإبداع وعلينا ان نخصّب هذه التربة، ونهيب بشبابنا ان يتأملوا وينتجوا، وبافتراضنا انسانية الفن أصلاً وجوهراً، وسيكون السؤال : أجيد أم رديء؟ فتكون بذلك وسيلة لتعزيز الاندفاع للإنسان التوّاق الى التجربة والعاشق لنبض الحياة، والذي يرى في وسط الفراغ والسأم مبرراً لبقائه، لأنه يسأل: ثمّ ماذا؟ ويحاول ان يجد الجواب في كل مرة، ليسأل من جديد: ثم ماذا ؟
الى متى ستبقى تبحث عن الوطن الذي تغني له؟
عندما تنتهي خشية طائفة كيد أخرى، طائفة ترخي حبل الخصومة فتقطعه الثانية وينغلق السبيل. فلنترك الطوائف ونتمرّن على مواطنيتنا في البقاء والحريّة والغناء والحب والجمال. يا سادتي (الأنبياء) وعموم رجالات دولة الطوائف (تصبحون على وطن).