لأننا شعب لا يجيد إلا النقد واسقاط ما لذ وطاب من مشاكلنا على نجاح الآخر، تحاول بعد الابواق في الآونة الأخيرة تعكير صفو نجاح مسلسل "ثورة الفلاحين" والذي يعرض عبر شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال.
هذا المسلسل الذي ابدعت كاتبته العبقرية في سكب أحداثه من وحي حقبة ثورة الفلاحين، يعود بنا إلى الزمن الجميل رغم ما كان فيه من ظلم وقهر وقسوة واستبداد واقطاعية لا مثيل لها.
يحاول بعض انصاف التائهين في فشل الانتقاد، توجيه كلام سفيه إلى الكاتبة كلوديا مرشليان، ملصقين بها تهما باهتة عن اقتباسها بطريقة غير مهنية لأحداث ثورة الفلاحين وأزياء تلك المرحلة وتقاليد العيش فيها.
لهؤلاء نقول ان كلوديا لم تقدم وثائقيا عن ثورة الفلاحين بل كان لها ملء الخيال في تقديم قصة رائعة فيها من نسج الحب علاقات لتتحول إلى قصص مؤثرة محفزة على الحب الحقيقي في زمن اللهو والمصالح. وبالتالي انتقاد الكاتبة على تفاصيل سخيفة تتعلق بالازياء او تحوير في الاحداث اشبه ما يكون بالبهرجة الباهتة.
كلوديا التي تعتبر من اكثر الكتاب في العالم العربي تأثيرا من خلال قصصها وتوظيفها في حبكة سلسلة مريحة شيقة قادرة على اجتذاب المشاهد بفضل احتوائها على كل عناصر الابهار والجذب نظراً إلى سلاستها.
كما حشدت من خلال هذا العمل كوكبة من الممثلين الذين ابدعوا في تأدية أدوارهم، فعلى سبيل المثال الممثلة مارينال سركيس التي تعرضت لانتقادات جمة في بداية العمل، ولكن سرعان ما حصدت تعاطفا كبيرا حين وزعت كل أموالها لتمويل ثورة الفلاحين. كذلك لا يمكننا صرف النظر على الاطلاق عن ابداع تقلا شمعون وورد الخال وباسم مغنية وأليكو داود ونقولا دانيال ووسام حنا وماغي بو غصن ونوال كامل وسارة أبي كنعان ووسام فارس وغيرهم من خلال الأدوار التي قدموها بكثير من الابداع والاحتراف وبمستوى يرقى إلى العالمية.
مذهلة كلوديا كيف تمكنت من جعل الدراما علاجا للمشاهد، لا بل متنفساً ينفس فيه سم هموم الحياة اليومية. فهي ومن خلال تصويرها للبكاوات وفي جانب مظلم من حياتهم، أظهرت شعورهم بالظلم واسقطت عليهم ارتدادات افعالهم الوحشية واستبداداتهم بالفلاحين وقهرهم. هذه الصورة هي تجسيد للواقع المعاش في لبنان، هي إسقاط للحاضر على الماضي العابر... اليوم نموت مليون مرة من ظلم بعض السياسيين واستبدادهم بحياتنا وقهرهم لنا واغراقنا بملفاتهم الفاسدة ونفاياتهم. والسؤال هل سيرتد عليهم كل هذا القهر لنعبر إلى الدول المدنية الراقية الفاضلة؟
كلوديا مرشليان ابداع من نوع آخر فيه الكثير من العلاج لأمراضنا، ودعوة إلى الاصالة في المواقف، وشهامة المشاعر في التعاطي الإنساني.