رغم كل الاحداث التي تشغل المواطن اللبناني والعربي على حد سواء بسبب تسارع التطورات على الاصعدة كافة، كان لابد عند المساء من استراحة محارب تريحنا من الهموم الحياتية وتعود بنا في الذاكرة إلى زمن البكاوات.
انه الانتاج اللبناني الاضخم على الاطلاق الذي رفع من سقف الدراما اللبنانية إلى سقوف الاحلام التي لا يطالها الا نجوم وصناع هذا العمل.
"ثورة الفلاحين" العمل اللبناني الاضخم على الاطلاق، والذي يحتوي على كل مقومات الدراما الضخمة والتي تعكس صورة فيها الكثير من جمال لبنان بطبيعته الخلابة وابطاله النجوم الممثلين ومنتج هذا العمل والمؤمن بصناعة الدراما اللبنانية السيد جمال سنان ومن خلال شركته "ايغلز فيلم".
جمال للابداع والسخاء على دراما نتمنى ان ترفع من سقف الانتاج إلى هذا المستوى الذي يليق بصورة لبنان وبنجومنا، ويعكس تلك الصورة التي سبق وصدرها تلفزيون لبنان في العصر الذهبي للانتاج اللبناني. جمال سنان الذي تمكن من حشد اكبر عدد ممكن من الممثلين من خلال هذا العمل الاستثنائي، ساهم وفي الكثير من النواحي في تحريك عجلة الركود عند الكثير من الممثلين وادخلهم في لعبة الادوار كل بحسب الدور المسند له.
وكعادتها الكاتبة اللبنانية المبدعة كلوديا مرشليان تغوص في اعماق التاريخ لتخرج بنص يروي تلك الحقبة من الزمن التي سادت فيها سطوة البكاوات، واندلعت فيها ثورة الفلاحين في العام 1860. لم يكن سهلا على كلوديا الغوص في تلك المرحلة التي مرت في تاريخ لبنان، خصوصا انها احتاجت إلى الاطلاع على الكثير من الاحداث لتقدمها بصورة درامية رائعة تعالج فيها وهي على حذر، من دون ان تتسبب في الاساءة او تهميش احد من تلك الحقبة. كلوديا قدمت ما يلزم من تلك الحقبة نظرا الى حساسيتها وأضفت إليها رونق السياق الدرامي والحبكة التي تعتبر العامل الاول لجذب المشاهد. والملاحظ في اعمال كلوديا انتصار لغة المحبة والسلام والرجاء وتصوير حقيقي لحياة البكوات الذين يعيشون التعاسة والحزن بسبب مشاكلهم الكبيرة والتي تتفوق على مشاكل الفلاحين.كما اظهرت كلوديا من خلال نصها، الشر الغبي والذي ظهر في العديد من المشاهد خصوصا مشهد إخفاء حريق معمل نورس عنه، كذلك صورت الشر الحقيقي مجسدا بـ رامح والصدمة التي تعانيها لميس، والتي تظهر جانباً من حياة تلك الشخصية والتي تلامس الواقع في الكثير من الجوانب.
كما صورت سطوة البكوات في تلك المرحلة التاريخية واستبدادهم بالناس واجبارهم على العمل بالسخرة من دون اية رحمة او شفقة، كما صورت من خلال هذا العمل كل انواع العنف والقتل من قبل البكوات، تلك المشهدية من تلك الحقبة التي تعود بنا سنوات إلى الماضي الغابر، ما هي الا انعكاس لمشهدية العالم اليوم، فبكوات السياسة يبطشون بالناس من دون رحمة، والذين يُقتلون تحت جناح الليل والنهار بجرائم اجتماعية وبيئية واقتصادية ممنهجة.
هذا العمل اعاد إلى الشاشة العديد من الوجوه التي احببناها ونذكر منها ايميه صياح التي تبدع من خلال دور "منتورة". فقد تقمصت الدور إلى ابعد ما يكون وقدمته بطريقة محترفة، وهذا ما فعلته ايضا سارة ابي كنعان التي لعبت دور "فتون" والتي تتصارع ولميس التي تجسد دورها المخضرمة ورد الخال، على الرجل ذاته "نورس" والذي يلعب دوره الممثل وسام حنا الذي يحشد وبحق للثورة في وجه سلطة واستبداد البكوات من دون ان يتسبب في إراقة الدماء.
وقد منحت كلوديا الممثلة القديرة جناح فاخوري دور الام زوجة البيك، حيث ابدعت في تقديمه بعدما انحصر العديد من الادوار التي قدمتها في وقت سابق بشخصيات متشابهة.
اما الممثلة تقلا شمعون والتي اقل ما يقال عنها انها استاذة، فقد جسدت دور ابنة البكوات التي تغرم بفلاح يجسد دوره الممثل فادي ابراهيم وتتزوجه سرا حيث يرفض انجاب الاولاد من باب التضحية كرمى حبه الكبير لها، وهذا ما يحصل على ارض الواقع، اذا تمكنت كلوديا من تصوير هذه الزاوية بكثير من الواقعية.
أما الممثلة ختام اللحام فتجسد دور الام، وهو من اروع الادوار التي تبدع ختام في تجسيدها.
الممثل نقولا دانيال الذي يجسد دور البيك الكبير يبدع كعادته في دوره الرائع، وكذلك فعل الممثل كارلوس عازار الذي يجسد دور ابن البيك والذي يعيش صراع غرور البكوات وتواضع الفلاحين بسبب حبه الكبير للفلاحة "منتورة". وعلى رغم حنوه نلاحظ غلبة حس البكوات على شخصيته في العمل وعلى تعاطيه مع من حوله.
اما الممثل باسم مغنية فيجسد دور البيك الشرير الدموي الذي يتملكه جنون الانتقام من الناس والبطش من دون وجه حق والمصلحجي الذي يستبيح كل المحرمات للوصول إلى تحقيق مآربه.
وبالانتقال إلى مكان تصوير هذا العمل، فقد تم داخل قصر منصور سلهب في جزين، وعمل فريق على هندسة ديكور رائع من تلك الحقبة بعدما كان القصر فارغا.
في الختام كلمة حق تقال في حق هذا العمل... ابداع من نوع آخر، ابداع محفوف بالايمان بصنع دراما جيدة نفتخر بها كشعب واقلام، ونضعها في مقدمة الاعمال التي تستحق الثناء والتقدير والاحترام، والاهم التكريم ليبقى حافزا لإبداع جديد بعد "باب ادريس" و "ثورة الفلاحين" والمستقبل الجديد للدراما.