ثقافته الكبيرة إنعكست على أعماله، فكان واضحاً أن مشواره يحمل وعياً فنياً خلال رحلة إستمرت لأكثر من 50 عاماً، خاضها أبو الغناء الخليجي الفنان أبو بكر سالم بلفقيه، الذي جمع بين موهبة الغناء والشعر والتلحين والتوزيع الموسيقي أيضاً.
نشأته في حضرموت
ولد أبو بكر سالم في السابع عشر من شهر آذار/مارس عام 1939، في مدينة تريم التاريخية في حضرموت جنوب اليمن، وأسماه والده بأبو بكر تيمناً بجده أبو بكر بن شهاب أحد أبرز علماء حضرموت، ولأن والده توفي وهو لا يزال صغيراً فقد تربى برفقة والدته الصالحة بنت السيد عمر بن حسين، والتي رفضت الزواج مرة أخرى من أجل رعايته وذلك في منزل جده زين بن حسن وعمه حبشي، وقد نشأ محباً للعلم والشعر والأدب.
تعلّم على يد أقاربه القرآن الكريم، فكان يشارك أعمامه في تكبيرات العيد التي تقام في مساجد تريم، وكان يشارك أيضاً وهو صغير في إنشاد بعض الموشحات الدينية في الحفلات المدرسية، حيث تعلّم في مدرسة الأخوة في تريم، وعمل في بدايته مدرساً لمادة اللغة العربية في تريم، وبعدها في عدن.
تزوج مرتين
تزوج أبو بكر سالم مرتين، الأولى من بيت آل عرفان بنت الشيخ الجليل عمر بن محمد عرفان وقت إقامته في عدن وهي أم أبنائه أنغام وألحان، وتزوّج أيضاً بعد إستقراره في السعودية من بيت آل العطاس، وهي حضرمية تحمل الجنسية السعودية، وأنجب منها أصيل وأحمد وأليف.
من بيروت للجنسية السعودية .. وبدايات شعرية مبكرة
بدأت موهبة أبو بكر سالم وهو في سن صغيرة، ففي سن السابعة عشرة من عمره كتب أغنية "يا ورد محلى جمالك بين الورود"، والتي سجّلها في إذاعة عدن عام 1956 وغناها بعد ذلك الفنان السعودي طلال مداح، وله ديوان أيضاً أطلق عليه "ديوان شاعر قبل الطرب"، ويحتوي على أغنيات كتبها سواء غناها بصوته أو قدّمها فنانون آخرون.
وأثناء عمله بالتدريس لمدة ثلاثة أعوام حيث إستقر في مدينة عدن، التقى بالكثير من شعرائها وفنانينها ومبدعيها، منهم الشاعر لطفي جعفر أمان والفنان أحمد بن أحمد قاسم ومحمد سعد عبد الله ومحمد مرشد ناجي والشاعر والإعلامي فضل النقيب وغيرهم، وقدّم أبو بكر سالم نفسه على الصعيد الفني من خلال الحفلات الموسمية التي كانت تقام في عدن، فحقّق نجاحاً كبيراً خصوصاً مع عرض حفلاته المباشرة والمسجلة في تلفزيون عدن، فإنتشرت الأخبار وقتها عن موهبته غير التقليدية.
وفي عام 1958 كان شبه مستقر في بيروت، وسجّل معظم بعض الأعمال الفنية هناك قبل أن يضطر إلى مغادرة بيروت في العام 1975 بسبب الحرب، وإستقر في عدن فترة قصيرة ومنها إلى مدينة جدة في السعودية، حيث عاش هناك وحصل على الجنسية السعودية.
مشوار فني حافل بالأعمال الخالدة
وخلال مشواره الفني قدم أبو بكر سالم العديد من الأغاني، التي خلدت اسمه في تاريخ الفني الخليجي، وبين عام 1956 وحتى بداية الستينيات قدّم أغانٍ مثل "أقبلت تمشي رويدا"، و"أنا يا قلبي" و"يا حبيبي يا خفيف الروح" و"اسكني يا جراح" و"اسكني يا جراح" و"يا ورد يا محلا جمالك بين الورود" و"ليلة شعت لنا"، وجميعها من كلماته وألحانه.
وفي الستينيات قدّم أبو بكر سالم أعمال مثل "امتى انا اشوفك" و"24 ساعة"، وتعاون مع الشاعر والملحن حسين المحضار في أغنية "شلنا يا بوجناحين" و"يازارعين العنب"، وإرتبط بصداقة قوية بعدها بالمحضار والذي إعتبر رفيق مشواره الفني، وقدّم "وصفولي الحب" و"زمان كانت لنا أيام" و"ما تستهلشي الحب" و"خلى اسر قلبي"، وفي السبعينيات قدم "سر حبي فيك غامض" و"يا حامل الأثقال" و"ما حبيت غيرك" و"حجة الغائب" و"عتابك حلو" و"في سكون الليل"، وفي العصر الذهبي له الثمانينيات قدّم أيضاً العديد من الأغنيات منها "ما علينا" و"عطني الحل" و"لا تنادي" و"غزاني الشيب" و"يا سهران" و"عنب في غصونه" و"نار الشوق" و"مجروح" و"لو خيروني"، وفي التسعينيات قدّم "يا سمار" و"يقول أني فضلت" و"فرصة من العمر" و"في شواطئ عدن" و"غدر الليل" و"موقفي صعب"، ومع الألفية الجديدة إستمر بأعماله أيضاً فقدّم أغنيات منها "يا مسافر" و" ياقمر" و"احتفل بالجرح" و"لا أنت شمس" و"في السماء غيم" و"شوفلي حل".
دعمه للأجيال التي جاءت بعده ومحمد عبده تعلم منه
وكان أبو بكر سالم حريصاً على دعم وإحتضان الأصوات الجديدة، ومن أهم النجوم الذين دعمهم في بدايتهم عبد الله الرويشد ونبيل شعيل، كما قال عنه محمد عبده أن أبو بكر سالم كان قدوته في الفن، وتعلّم منه الكثير. أيضاً دعم نجله أصيل الذي ورث منه حب الفن، وقد وصفه أنه فنان متأنٍّ لا يطرح ألبومات كل عام مثل باقي الفنانين، بل يختار بعناية. وقال إن أصيل موهوب ومتمكن وكان يسرق العود الخاص به، ويعزف أغنيات عبادي الجوهر وأم كلثوم.
أوسمة وجوائز عديدة خلال مشواره وطابع بريد يحمل توقيعه
إستطاع أبو بكر سالم أن يحصل على العديد من الجوائز والأوسمة، ومنها حصوله على وسام تقدير من نادي الطلاب السعوديين في القاهرة عام 1983، وقلّده الرئيس السابق لليمن علي عبد الله صالح وسام الفنون من الدرجة الأولى عام 1989، وفي نفس العام حصل على وسام تقديري من مهرجان حفلات الأندلس في الكويت، وفي عام 1995 تم تكريم أبو بكر سالم من وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عُمان في الفنون والآداب، وعام 1999 حصد جائزة أفضل أداء ومفتاح تقدير عن أدائه في مهرجان أبها السياحي، وفي نفس العام حصد وسام تقدير من مهرجان هلا فبراير في الكويت، وفي عام 2001 تم تكريمه من حكومة البحرين ومن الملك شخصياً بوسام درجة أولى في الفنون والآداب، وفي نفس العام حصل على وسام تقدير من مهرجان الأغنية لدول مجلس تعاون الخليج العربي، وفي نفس العام أصبح عضو فخري في الجمعية الوطنية المساندة للمؤسسات التعليمية والصحية في محافظة حضرموت، بينما في عام 2002 حصد جائزة أوسكار الأغنية العربية ولقب "فنان القرن" من جامعة الدول العربية في شرم الشيخ، بعد مرور 50 عاماً من عطائه الفني، وفي عام 2003 أصدر طابع بريدي في اليمن يحمل صورته وإسمه، كما مُنح درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة حضرموت في نفس العام.
جوائز عالمية
أيضاً إستطاع أبو بكر سالم أن يحصل على جوائز عالمية، فحصل على جائزة الكاسيت الذهبي من إحدى شركات التوزيع الألمانية عن أغنية "24 ساعة" التي وزعت أكثر من مليون نسخة، ونال جائزة الأسطوانة الذهبية من أثينا من شركة الإنتاج اليونانية في العام 1968 لبيعه أكثر من 4 ملايين نسخة من ألبوم "امتى أنا أشوفك"، ومنحته "اليونسكو" جائزة ثاني أحسن صوت في العالم، وفي العام 1978 حصل أيضاً على جائزة أفضل صوت في العالم من حيث طبقات الصوت عن أغنيته "أقوله إيه". وفي عام 1983 وقف على مسرح هول في لندن، وهو أكبر مسارح العالم الفنية، وفي العام 1983 غنى أبو بكر سالم في قاعة ألبرت هول في لندن، التي تعد أكبر مسارح العالم الفنية.
صراع مع المرض ووفاته
عانى أبو بكر سالم في سنواته الأخيرة من مجموعة من الأمراض، التي لم يغب معها صوته حتى النفس الأخير، فكان يعاني من مشاكل صحية في القلب وفشل كلوي، وخضع لعملية قلب مفتوح، وقد توفي أبو بكر سالم في العاشر من كانون الأول/ديسمبر عام 2017، عن عمر ناهز الـ78 عاماً.