إنه مروان خوري، موسيقيٌّ يعرف اللحن و اللحن يعرفه، شاعرٌ يكتب بحبر إبداعه على أوراقٍ تقسو على مشاعرنا، هو فنانٌ يغني و يغني حتى تدمن الروح على مسكّنات الأغاني. مروان خوري هو أكثر من نحتاج في هذه الأيام الموجوعة، ربما نغفو على ما نأمل و نصحو على ما نحلم. في دار الأوبرا المصريّة عل نفس الخشبة حيث وقف كبار الكبار من زمن الأبيض و الأسود و ذهب الصوت و القيمة، يومان متتاليان ، بيعت فيها البطاقات أسرع من تداول بورصة "وال ستريت" ، فالناس مشتاقة، كما الزمان و المكان، كما تلك الجدران التي تمتصّ الأصالة و ترسلها صداً مدوياً في أرجاء مصر المنصورة.
قلّما يغني مروان باللهجة المصريّة، لكن للإبداع إستثناءاته، "أهو ده لي صار" لسيد درويش، "لما أنت ناوي" فاجأ فيها مروان الحضور، فصفّقوا له من دون تعبٍ، مطالبين بالمزيد، فكان لهم ما طلبوا لكن بلهجةِ احفاد الفينيق "يا مسا الفل"، "رح غني الليلة"،"اكبر اناني"، "حبي الاناني"، "معقول"، "لو"، "قصر الشوق"، "مغرم". وللجديد حصة في الحفل، حيث غنى مروان "مرّت سنة" . وأكثر ما لفت نظر المتابعين لحفلات مروان، هو الضحد الكامل لأكذوبة العصر وهي التي تدّعي أن الجمهور المصري لا يتلقّى الأغاني اللبنانيّة و لا يستمع إلا للهجة المصريّة، هذا الشكّ واجهه يقين مروان، مع كل أغنيّة أظهرت ملامح الجمهور بحركات الفم عبر تمتمة الكلمات و تردادها مع مروان. الجمهور المصري يعشق الأغاني اللبنانيّة و يعرفها رغم صعوبة بعض الكلمات بالنسبة له، يفهمها جيداً بالعمق و ليس فقط بالكلمات. بين الإسكندريّة و القاهرة، جمع مروان لفيفاً كبيراً من الناس من كافة الأعمار، من كل حدبٍ و صوب تجمعوا عند مدخل دار الأوبرا و إنتظروا الأبواب لتُفتح، لكي ينتظروا ظهوره على المسرح و يتّقنوا معه فنّ التصفيق المستمر الذي لا ينقطع طالما أن المايكروفون ينقل لهم صوت مروان العاشق، الحامل للحنين، للحزن، للفرح الخائف، لوعد الحب المنتظر، لليلٍ ساهرٍ رافض للنوم. فمع مروان خوري، لا ينام الحب.