وجاء اخيرا موعد اللقاء في مدينة صور بعد 23 عاماً من الغياب.. طال انتظار الفنانة جوليا بطرس بالسنوات والدقائق، هي التي إلتقت جمهورها في مدينة صور في العامين 1991 و1995، ومنذ ذلك الحين لم تحيِ أية حفلة عند شاطئ صور الرملي ومعبده الروماني.
إعتلت جوليا بطرس المسرح في حفلها مساء السبت الماضي، بتأخير ساعة عن الوقت المحدد، والذي كان عند الساعة الثامنة والنصف، وجاء ذلك إحتراما لآذان العشاء ولتدفق الجمهور على مسرح ميدان سباق العربات التاريخي، الذي يعود إلى القرن الثاني للميلاد على مقربة من قلعة صور الأثرية.
جوليا... التي تسببت بإغلاق مداخل مدينة صور منذ صباح يوم السبت، أطلت كأميرة رومانية، بثوب زادها أناقةً بتصميم المصمم اللبناني العالمي إيلي صعب، أمام أكثر من 12 ألف شخص من مختلف المناطق اللبنانية، إلى جانب شخصيات فنية وإعلامية وسياسية، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وعقيلته السيدة رنده عاصي بري.
وتحدّثت جوليا مع جمهورها الذي حضر لملاقاتها، فمازحته قائلة: "هل بحر صور أمامي أو خلفي"، في إشارة منها إلى البحر البشري الذي قصد المدينة الأثرية من كافة أنحاء لبنان لحضورها، وتابعت: "بحر صور غير، وهواء صور غير، وهواء الجنوب غير".
كما إعتذرت جوليا في بداية الحفل عن تأخير صعودها إلى المسرح، مُفسّرةً سبب تأخيرها قائلةً: "احترامنا للأذان.. وحتى نحن كمان يكون عنا وقت لنقدم البرنامج الخاص فينا". وقالت إن مهرجانها الأول في صور لايزال محفوراً في داخلها، لا سيما وأنها كانت لا تزال فتاة صغيرة لا تمتلك في رصيدها الغنائي سوى 10 أغنيات، وكانت ترتجف لدى وقوفها على المسرح، بسبب الحماس الذي كانت تمتلكه في تلك الفترة، وأضافت: "مرّت الأيام وكبرت ومرّ العمر، ولكن الحماس بعدو هو ذاته والحب والغضب".
وافتتحت جوليا الحفل بأغنية جديدة عنوانها "راجعة إلكن بعد طول غياب"، للدلالة على غيابها عن حفلات الجنوب منذ بداية التسعينيات، وتضمن برنامج الحفل خمس أغنيات جديدة من بينها "بكرا شي نهار"، كما أدت أغنيات من ألبوماتها السابقة منذ بداياتها وحتى اليوم، و من بينها "يا قصص"، "شي غريب"، "وين مسافر"، "يوما ما"،"على ما يبدو"، و"جوز بنتو صاحبنا". وللحرية حكاية طويلة تجمع جوليا بجمهورها، فأطلقت العنان لصوتها بأغنيات "أنا بتنفس حرية"، "نحنا الثورة والغضب"، "يا ثوار الأرض"، و"الى النصر هيا".
ونجحت الفرقة الموسيقية المؤلّفة من 300 موسيقي يقودها المايسترو هاروت فازليان، بمرافقة جوليا في كل أغنية بإحتراف عالٍ جداً، حيث قدموا معا مشهدية فنية رائعة، هزّت أدراج المعبد الروماني. كما زادت من روعة هذه المشهدية، لوحات الغرافيكس على الشاشة، من توقيع المخرجة صوفي بطرس.
وبدا الجمهور في الحفل كبحر هائج يثور مع أغنياتها الوطنية والثورية، وتهدىء من غضبه مع أغنيات الحب، لكن قوة جوليا وغضبها لم يمنعاها من أن تذرف الدموع، عندما تحدثت عن والديها.
وخلال الحفل كانت جوليا تتوقف عن الغناء طوعاً وتترك المهمة للجمهور، الذي رافق الموسيقى بشكل منتظم، وإستكمل الغناء والتمايل على ضوء الشموع والهواتف النقالة.
واختتمت جوليا الحفل بأغنية "أحبائي"، وقالت لجمهورها: "صحيح إننا في ذكرى حرب تموز اليوم، والحرب دائما بشعة فيها مآسي فيها خسائر وشهداء وجرحى وضحايا والحرب مأساة بس (لكن) تموز صار تموز الانتصار .انتصار الجنوب وتموز انتصار كل لبنان شاء من شاء وأبى من أبى". وأهدت جوليا هذه الأغنية إلى "الأبطال الذين رووا أرض الجنوب ولبنان بدمائهم".
لكن جمهورها لم يكتفِ من سماعها، فبعد أن علت الأصوات مرددة أغنية "غابت شمس الحق"، لبّت جوليا الطلب واختتمت الحفل مجدداً بأغنية "غابت شمس الحق".
مزجت جوليا بين ذكريات الماضي والحاضر... كانت رقيقة مثل ورقة وفجأة تتحول الى إعصار.. جميلة وعنيدة.. لينة وصلبة. جوليا لم تغنّ بمفردها بل توّحد أكثر من 12 ألف صوت معها، رفعوا الصوت معها للفن الراقي والهادف.. فكان حفلاً يفيض حباً وفرحاً.