نشأت في بيت فني أصيل فكانت معظم ألعابها من الآلات الموسيقية، ولفت انتباه والدها الفنان ميشال رميا صوتها وهي في الرابعة من عمرها، فسجل لها اول البوم لأغاني الأطفال. مرت السنوات وكبرت الطفلة وتخصصت في الجامعة في العلوم الموسيقية وتخرجت وعلّمت الموسيقى، وكانت من المشاركات في تدريب الاصوات في برنامج "ستار اكاديمي"، غنت في القصر الجمهوري ودار الاوبرا بمصر، إضافة الى العديد من المهرجانات الدولية. كارلا رميا الصوت الغنائي المميز تفتح الستارة عن الكثير من الملفات الفنية عبر هذا اللقاء .
لأي مدى يعتبر صوت كارلا رميا مظلوماً بالنسبة لما يقدم اليوم من أغاني ؟
بصراحة صوتي والفن الذي أقدمه مكانهما متمايزاً تلقائياً لهذا السبب لا يعتريني شعور بالخوف، لأنني مؤمنة بنوعية الفن الذي أقدمه وبالطريق الذي اخترته فنياً، وأكيد هناك أصوات على الساحة الغنائية أتشرف بالغناء معها، وعندنا نخبة من المطربين ما زالت تحمل لواء الاغنية الشرقية وتحافظ على جوهرها ومكانتها .
ألا تخافين اليوم على تموضع الأغنية اللبنانية في ظل الموضة السائدة بالغناء ؟
أنا اعترف في زمان ومكان هناك أغنية مشرفة تتوفر فيها كل عناصر الأصالة والجودة وهناك أغنية هابطة، وإن كانت الفوضى تعم الوضع الغنائي اليوم فهذا لايعني بأنه لا يوجد فنانون وكتاّب وشعراء وملحنون حريصون على مستوى الأغنية اللبنانية ويحافظون عليه، ويكمّلون مسيرة العطاءات الكبيرة في بحورها على خطى السابقين الذين أسسوا لكيان هذه الأغنية، إنما أمثال هؤلاء الفنانين غالبيتهم في الظل لا يسلط الإعلام الأضواء عليهم .
ويبقى حضورك الغنائي محصوراً في المهرجانات الثقافية والمناسبات الوطنية أو الريسيتالات الدينية لماذا هذه الحيادية ؟
المسألة ليست حيادية إنما نوعية الفن الذي أقدمه طابعه ثقافي وله جمهوره، لهذا السبب انا لست ضد المهرجانات والحفلات العامة إنما التي تنطوي على مستوى فني راقٍ . أنا غنيت بحفل افتتاح المكتبة الوطنية وأعتبر صوتي سفيراً لبلادي، إنما السؤال الذي يحيرني أن الجمهور يطالبنا بالمهرجانات والحفلات، والمنتجون يدعون بأن اعمالنا للنخبة وليست تجارية وهذا فيه لغط بالمشكلة، ومثل هذه الادعاءات ليست موجودة في الخارج. انا مثلاً أحضر اليوم ألبوماً من كلمات سعيد عقل، جبران خليل جبران، والياس ابو شبكة مما يعني بأنني أسعى للفن الراقي الرصين الذي يحمل رسالة فكرية وثقافية .
من خلال تجربتك ببرنامج "ستار اكاديمي" الا توافقيني الرأي بأن مثل هذه البرامج أطلقت نجوماً وقضت على أحلامهم الفنية ؟
مما لاشك فيه أن مثل هذه البرامج باتت مقصد لعشاق الموسيقى الغنائية لأن غالبية الجيل الناشىء يهوى الغناء، إنما من الضروري أن تعتمد إدارة برامج الهواة على الاساتذة الاخصائيين الكفوئين الذين باستطاعتهم تدريب المواهب على أسس وقواعد الفن الحقيقي، وأن يأخذوا هؤلاء المعنيين بأيدي طلابهم إلى بر الامان، لأن النجومية ليست صوتاً وحضوراً وموهبة بل هناك الثقافة الموسيقية والذوق وحسن الاختيار .
الفن..إلى أين ؟ وهل في الغناء موضة كما في عالم الازياء ؟
من الواجب أن يتماشى الفن مع تقنيات العصر وتطوره محافظاً على الأصالة والهوية الخاصة به، لأن لمسة التطور تضفي رونقاً عليه طبعاً مع الروح الشرقية، لكن ما حصل اليوم هو في غاية الخطورة فإن نجحت أغنية في ظرف ما باتت مرجعاً فنياً ومعظم المغنيين يقلدونها بدون الاخذ بعين الاعتبار ان كانت تحتفظ بالمعايير الفنية سواء من ناحية الكلمة واللحن أم لا .
لأي مدى ترين بأن الجيل الشاب من المغنيين ما زال محافظاً على تراث الغناء الشرقي اليوم ؟
بعض الاصوات هيأت لهم الظروف فرص النجاح فتسلطت الاضواء على اعمالهم التي لا تقدم قيمة في فنهم، انما بالمقابل عندنا اصوات رائعة جداً وكفوءة لكنها لا تحسن الاختيار، بينما اصوات رائعة ناجحة بالاعمال الراقية التي تقدمها، فالمشكلة ان الشارع الغنائي بات مكتظا بكل من يرغب بالغناء بدون مراعاة للمعطيات الموسيقية الأساسية الجمالية في الصوت .
هل تعتبر كارلا بأن هذا الزمن الفني لا يليق بصوتها ؟
بالعكس، الصوت الجميل لا يعرف المكان والزمان فالمهم ان تكون الظروف مؤاتية لانطلاقة هذا الصوت . بصراحة أن أرغب بالانتشار اكثر جماهيريا لكنني لست مستعدة لأغير قناعاتي او أن أبدل ثوبي الفني الذي حكته لموهبتي .
من خلال دورك كاستاذة في علم الموسيقى كيف تقيمين تجربة شقيقتك كارين في المسرح الغنائي ؟
كارين حالها مثل حال بقية شقيقاتي اللواتي يغنين بإجادة عالية لأننا أصلاً تربينا في بيت فني عريق وتمتعن بالموهبة الاصيلة، وكلنا على التزام تام بجدية الغناء، وكارين برفقة الاخوين صباغ استطاعوا أن يقدموا مسرحاً غنائياً يحمل مضموناً وفكراً وموسيقى مما يعيد للفن المسرحي تاريخه ويجعله تجربة رائعة خصوصاً في هذا الزمن الغنائي المبتور الاوصال .
هل تأتي اسباب معينة تدفعك للاعتزال؟
الغناء جزء كبير من حياتي فكما أحكي وأتنفس وأحلم وأمشي كذلك اغني واستمتع أثناء الغناء بإحساس أعجز عن وصفه، وسوف أبقى كما انا متمسكة بالموسيقى الاصيلة لأن الفن الاصيل خالد لا يزول والناس متعطشة له .