أكتب كلماتي اليوم وهي مبعثرة حائرة من أين ستبدأ لشدة الدهشة لما رأيته في حلقة "مطرحك"، فكلماتي متوترة مذعورة من ما رأته من تجربة وسواد، وواثقة مما رأته من قوّة وجبروت.
كل ذلك حصدته في حلقة "رويدا" الفتاة التي فقدت بصرها، فقررت أن تعلمنا دروسا في الحياة، من الإيمان وصولا إلى الصبر وعدم الاستسلام.
جلست أمام التلفاز وأنا متردد، وإذ بي أرى في هذا البرنامج الّذي يقدمه الممثل طارق سويد على شاشة الـ LBCI تلك الفتاة القوية، ولأن صيغة البرنامج تدور حول استضافة شخصية مشهورة يجب أن تعيش ما تعيشه صاحبة الحالة، فتمت إستضافة الممثلة نهلا داوود.
طُلب من نهلا في بداية الحلقة أن تضع عدسات لاصقة تحجب عنها النظر، ويجب عليها أن تقوم بالواجبات المنزلية لتعيش بالفعل ما تعيشه "رويدا". الأم التي تدرس أولادها معتمدة على السمع، الأم التي تطبخ لهم معتمدة على اللمس لكي لا يشعروا بأي نقص، الأم التي تفصل الثياب الملوّنة عن الثياب البيضاء، الأم التي تقوم بواجباتها على أكمل وجه من دون أي تقصير.. بالفعل هذا ما قامت به نهلا رغم أن الصدمة لم تفارقها طوال الحلقة، وكذلك نحن.
في هذه الحلقة علمت كم اننا سخيفون حينما نواجه الأمور بضعف، وحينما ننظر إلى أنفسنا بشفقة من دون أن نتذكّر النعمة التي منحنا إياها ربنا. في هذه الحلقة حبست دموعي لكي لا أظهر ضعفي أمام "رويدا" التي استطاعت أن تحوّل سواد عينيها إلى شجاعة.
ببصر ضعيف وبصيرة قوية، رأيت في رويدا تلك الأم القوية التي حولت الألم إلى أمل، المرأة المثقفة الجميلة التي لم تتخلّ عن وقوفها أمام المرآة رغم حالتها، ولم تطلب من أحد أن يشفق على حالتها، بل على العكس جعلتنا نشفق على أنفسنا.
تارة رأيت في رويدا القوّة، وتارة أخرى رأيت بنهلا داوود دموعها التي خانتها أكثر من مرة خلال الحلقة، لأنها بالفعل عاشت هذه الظروف بواقعها.
وختاما لا يمكنني إلا أن أرفع القبعة لطارق سويد على هذه المادة الدسمة التي قدمها للمشاهدين ليلة الميلاد، لأنه بالفعل تستحق هذه السيدة أن يسلّط الضوء عليها، كما أنّ طارق هذه المرة لم يضع الممثلين تحت تجربة الأداء، بل جعلهم يلمسون الواقع من دون أي تمثيل أو مشاعر مفبركة.
وأود أن أشدّد على أهمية تسليط الضوء على هذه المواضيع بشكل دائم وليس فقط في الأعياد، وأن نساهم جميعنا في إلغاء فكرة التمييز.