عَبَرت جسر العالمية وكانت محطّ انظار الجماهير، اقتحمت عالم الغناء واصبحت رمزاً يخلّده التاريخ، انها الفنانة داليدا التي ولدت في مصر عام 1933، لعائلة من اصل ايطالي، واسمها الحقيقي "يولاندا كريستينا جيغليوتي"، اشتعل شغف التمثيل في وجدانها منذ الصغر، آملة ان تغدو نجمة شهيرة، توفي والدها فعانت هي وعائلتها ضيقا في المعيشة،
تلقت دروساَ على الآلة الكاتبة، وعملت سكرتيرة في مصنع للأدوية.
الا ان أضواء الشهرة سرقتها من خلال مشاركتها في مسابقة جمال عام 1954، وفازت حينها بلقب ملكة جمال مصر.
شاء القدر ان تجتمع بالمخرج نيازي مصطفى، فوفّر لها فرصة في فيلم "سيجارة وكاس" مع سامية جمال وكوكا وذلك في العام نفسه.
الا ان داليدا قررت السفر إلى فرنسا في 24 كانون الأول لتنال نصيبها من الشهرة والنجومية، وذلك عام 1954.
قضت فترة طويلة في البحث عن هدفها في مكاتب التمثيل والملاهي الليلية، الا ان اليأس بدأ يتغلغل في عقلها، خصوصاً بعد نفاذ المال منها، ما دعاها الى اتخاذ قرار العودة الى مصر.
لكنّ القدر اعصى قرارها، اذ عرّفها على رولاند برجر وهو مدرب صوت شهير في فرنسا، وهذا التعارف، غيّر محور حياتها بالكامل، اذ انه أقنعها بفكرة التخلّي عن التمثيل وتدريب صوتها من أجل امتهان الغناء.
فوقفت لأول مرة على مسارح باريس، والتقت بمدير مسرح الأولمبيا، في أحد العروض التي كانت تقدمها.
فاعتبر انه وجد ضالته في داليدا، التي شكّلت حالة فريدة بين فنانات جيلها، فهي غنّت بتسع لغات وهي العربية والفرنسية والإيطالية والعبرية والإسبانية واليابانية، كما التركية والهولندية والألمانية.
داليدا كانت من أوائل الفنانين الذين استعملوا فكرة تصوير الأغنيات بطريقة "الفيديو كليب" كما انها شاركت في تمثيل 12 فيلماً.
عام 1986 شاركت في فيلم "اليوم السادس" بناء على طلب المخرج العالمي يوسف شاهين مع شويكار ومحسن محي الدين وصلاح السعدني، ولاقى حينها نجاحا لافتا فاق كل التوقعات نظرا لمشاركة داليدا فيه وغيرها من الأسماء المهمّة.
حياتها العاطفيّة
اوّل حب في حياة داليدا كان"لوسي ان موريس" الا انهما انفصلا بعد زواج دام عدة أشهر فقط، ومن ثم ارتبطت بالرسام "جان سوبيسكي" الذي تزوج فيما بعد من إمراة أخرى وأنجب منها إبنته الممثله الأميركية ليلي سوبيسكي.
وكان جان قد اعاد اليها الرومانسية التي إفتقدتها خلال ارتباطها بلوسيان الذي لم يعد يُسمعها كلمات الحب منذ زواجهما خصوصاً أنها كانت ذات شخصية حنونة ورومانسية، وصارت حينها تعتبر زواجها من لوسيان أشبه بصفقة تجارية كونه دوماً كان يتحدث معها عن الأغنيات الجديدة التي يجب أن تسجلها، أو عن طريقة ظهورها على المسرح وإجراء المقابلات، لذا عندما إلتقت بالرسام الوسيم جان أعطاها، دفعة معنوية وأشعل الحب من جديد في كيانها.
لم يشك زوجها بتغير تصرف زوجته لانها كانت حذرة جداً في بداية علاقتها مع جان، لكن تدريجياً ظهرت صورهما معاً في صحف الفضائح الفرنسية، وكتبت بعض تلك الصحف بالعنوان العريض "المخادعة"!! وعندما شاهد لوسيان تلك الصور قال لها "أخبريني اذا كانت النميمة عليكِ حقيقية"، فسكتت وعيناها على الارض، عندها فهم لوسيان الحقيقة.
تطلقتداليدامن زوجها وبعد سنوات قليلة إنتحر لوسيان، بعد أن أطلق النار على نفسه عقب فشله في زواجه الثاني.
عام 1967 إلتقت بالشاب الايطالي لويجي تينكو، وكان مغنياً لا يزال في بداية طريقه، دعمته الفنانة داليدا ليصبح نجماً، لكن الفشل طرق بابه بعد مشاركته في مهرجان سان ريمو عام 1967، فإنتحر بمسدسه في أحد الفنادق، والمؤسف في الامر أن داليدا كانت أول من رأت جثته ممدة ومغطاة بالدماء، فصُدمت وأُدخلت الى المستشفى بسبب حالة الانهيار التي أصابتها.
ثم أحبت رجلاً بفترة السبعينيات لكنه هو الآخر توفي منتحراً، وكان يُدعى كلود، فعادت إليها الكآبة من جديد.
ومن المحزن في مكان، ما ذُكر في خواطرداليداوهو أنها حملت ذات يوم وقررت أن تجهض نفسها، وكانت حينها لا تزال صغيرة وجميلة والمستقبل أمامها، وبعد مرور السنوات، وعندما قررت أن تنجب وتصبح أماً، أخبرها الأطباء بأنها أصبحت عاجزة عن الحمل والانجاب.
أمضت مرحلة الثمانينيات وهي تبحث عن الرضا والسلام الداخلي لدرجة أنها سافرت الى النيبال لدراسة الديانة الهندوسية (دراسة وليس إعتناقاً)، وفي عام 1986 قدمت الفيلم المصري "اليوم السادس"، من اخراج يوسف شاهين الذي كان صديقاً مقرباً لها، الا ان هذا الفيلم لم يلقَ أي نجاح يذكر.
انتحار داليدا
في 3 مايو/أيار من عام 1987 وجدتها خادمتها ملقاة على سريرها بسببتناولها جرعة زائدةمن الأقراص المنومة، والى جوارها رسالة كتبت فيها :"الحياة أصبحت مستحيلة ... سامحوني".
وتم دفن داليدا في باريس، وصنع تمثال لها على القبر بنفس الحجم الطبيعي لها، وهو يعتبر أحد أكثر الأعمال المنحوتة تميزاً في المقابر الخاصة.