في شهر تموز/يوليو عام 2013، غيب الموت أحد أهم الممثلين السوريين، حيث فارقنضال سيجريالحياة من دون أن يحقق طموحاته الفنية، التي كانت تحتاج أصلاً لأكثر من عمر واحد، وهو من مواليد 28 أيار/مايو عام 1965، وخريج المعهد العالي للفنون المسرحية.
رحل وهو في أولى خطواته الفنية على سلم الطموح، وكان في جعبته مئات الأحلام الفتية التي رحلت معه ولم تر النور، حيث جاءت وفاته بينما بدا نجمه يلمع وبخاصة بعد دوره في مسلسل "ضيعة ضايعة"، الذي كان نقلة نوعية في الكوميديا السورية.
وصيته
لم يكننضال سيجريفناناً سورياً عجن بالإبداع والموهبة الأصيلة فحسب، بل كان قبل ذلك ابناً باراً لسوريا الأم العظيمة كما وصفها دائماً ببحة حنجرته حتى فقدها وهو يدعو أبناء جلدته للاحتكام إلى الحوار ونبذ السلاح.. وتجرد من جميع الطوائف واكتفى بأنه سوري، وكان هدفه دعوة أبناء سوريا للحب والسلام، وكان ابن سوريا المخلص والحنون.
قدّم على مدى سنوات عمره التسع والأربعين، وخلال مسيرة فنية استمرت حوالى العشرين عاماً، أكثر من 15 مسرحية للمسرح القومي ومسرح الطفل، وعشرة أفلام سينمائية روائية وقصيرة، وأكثر من مئة تمثيلية ومسلسل تلفزيوني.
أما المشهد الأخير، فجاء تلبية لوصيةنضال سيجريعندما سجى جثمانه على خشبة المسرح القومي في اللاذقية، قبل أن تسدل الستار على مسيرته ويوارى الثرى.
وآخر ما كتبه على صفحته الخاصة على احد مواقع التواصل الإجتماعي: "وطني مجروح وأنا أنزف.. خانتني حنجرتي فاقتلعتها... أرجوكم لا تخونوا وطنكم".
إستقالة سريعة
عندما عُيّننضال سيجريمديراً للمسرح القومي في دمشق، خط بيده كتاب استقالته في اليوم الأول من عمله، ثم أودعها درج مكتبه منقصاً فيها التأريخ فحسب، وقال حينها إنني سأقدمها للمعنيين عند أول صدام، وكان ذلك الصدام، ولم يتردد نضال سيجري في تقديم استقالته، وبها كان المدير الوحيد الذي لم يكمل فترة العام في هذا المكان.
الشخصية الأبرز
في الحديث عن الشخصيات الخالدة فيه، سيقفز إلى ذهننا فوراً، "أسعد خرشوف" ذلك الريفي الجميل، الطيب الساذج، والوطني الساحر المغلوب على أمره، الذي ظهر في مسلسل "ضيعة ضايعة" حيث لعب سيجري هذا الدور بشكل لافت، وكرسه شخصية شعبية بامتياز، سكنت في وجدان الجمهور، في مسلسل كان نقطة علام في تاريخ الدراما السورية.
أعماله
لـنضال سيجريفي التلفزيون ما يزيد على المئة مشاركة، استطاع من خلالها أن يرسم لوجوده في الشاشة الصغيرة نكهة خاصة، برزت من خلاله اشتغاله الصادق على أبعاد الشخصية وتبنيها فنياً، بحيث تصبح من لحم ودم سواء أكانت كوميديا أم تراجيديا، أم ضمن المسلسلات التاريخية أو البيئية.
ومن أهم أعماله، نذكر "العبابيد" عام 1997 و"بقعة ضوء" بأكثر من جزء و"أبناء القهر" 2002 و"أيامنا الحلوة" و"مرايا" 2003، و"عصر الجنون" و"ليالي الصالحية" 2004، و"الانتظار" و"غزلان في غابة الذئاب" 2006، و"الحصرم الشامي" 2007، و"ضيعة ضايعة" 2008" و"مرسوم عائلي" و"زمن العار" و"إذاعة فيتامين" 2009، و"كليوباترا" 2010 و"المفتاح" 2012.
سوريا أهم يا فواز
روى محمد سيجري التفاصيل الأخيرة في حياة شقيقه نضال سيجري، وحرصه على أداء رسالته الفنية في أصعب الظروف الصحية، التي كان يمر بها.
وقال إن الأطباء نصحوا شقيقه بعد انتهاء جلسات الأشعة الـ 33 لحنجرته في بيروت في الشهر الأول من العام 2010 بعدم الكلام إلا بالحد الأدنى ريثما ترمم الحنجرة ذاتها من آثار الأشعة المحرقة، وعدم التعرض للبرد لاسيما أن الشتاء كان قاسياً آنذاك.
وتابع: لكنه ما إن غادر معه أبواب بيروت تجاه دمشق حتى بدأ نضال يعد العدة ويجري اتصالاته استعداداً للمغادرة إلى منطقة كسب حيث كان المخرج وكامل الكادر الفني لمسلسل "ضيعة ضايعة" بجزئه الثاني بانتظاره هناك لبدء التصوير.
وكشف أن جدلاً بيزنطياً حامي الوطيس دار بينه وبين شقيقه الراحل، مذكراً إياه بتوصية الأطباء وضرورة الالتزام بها إن أراد بقيةً من حياة، ولكن الفنان الراحل كان يذكره بدوره بآداب المهنة والتزامه الأخلاقي تجاهها ولو كلفه ذلك البقية الباقية من الحياة، وهكذا خالف نضال كل ما أوصى به أطباؤه وناصحو، حيث صور كامل المسلسل في أعالي الجبال وبمشاهد جُلها خارجية بدرجات حرارة تحت الصفر، وصورت كامل مشاهد نضال بإجهادٍ كبير لحنجرته التي لم تكن قد تعافت بعد، حيث بدأت علائم الانتكاسة الصحية لنضال مع نهاية الجزء الثاني معلنةً شارة البداية لرحلة العذاب التي رافقته حتى يومه الأخير.
من ناحية اخرى، أكد فواز سيجري الشقيق الآخر لنضال، أنه كان في غيبوبة لأيام طويلة، ليستفيق قبل يومين لوقت قصير قال فيه كلاماً مؤثراً: "سوريا يا فواز". ثم انهمر الدمع من عينيه وعاد بعدها إلى الغيبوبة مجدداً قبل أن يفارق الحياة.
واستذكر فواز موقفاً لنضال حين توجه إلى بيروت لإجراء عملية استئصال للحنجرة، عندما لم يتمكن من مرافقته إلى لبنان، وقال: اتصلت به وقلت له بأنني آسف لعدم قدرتي على مرافقتك إلى هناك.. فكان جواب نضال: "مو المهم حنجرتي ولا العملية.. المهم البلد.. سوريا أهم يا فواز".
خطوة تطوعية
ضمن خطوة تطوعية شبابية نحو تكريم شخصيات سورية تركت بصمة في تاريخ بلدها، أطلق فريق "قطرات ملونة" التطوعي في محافظة اللاذقية مشروع "وجوه"، الذي جسد تلك الشخصيات من خلال رسمها على جدران في شوارع المدينة.
وحمل المشروع الأول صورة للراحل نضال سيجري (1965- 2013)، على الحائط المقابل لمقهى قصيدة نثر عام 2016.
معلومات قد لا تعرفونها عن نضال سيجري
بعد استئصال حنجرته، ظهر في دورين صامتين، في مسلسلي "بنات العيلة" و"الأميمي" عام 2012.
تعاون فنياً مع المخرجالليث الحجوفي 3 مسلسلات، هي "الخربة" عام 2011، "الأرواح العارية" عام 2012 و"سنعود بعد قليل" 2013.
لقبه محبوه وبعض النقاد بـ"تشارلي تشابلن العرب" عن دوره في مسلسل بـ"ضيعة ضايعة"، بدور "أسعد خرشوف".
كان سيخرج فيلم "طعم الليمون"، الذي تناول فيه يوميات عائلات لاجئين فلسطينيين ونازحين سوريين من الجولان السوري، إضافة إلى مهجرين عراقيين اجتمعوا في منزل واحد، في حي فقير.
شارك ممثلاً في العديد من الأفلام، منها "الطحين الأسود"، "خارج التغطية"، "حادثة على الطريق"، "الترحال و"زهرة الرمان".
كُرّم في إطار الدورة الخامسة عشرة لمهرجان دمشق المسرحي في 2010، وكرمه مسرح بابل في العراق بعد رحيله بعرض مسرحية "حمام بغدادي"، التي كانت من إخراجه.
أصبح عضواً في نقابة الفنانين السوريين في عام 1991.
كان متزوجاً من الكاتبة سندس برهوم، ولديه منها ولدين.
ولد ودفن في اللاذقية، لكن تعود أصوله إلى قرية "سيجر"، في ريف إدلب الغربي.