لم تكن حياته بعيدة عن الأدوار التي جسدها في العديد من المسلسلات، إمتزج فيها الفرح والحزن حتى في أيامه الأخيرة.
وغدا خلال زمن قصير نجماً ورقماً صعباً، وقد برع في الأعمال الدرامية والكوميدية وفي أنماط وبيئات فنية مختلفة، واشتهر بتماهيه مع الدور والحرص على تقديم أفضل ما لديه دائماً.
حرص أغلب مخرجي الدراما السورية على أن يكون ضمن أبطال أعمالهم، لأنهم يعرفون أنه يعطي لأي عمل يشارك به أهمية خاصة.
إنه خالد تاجا ، الذي ولد في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1939 في دمشق، وتوفي فيها في الرابع من نيسان/أبريل عام 2012 بعد صراع مع سرطان الرئة، وكان وقتها يصور مشاهده في مسلسل " الأميمي "، غير أن عزاء محبيه يكمن في المئات من الأعمال الفنية المترعة بالإبداع، التي جسدها في شبابه وفي أواخر سنوات عطائه، بتلك الملامح المعجونة بالزمن والفن أيضاً.
أعمال متنوعة
في العاشرة من عمره بدأ خالد تاجا يتردد على مسارح دمشق، وأدى بطولة عملين مسرحيين من تأليف وإخراج أحد أساتذته في المرحلة الثانوية في خمسينيات القرن الماضي. ثم انتقل عام 1956 إلى فرقة "المسرح الحر" مع توفيق العطري وضمت نخبة من الفنانين الكبار أمثال صبري عياد، وحكمت محسن، وأنور البابا وكان يرأسها الفنان الراحل عبد اللطيف فتحي. وقدم حينها عدداً من أدواره على الخشبة لينتقل بعدها إلى الكتابة والإخراج المسرحيين.
وفي عام 1965، اختاره المخرج اليوغسلافي بوشكو فوتونوفيتش لبطولة فيلم "سائق الشاحنة" الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما في دمشق عام 1966، وجسد فيه دور شاب مكافح يعمل مساعد سائق شاحنة ويتخلى عن حياة الريف ويدفعه طموحه لأن يكون هو نفسه السائق، ويعيش صراعاً يمزقه بين حبه لفتاة من قريته وعرفانه لجميل معلمه الذي يرغب بتزويجه من ابنته، ويحتدم الصراع بين سائقي الشاحنات المطالبين بزيادة الأجور من جهة وبين رب العمل من جهة أخرى.
بعدها، ابتعد خالد تاجا عن العمل الفني 12 عاماً بعدما اكتشف أن السرطان أصاب إحدى رئتيه بسبب ولعه بالتدخين، ما أدى إلى استئصال الرئة. لكن بعد عودته، لم يعد أحد يدعوه للمشاركة في أي عمل. لكن في أواخر السبعينيات، وقف معه الفنان الراحل طلحت حمدي ليعود مجدداً إلى العمل، ومنذ ذلك الحين وحتى وفاته لم ينقطع ظهوره على الشاشة.
شارك خالد تاجا خلال مسيرته الفنية في أكثر من 130 مسلسلاً، أبرزها "هجرة القلوب إلى القلوب" 1991، "أيام شامية" و"جريمة في الذاكرة" 1992، و"يوميات مدير عام" 1995، "أخوة التراب" 1996، "النصية" و"الثريا" 1998، "الفصول الأربعة" بكامل أجزائه ابتداءً من 1999، "الملك لله" و"الزير سالم" و"أسرار المدينة" 2000، "تمر حنة" 2001، "ردم الأساطير" 2002، "بنات أكريكوز" 2003، "التغريبة الفلسطينية" و"رجال تحت الطربوش" 2004، "حاجز الصمت" 2005، "كسر الخواطر" و"غزلان في غابة الذئاب" 2006، "على طول الأيام" و"وشاء الهوى" 2006، و"صمة عار" و"الحصرم الشامي" 2007، "أولاد القيمرية" 2008، "زمن العار" و"قاعة المدينة" و"طريق النحل" 2009، "لعنة الطين" و"الدبور" و"أبو جانتي" 2010، و"الخبز الحرام" و"العشق الحرام" 2011.
ومن أفلامه "رجال تحت الشمس" 1970، "عودة حميدو" 1971، "الفهد" و"زواج بالإكراه" 1972، "عروس من دمشق" و"بنات آخر زمن" 1973، "غراميات خاصة" 1974، "أيام في لندن" 1976، "شيء ما يحترق" 1993، "نصف ملغ نيكوتين" 2007، "دمشق مع حبي" 2010.
4 نساء
تزوج خالد تاجا أربع مرات بعد قصص حب، كان يعشق زوجته الأولى كثيراً ولطالما تحدث عن جمالها في أحاديث الذكريات، لكنها توفيت باكراً في حادث سيارة.
أما الزوجة الثانية فلم يستطع أن يكمل معها العام وانتهت بالانفصال كحال زوجته الثالثة.
أيضاً، تزوج خالد تاجا من سيدة هولندية لكنها قررت العودة إلى بلادها لتتصل به لاحقاً وتخبره بأنها حامل بفتاة. وعند ولادتها اتصلت به مجدداً لتخبره بأنها وضعت فتاة وأطلقت عليها اسم ليزا. ومنذ ذلك اليوم، لا يعلم عن ابنته سوى اسمها الذي كان يردده دوماً.
حلم من الجنون
حضّر خالد تاجا قبره بنفسه وكتب عليه "مسيرتي حلم من الجنون، كومضة شهاب زرع النور بقلب من رآها، لحظة ثم مضت"، كما حمل جملة "منزل الفنان محمد خالد بن عمر تاجا من مواليد عام 1939".
وأعتُبر أحد أفضل خمسين ممثلاً في العالم عام 2004 بحسب مجلة التايم الأميركية، و"أنطوني كوين العرب" بحسب ما لقّبه الشاعر الراحل محمود درويش، لكنه ظل يفضّل لقب "تاجا الشامي" وأن يدعوه الناس به.
الموت أسرع
قرر خالد تاجا أن يكتب قصة حياته ليحولها إلى مسلسل درامي، وعلل السبب أن حياته فيها الكثير من الآلام والصعوبات والإصرار والعمل على تحقق الهدف، وهي تستحق أن تجسد بعمل فني درامي يستفيد منها كل من يعاني من صعوبات في حياته، ويقرر بعدها أن يبدأ من جديد ويحقق النجاح، لكن الموت كان أسرع من هذا المشروع الشخصي.
جوائز عديدة
نال خالد تاجا العديد من الجوائز منها تكريم في مهرجان بودابست ببلجيكا عام 2010، والميدالية الذهبية في مهرجان دمشق السينمائي التاسع، والجائزة الذهبية لأفضل ممثل في مهرجان القاهرة الحادي عشر، ودرع تكريمي عن دوره في مسلسل التغريبة في أبو ظبي عام 2005، جائزة لجنة التحكيم للدراما السورية أدونيا عام 2005، ودروع مختلفة من جهات عديدة.
معلومات قد لا تعرفونها عن خالد تاجا
كان يمارس رياضة ركوب الخيل التي تعلمها في الأردن من خلال مشاركاته في الأعمال الأردنية البدوية في ستينيات القرن الماضي.
في إحدى الجلسات العائلية التي جمعت أمه مع ابنة خالتها، وهي سيدة متخصصة في علم النفس من الجامعات الفرنسية، قالت لها إن ولدك سيصبح في المستقبل فناناً مشهوراً، لما يمتلكه من نزعات الفنان وشخصيته.
لأنه كان ولداً مشاغباً وشقياً قررت أمه أن تصطحبه إلى مصلحة اجتماعية في سن التاسعة، وأخبرتها بأن لديه طاقة مفرطة من النشاط الحركي وحثتها على استيعابه والتعامل معه بأسلوب خاص.