الصيف في لبنان للنوادي الليلية، للمسابح، للشواطىء، للمهرجانات، للحفلات و الأعراس، الصيف في لبنان لهذا القطاع السياحي اليتيم ، أنبوب الأوكسيجين الوحيد في رئتيّ الإقتصاد اللبناني.
هكذا نعرف أو بالاحرى هكذا أرادونا أن نعرف ، أن نزرع في لا وعينا فكرة الرقص و الشرب و البحر كطقوسٍ وحيدة من طقوس الصيف اللبناني الحار بالحرارة و شغف الحياة. أما المسرح و السينما فلا، هي كوشاح الفرو و أحمر النبيذ، شتويّةٌ من وحي نار الموقدة و جمر الأحلام. هذا التعميم السيكولوجي، أو المعروف بالتطبّع السيكولوجي، عمل على تغييره فريقٌ يتّخذُ من الإبتسامة و الضحك مهنةً و مسيرة. في فندق رويال في ضبيه، حيث يعرض كل من هشام حداد، طوني أبو جودة، جاد بو كرم و بونيتا سعادة مسرحيتهم الكوميدية الجديدة Laugh story ، عنوانٌ من إنتاج اللعب على الكلام، و بالفعل تطبيقٌ لوعد الكلام. قصة ضحكٍ مستمرٍ.
بداية المسرحية عبارة عن ربورتاج يعطي كل ذي حقٍ تمثيليّ حقّه، فيلم صغير عن كل عضو من أعضاء الفرقة، يختصر أبرز إطلالاته التلفزيونيّة، أهمّ ما صرّح به خلال مسيرته، عباراته الأشهر، نُكته الأقوى، كنوع من البطاقة التعريفيّة عنه. من بعدها يبدأ العرض مع جاد ويستمر تباعاً مع كل واحدٍ منهم. بأسلوب ال stand up comedy كما بمشاهد السكيتشات . عند حضورك المسرحيّة تشاهد بعض أنواع النكت القديمة لكن بالطبع ستشاهد الجديد، المتنوّع و المميّز و في هذا فضلٌ للعمل الجماعي الذي لا يخضع لديكتاتوريّة القرار كما الحال مع بعض الفرق الأخرى.
نستهل الحديث عن صاحب الخبرة والحرفية العالية في فن العمل المسرحي، الفنان طوني أبو جودة الذي أطلق عليه لقب "المعلم" زميله هشام حداد.
طوني أبو جودة:
طوني لا يسوّق لنفسه و لا لإسمه، فهو صانعُ مجدٍ كوميدي منذ التسعينيات، كما أنه لم يتغيير في الشكل، فهو لم يتغيّر بمستوى الإبداع العالي، وكأنه يولد كل يومٍ بروحٍ جديدة و فكرٍ جديد، من يتابعهُ منذ بداياته يعرف أن في كل مرةٍ يشاهد "طوني" جديد على المسرح، هو الفيس بريسلي، جورج وسوف، سمير جعجع، ميشال عون، انطوان كرباج. هو لبناني، أميركي، بريطاني، فرنسي... هو سيكزوفرينيا المسرح. هو شخصيات متعددة مستقلّة عن بعضها و لكل منها طابعها الشخصي. يكفي أن يعتلي المسرح لترتسم الإبتسامة على وجوه الحاضرين ، قبل أن ينطق بلسان السيناريو حتى. كوميديٌ بفعل الموهبة و نتيجة الأعمال الكثيرة. في دوره المشترك في برنامج "نقشت"، أظهر طوني أبو جودة عن قدراتٍ هائلة في التمثيل و الإنتقال من حالةٍ إلى أخرى، إزدواجيّة المجتمع اللبناني و خاصةً في رجاله هذه الأيام ، مثّلها طوني ببراعةٍ موجعة، عرّى فيها هذا المجتمع الفاقد للذكورية من على حافّة أنثويّة الطبع. يغيّر الفرق و لا يتغيّر، فهو فريقٌ بحدّ ذاته، من أَلِفِ سرعة البديهة إلى ياء الإبداع.
جاد بو كرم:
أول البادئين في المسرحيّة، لم يعد جاد يعاني من الخجل الإجتماعي، لم يعد Ohmyjad لا، بل أصبح جاد بو كرم، الكوميدي المعروف بهذا الأسم الكامل . بكل ثقة يؤديّ عرضه الكوميدي المعتمد على إلقاء النكت السريعة المترافقة مع موسيقى الغيتار. نكته تتخطى عقد الشرق المحصور بالذكورية و علل أحجام الأعضاء التناسليّة، فهو أجنبي التفكير و العقلية يُخبر كل النكت، حتى المتعلّقة به و بحياته الخاصة و بعائلته، هذه الجرأة و الذهنيّة المنفتحة هي من جعلته متفرّداً في هذا النوع من الكوميديا الجديدة على اللبنانيين، ردّة فعل الناس ربما تكون سريعة أو تتطلّب بضع ثوانٍ لإستعياب النكتة و المعاني المبطّنة فيها، لكن في كلى الحالتين الضحك هو النتيجة الوحيدة. بعد اليوم لن يكون له تبعية لأحد فإسمه أصبح له استقلالية.
بونيتا سعادة:
عرفناها مقلّدة، ثم عرفناها موهبة جديدة في الدراما ضمن مسلسل "كاراميل"، و اليوم وبعد عرض المسرحية، إستحقّت بونيتا لقب الممثلة ، فهي ليست كباقي فتيات المسرح الكوميدي المعتاد في لبنان، عرض للحم و إغراءٌ مبتذل، لا، هي ممثلة جمعت قدراتها على التقليد بمواهبها التمثيلية، فكان لها حصةُ اللبوة في العمل. تتقن تقليد الأصوات، كما الحركة المدروسة على المسرح، تتفاعل مع الجمهور، تلتقط النكتة بسرعة بديهة و تفرض نفسها عنصراً أساسياً في المشهد و ليس مكملاً أو ثانوياً كما الحال مع الأخريات. هي ليست ديكور للفرقة، هي قيمة مضافة و موهبة واعدة تتقدّم صعوداً في المجال.
هشام حداد:
يحقق أحلامهُ و يخلق بالفعل ذاته كوابيس لكثيرين، لم يكن في حسبانهم أن مقدّم برنامج "النكت" هو لا يمزح، ولم يمزح، بل عمل جدياً و فرض نفسه الرقم الأصعب في الكوميديا اللبنانية. برنامجه الرقم واحد وفق كل الإحصاءات، و اليوم ينقل عدوى الرقم واحد إلى المسرحية و يحقنها في أوردة شبابيك التذاكر. أكثر ما هو مستغربٌ و محبوبٌ بشخصيته، هو أنك لا تشعر للحظة بأنه ينكّت أو يمثّل، تشعر و كأنك جالسٌ معه في مطعمٍ ما و يتحدث معك وحدك بأسلوبٍ مرح، فتضحك بلا قيدٍ أو شرط. الفرق بينه و بين الآخرين، هو أنه لا يُمثّل ، بل يقول ما في باله عبر شخصيته و أنتهى الموضوع. لا يمكنك إلا أن تشعر بثقافته الإجتماعية و السياسية و التاريخيّة، يسأل الحاضرين و لكل جوابٍ يخرج به بتعليقٍ كوميدي فائق الذكاء. أسلوبه في المسرحية يشبه أسلوبه في برنامجه، المشاهد تعيش لحظات الضحك التي يختصّ بها هشام حداد بدرجة دكتوراه.
Laugh story، مسرحيّة تستقطب المتلهفين للفرح، تجذب إنتباه العقل المشتاق للحظات سعادةٍ يقتنصها بعد نهار تعب طويل و ليلٍ نائمٍ على وسادة قلق الغد. فلو كان للرايتنغ مكانٌ بين المسرحيات، لكان حطّ رحاله عندهم، فهو هشام حداد ، إسمه أعلى رايتينغ ، و السلام.
لمشاهدة ألبوم الصور كاملاً، إضغطهنا.