يعد المخرج باسل الخطيب من أبرز المخرجين في سوريا والوطن العربي، قدم للدراما السورية ما يقارب الخمسين عملاً، لعل أهمها "أيام الغضب" و"الطويبي" و"حنين" و"ذي قار" و"هولاكو" و"عائد إلى حيفا" و"نزار قباني" و"أنا القدس" و"رسائل الحب والحرب".


مع اندلاع الأزمة في سوريا، تحول من الدراما إلى السينما، وقدم أفلاما حققت نجاحاً وجوائز داخل سوريا وخارجها مثل فيلم "مريم" و"سوريون" و"الأب" ومؤخراً "الاعتراف".
المخرج باسل الخطيب حل ضيفاً على "الفن" حيث جرى الحوار التالي:
نقدم لكم هذا الحوار في جزأين ، حيث ننشر لكم اليوم الجزء الاول منه .

بعد انجازك حوالى 30 مسلسلاً تلفزيونياً انعطفت بشكل مفاجئ نحو السينما، لماذا؟
خلال السنوات الماضية التي عملت بها في الدراما التلفزيونية كنت دائماً أعمل بمبدأ "عين على التلفزيون وعين على السينما". وفي غالبية المسلسلات التي قدمتها كنتُ أحاول تقديم اقتراحات سينمائية أكثر منها تلفزيونية، سواء على مستوى المواضيع أو الأشكال الفنية.
ومع بداية الأحداث في سوريا تعرض الإنتاج التلفزيوني لهزة كبيرة إن لم نقل زلزال، تمثل بتراجع ملحوظ في الإنتاج التلفزيوني كماً ونوعاً إضافة إلى صعوبة التوزيع، في وقت أخذت فيه السينما مدّاً لم يكن موجوداً في السابق، وزاد عدد الإنتاجات السينمائية إلى ما يقارب الأربعة أفلام طويلة سنوياً. والأمر ببساطة أنني لم أعد قادراً خلال سنوات الحرب على العمل بالطريقة نفسها كما في السابق.
تحولات جذرية طرأت على حياتنا وأولوياتنا وأسلوب تفكيرنا، ووجدت أنه في هذه المرحلة لابد من التركيز على السينما بشكل أكثر جدية وعملية، وكل الجهد الذي كان يبذل على مسلسل مدته 30 حلقة أصبح يُبذل اليوم على فيلم مدته ساعتين.
السينما كفن قادرة على التأثير على المدى البعيد أكثر من الدراما والفيلم يبقى في الأذهان لمدة أطول، كما أن الأفلام السينمائية قادرة على توثيق ما نعيشه في الحاضر والتعبير عنه أكثر.

​​​​​​​آخر مسلسل قدمته كان "حرائر"، هل تفكر في العمل مجدداً بالدراما؟
في حال توفر الشرط الملائم بالتأكيد أحب العمل بالدراما ولا أحب الانقطاع عن الجمهور الذي كرست معه علاقة أعتز بها عبر كل السنوات السابقة، وهناك مشروع تلفزيوني أخطط له حاليا ولكن من المبكر الحديث عنه.

قلت إن السينما قادرة على توثيق الأحداث أكثر من التلفزيون لكن جمهور السينما يقتصر على المهتمين فقط ولا يدخل جميع البيوت كالتلفزيون؟
المسلسل قادر بحكم عرضه على التلفزيون أن يستقطب كمّاً كبيراً من المشاهدين، لكن الملاحظ خلال السنوات الأخيرة أثناء عرض الأفلام في مختلف المحافظات السورية، وجود إقبال كبير وغير متوقع من مختلف الشرائح.
الجمهور اليوم مختلف عن السابق، يعيش تجربة حياتية قاسية، وهو بحاجة لأن يرى أعمالاً تُعبّر عنه وعما يعيشه، وأعود وأقول "الفيلم السينمائي قادر على توثيق الواقع بشكل أكثر فعالية وتأثيراً".
المسلسل التلفزيوني بالنهاية محكوم باعتبارات إنتاجية تسويقية، وليست متاحة له دائماً الخيارات الفكرية والأساليب الفنية التي نريد العمل عليها، باستثناء بعض الأعمال التي قدمتها مؤسسة الإنتاج التلفزيوني التابعة لوزارة الإعلام.
أفلامنا يتم إنتاجها من وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما والتي هي بالأساس أفلام غير تجارية وغير ربحية، والربح المادي ليس الهدف أو الغاية المرجوة من إنتاجها، وإنما هناك رسالة معينة وإستراتيجية ثقافية وفكرية يتم العمل بها.

​​​​​​​إزداد عدد الأفلام السينمائية خلال الحرب، فهل للحرب دور بزيادة كم الإنتاج؟
الحرب وجهت حياتنا بمنحى مختلف تماماً ولفترة طويلة آتية، وآثار هذه الحرب سنعاني منها لسنوات، ومن ضمن هذه التأثيرات وجود مواضيع من الممكن ألا تكون رائجة تلفزيونياً لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى .
الحرب أثرت في كل شخص فينا ودائماً الشعوب تعيد أولوياتها في ظل الحروب، من هنا تَكرس التوجه نحو السينما وهذا ملحوظ حتى من عدد من المخرجين الذين كانوا يعملون أساساً في الدراما التلفزيونية ولم تكن لهم تجارب سابقة في السينما، العمل في السينما مغري وله سحره.

​​​​​​​باعتبارك سينمائي أكاديمي، ألا تعتقد أن هذه الخطوة تأخرت؟
كانت لديّ التزامات كثيرة في التلفزيون كما أن الظرف الإنتاجي المناسب للعمل السينمائي لم يكن متوفراً، ومن المهم أن يصيب الإنسان الهدف والأهم في أي وقت يصيبه.
توقيت نزعتي نحو السينما جاء عندما توفرت الشروط الملائمة له، سواء على المستوى العام أو الخاص، والأفلام التي قدمتها تركت أثراً كبيراً في سوريا وفي كل مكان عُرضت فيه داخل المهرجانات السينمائية وخارجها.

​​​​​​​سبعة أفلام برصيدك لغاية اليوم لكن "مريم" كان أكثر الأفلام ملامسة للجمهور.
"مريم" تجربة خاصة جداً، وكان ثاني فيلم روائي طويل بعد فيلم "الرسالة الأخيرة " الذي أنجزته عام 1998.
"مريم" أتى بعد حصيلة تجارب وبعد أن أصبح برصيدي خبرة وهو الأمر الذي ساهم بتنفيذ الفيلم بإطاره الأمثل، لا أستطيع أن أقول إنه الأفضل لأن آراء الجمهور مختلفة ومتباينة، فهناك من تفاعل وتأثر أكثر بـ"سوريون" أو "الأب" أو غيرهما.
وبسبب ضائقة الناس تفاعلوا مع الفيلم، لكن بالتأكيد كمستوى فكري وفني برأيي "مريم" له حالة خاصة، وتأتي أهميته باعتباره جاء بعد تجربة تلفزيونية طويلة، ووفق تقييم الكثير من النقاد والمتابعين أنه انتقل بالسينما السورية إلى مستوى آخر مختلف.

​​​​​​​هل كنت تخطط بالفعل للانطلاق بثلاثية عن المرأة أم أن الفكرة جاءت بمحض الصدفة؟
موضوع الثلاثية لم يكن مخططاً له. عندما كنت أصور فيلم "مريم" الكثير من الآفاق فُتحت، والكثير من المواضيع والأفكار بدأت تخطر ببالي، تيقنت أن موضوع المرأة السورية في هذا الزمن الذي نعيشه لابد من أن تحظى بالاولوية، وحينها كنت أعمل على جمع الحكايات والقصص، ورأيت أنه من الضروري العمل على هذه المواضيع بأكثر من فيلم فاستتبعنا مريم ب"الأم" و"سوريون".
المرأة موضوع خالد بالأدب والفن والشعر والمسرح، وهو حجر أساس بالكثير مما قُدّم، فأردت استكمال هذا الموضوع من وجهة نظري، وهذا لا يمنع من أن أعود مستقبلاً للموضوع ذاته وأعمل عليه من جديد وأقدم شخصيات نسائية بظروف أخرى.

​​​​​​​هل ستنطلق بثلاثية عن الرجل السوري كما فعلت بثلاثية عن المرأة السورية؟
فيلم "الأب" ارتبط بوقائع وشخصيات حقيقة استوحينا منها حكاية الفيلم، بالتالي "الأب" فيلم ذو كيان مستقل ومنجز.
وفي حال أردت العمل على مضمون مشابه لاحقاً ،سيكون في إطار تناول جوانب أخرى تعكس معاناة الشعب السوري خلال الحرب.

أي أفلامك هو الأقرب الى قلبك؟
لكل فيلم مكانة خاصة، أحب كل الأفلام التي قدمتها، فكل فيلم أخذ شيئاً مني ووضعت فيه جزءاً من روحي وكرّست له جزءاً من حياتي.
كل فيلم من هذه الأفلام بالنسبة لي هو حياة كاملة عشتها بكل تفاصيلها وتحدياتها وليس مجرد انجاز فني.

​​​​​​​انتهيت من تصوير فيلم جديد عنوانه "الاعتراف" هلا تخبرنا عنه؟
السيناريو كتبتُه بالتعاون مع ابني مجيد، الذي يدرس الإخراج السينمائي في الولايات المتحدة الأميركية، وتدور أحداثه في زمنين، الأول مطلع ثمانينيات القرن الماضي والذي شهدت فيه سوريا إرهاب التنظيمات التكفيرية (الإخوان المسلمون)، والثاني في العام 2017 ، الذي تواجه فيه البلاد جرائم هذه التنظيمات وقد اتخذت طابعاً أكثر وحشية وهمجية.

ما الجديد الذي سنراه بعيداً عن الأفلام الأخرى التي سبق وقدمتها؟
حالة وحكاية ومقاربة للأزمة وتداعياتها بطريقة مختلفة، أيضاً هناك اختلاف على مستوى الصورة وأداء الممثلين.
مجموعة عوامل حاولت العمل عليها لكن بالنهاية لا نستطيع أن نحكم عليها إلا بعد أن نراها مجتمعة على شاشة السينما.

​​​​​​​​​تعاونت عدة مرات مع الفنانة ديمة قندلفت واليوم تجددان التعاون بينكما؟
تعاونا معاً في "الأم" و"مريم" واليوم "الاعتراف"، ديمة ممثلة قديرة وتمتلك إحساساً عالياً، لديها طموح لأن تقدم ما هو مختلف.
عملها في فيلم " الاعتراف " صعب وفيه الكثير من التحدي كونها تقوم بتأدية دورين مختلفين.

والفنانة كندا حنا؟
سبق وعملنا في مسلسل "رسائل الحب والحرب" منذ 10 سنوات، وتعاونا اليوم في أول فيلم سينمائي سوية.
كندا أدهشتني بمدى التزامها وجديتها والإضافات التي تقدمها، تقارب عملها بدرجة كبيرة من الولاء والإحساس بالمسؤولية.

سلاف فواخرجي عملت معك بفيلمي "مريم" و"الأم"، لماذا لم نرها في أفلامك الأخرى؟
إلى جانب الأفلام التي ذكرتها عملت سلاف معي في 3 مسلسلات هي "رسائل الحب والحرب" و"حرائر" و"حدث في دمشق".
تجمعني مع سلاف صداقة قوية وقديمة، وهي من الفنانات القلائل التي يقدم وجودها بالعمل إضافة لافتة. وبالطبع يسعدني أن نعمل مستقبلاً في مشاريع أخرى.

​​​​​​​يقال بأن الدراما السورية تعاني من الدخلاء، فكيف يمكن ضبط الموضوع؟
الموضوع مَثار جدل منذ أكثر من 15 سنة، وهذه بالدرجة الأولى مسؤولية وزارة الإعلام و نقابة الفنانين. كثير من الأشخاص الذين لا يمتون لهذا العمل بصلة، عديمي الموهبة والمعرفة، يعملون اليوم كتاباً ومخرجين وممثلين ومنتجين الخ.. يقدمون أعمالاً رديئة إن لم نقل مسيئة، يتسلقون منبراً ليسوا مؤهلين له.
هذه الظاهرة يجب مواجهتها بوضع ضوابط عمل صارمة بحيث يتم منع هؤلاء الدخلاء من الإساءة أكثر من ذلك وإتاحة الفرصة لمن يستحق أن يعمل فعلاً.

كيف تقرأ تطور الدراما اللبنانية خلال السنوات الأخيرة؟
بالعودة إلى حوارات سابقة قبل سنوات وعند سؤالي عن الدراما اللبنانية تحديداً، كنت أتوقع أن هذا التطور آت. الدراما اللبنانية ذات تاريخ لامع واليوم بدأت تتوفر لها أسباب النجاح ومقومات المنافسة لتستعيد مكانتها السابقة.

ما رأيك بتطعيم معظم المسلسلات السورية بنجوم من لبنان؟
في لبنان توجد مجموعة كبيرة من النجوم والفنانين الرائعين وقد أُتيحت لنا الفرصة أن نتعاون في أكثر من عمل، ومن الطبيعي والضروري استمرار هذه المشاركات.

هل صحيح أن الهوة باتت كبيرة بين الدراما السورية والمصرية؟
لست الآن مع هذه المقارنة.. ففي الوقت الذي توفرت للدراما المصرية كل مقومات التفوق والانتشار غابت هذه المقومات تماماً عن الدراما السورية.

ترقبوا قريباً الجزء الثاني من حوارنا مع المخرج باسل الخطيب .