عندما نتلقى دعوة لحضور عرض مسرحي لطلاب مدرسة أول ما يخطر لنا أن العمل سيكون متواضعاً، وبأدوات تمثيلية وتقنية عادية، إن لم نقل ضعيفة... لكن الأمر اختلف هذه المرة، والعمل المسرحي الذي حمل عنوان "المتحف" لم يكن متواضعاً بل على العكس كان مبهراً وإبداعياً فوق التصوّر. فلمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ75 لاستقلال لبنان، دعت المدرسة اللبنانية في الدوحة إلى العرض المسرحي "المتحف" والذي شاركت فيه مجموعة من أساتذة وطلاب المدرسة تحت إشراف المخرج بشير الزمامي.
ففي حبكة درامية سلسة ومترابطة تنطلق أحداث مسرحية " المتحف " التي تبدأ مع زيارة مجموعة من الطلاب، على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم، إلى المتحف وبرفقتهم دليل سياحي فيتوقفون أمام تمثالين أحدهما لأليسار ملكة قرطاج والثاني لشقيقها بيغماليون اللذين لا يلبثا أن تبث بهما الحياة وتبدأ رحلة الجدال التاريخي مع دخول شخصيات تركت أثرها في المجتمع اللبناني ومساره السياسي، ومن ضمنها الأمير فخر الدين المعني وجبران خليل جبران وغيرهما لتتطوّر الأحداث وصولاً إلى يومنا الحالي حيث تصبح الرسالة واضحة بأن التعايش مع الآخرين هو السبيل إلى الوحدة والتقدّم وأن أجراس الكنائس عندما تعانق أصوات المؤذنين في المساجد تحلّ البركة ويسود السلام.
رسائل وطنية، إجتماعية، وثقافية طرحها هذا العمل المسرحي الضخم بأسلوب مبتكر ومفعم بالصدق، وإن لم يخلُ من البساطة التي جعلته يصل إلى قلوب الطلاب وعقول الأهل، فإذا به يتحوّل إلى مسرحية كوميدية موسيقية يكمن سرّها في تقنياتها العالية وبساطتها الواضحة ويصحّ فيها القول إنها من النوع السهل الممتنع. واللافت في العمل هذه، إلى جانب براعة الأساتذة والطلاب في تجسيد أدوراهم المختلفة، هي المؤثرات الصوتية والأغنيات التي رافقت العرض والتي تمّ تجهيزها خصيصاً لتلائم متطلبات المسرحية بحيث شارك في إعدادها وتنفيذها نخبة من أبرز الموسيقيين والفنانيين التونسيين.
والجدير بالذكر أن مسرحية "المتحف" تأليف وحوار شانتال سلامة، موسيقى سينوغرافيا وإخراج بشير الزمامي، دراماتورجيا ومساعد مخرج فراس اللبان، في حين قام بكتابة الأغنيات كل من شربل صدقة ورباح طرابلسي، أما تسجيل الأغنيات فتمّ بأصوات مقداد السهيلي، نقيب الموسيقيين محمد الجبالي، رياض العروس، إيمان محمد، والتينور هيثم الغديري.
وعلى هامش العرض المسرحي، إلتقى موقع "الفن" أستاذ الموسيقى والمخرج التونسي بشير الزمامي الذي تحدث عن كيفية انطلاق مشروع المسرحية الذي جاء بطلب من مديرة المدرسة التي وضعته أمام تحدٍ كبير بإنجاز عمل ضخم لمناسبة عيد الإستقلال. وأضاف: "كان تحدياً لأنني تونسي والعمل لبناني بحت وبنفس لبناني، والحمدلله حصدنا نتيجة تعبنا ومجهودنا. هذا العمل هو مسرحية كوميدية موسيقية تتطلّب تقنيات ضخمة وفرّتها لنا إدارة المدرسة وهذا ما ساعدنا على تنفيذها بنجاح كما شاهدتم. وانطلاقاً من التقارب الثقافي والفني بين لبنان وتونس، قمت بتلحين الأغنيات واخترت مجموعة من أهم الأصوات التونسية للمشاركة في هذا العمل الذي لا شك كان صعباً في البداية بسبب اختلاف اللهجة لكن النتيجة كانت أكثر من رائعة". وختم بالقول: "لا بد من توجيه الشكر إلى كل من ساهم في نجاح هذا العمل على أمل تقديم أعمال أخرى بنفس المستوى وربما أفضل".