يستكمل ملتقى قمرة السينمائي في نسخته الخامسة رحلته الغنية بالشغف والحماسة والتوق إلى الاستكشاف والتي تسمح للأصوات الجديدة في عالم صناعة السينما بسبر أغوار هذا العالم النابض بالحياة والإبداع. هذا الملتقى، الذي تنظمه سنوياً مؤسسة الدوحة للأفلام، بات محطة ثابتة ومتفرّدة لكل عشاق السينما والموهوبين والطموحين للتزود من مخزون خبراء قمرة المحترفين.
اليوم الخامس من الملتقى كان حافلاً باللقاءات والندوات والجلسات الحوارية، وقد استضافت ندوة قمرة الدراسية الرابعة كاتب السيناريو والمخرج الياباني البارز عالميًا وخبير قمرة كيوشي كوروساوا الذي ارتقى سلّم الشهرة من خلال فيلم "العلاج" (1997)، ومن ثم تمكن من إخراج أفلام نالت تقدير النقًاد مثل "ترخيص العيش" (1998)، "وهم عقيم" (1999)، و"الجاذبية" (1999). أما فيلم "ألحان طوكيو" (2008) فنال جائزة لجنة الحكام في قسم مهرجان كان السينمائي الدولي، وجائزة أفضل فيلم في حفل توزيع جوائز السينما الآسيوية لعام 2009.
كوروساوا، تحدث خلال الندوة عن رحلته في صناعة الأفلام من خلال تحليل مقاطع من بعض أكثر أعماله نجاحاً ومنها "العلاج"، وأشار إلى أنه شاهد العديد من أفلام الرعب في طفولته، وباتت لديه الرغبة في صناعة فيلم من هذا النوع على مدى سنوات. وساهم الاهتمام المتزايد بهذا النوع من الأفلام في تسهيل حصوله على التمويل اللازم للمشروع وإنتاجه، وأضاف: "لعبت الظروف دوراً أساسياً في نجاح "العلاج" الذي لا يزال يشكل عنصراً مهماً في مسيرتي المهنية".
وعن أهمية عنصر الإبداع لدى المخرجين، علّق كوروساوا بالقول: "صناعة الأفلام ليست عملية فردية، بل تعاون مشترك، وغالباً ما نصنع الأفلام التي نستطيع إنتاجها... لا التي نرغب في صنعها. لكن في بعض الأحيان، تساهم العملية الإبداعية في تحويل الفيلم إلى ما نريد إنتاجه". ولفت كوروساوا إلى أهمية بناء شبكة موثوقة من المتعاونين والموجهين، فأثناء دراسته في جامعة ريكيو في طوكيو، إلتقى بالناقد السينمائي شيجيكيكو هاسومي، وبدأت العلاقة التي "غيّرت حياته" كما يقول.
من جهة أخرى، ترأس جلسة قمرة الحوارية الثانية خبير الواقع الافتراضي ميشيل ريلهاك، وهو مهندس معماري وصاحب شركة "سب مارين تشانيل" الحائزة على جوائز عدة، ويدرّس أيضاً في كلية فينيسيا بينالي. ريلهاك، تحدث عن الإمكانيات الهائلة لتقنية الواقع الافتراضي في تحويل مسار صناعة السينما، واعتبر أنه "لا يوجد وقت للمشاركة في عمل فني أفضل من وقت نشأته، وهذه هي الحال مع الواقع الافتراضي. لا توجد قواعد لاستخدام هذه التقنية في صناعة الأفلام، وهذا أمر مثير، فالأمر يعود إلى صنّاع الأفلام في ما يختص بوضع القواعد، والأفضل وضع القواعد بدلاً من اتباعها!".
أما بالنسبة إلى الطرق الثورية التي يُستخدم فيها الواقع الافتراضي في صناعة الألعاب الإلكترونية، فقال: "قامت صناعة الألعاب الإلكترونية بدفع حدود الواقع الافتراضي طوال عدة سنوات، مقدمة فرصة للانغماس في عالم بديل. أرى أنه بمقدور صنّاع الأفلام تعلم كيفية توفير تجربة أفلام واقعية لجماهيرهم من صناعة الألعاب... عليكم أن تستعدوا لقبول فكرة أن جماهيركم لن تنظر إلى العالم بنفس النظرة التي صنعتم بها أفلامكم، بل سينظرون إلى جزء منها فقط. والتخلي عن هذه السيطرة هي أحد أصعب التحديات بالنسبة إلى المخرج".
وطرح ريلهاك مسألة أخلاقيات الواقع الافتراضي وتأثيرها على السلوك الإنساني، مؤكداً أنه ليس لدينا أي فكرة إلى أي مدى يمكن لهذه التكنولوجيا أن توصلنا. وتابع بالقول: "إنه أمر مخيف ومربك، إذ يمتلك الواقع الافتراضي القدرة على إنشاء عالم بديل للبشر، وقد نفضّل أن نعيش كأناس افتراضين في هذه العوالم بدلاً من العيش في عالم الواقع، لكن الأمر يعود إلينا في ما نفعله بهذه التقنية التي ما زلت أؤمن بإمكاناتها الهائلة". وحثّ ريلهاك صنّاع الأفلام على عدم نسيان الأساسيات: "نحن نسعى جاهدين لفهم العالم من حولنا. وفي نهاية المطاف، سيتم تقييم عملك وفقًا لجودة القصة والعواطف التي تثيرها لدى الجمهور".