أكثر من ستين عاماً على إنطلاقة مهرجانات بعلبك التي استقبلت على مدرجاتها أهم نجوم الوطن العربي كـ فيروز وصباح ووديع الصافي وأم كلثوم. الوقوف أمام هياكل بعلبك حلم يُراود جميع الفنانين في الوطن العربي وحلم الفنانة المغربية سميرة سعيد تحقّق أخيراً ليلة الجمعة الماضية عندما استضافتها لجنة المهرجان بعد غياب لأكثر من 20 عاماً عن إحياء الحفلات في لبنان.
إسم سميرة وأعمالها الغنائية القديم منها والحديث يستحق أن تغنيه مع الجمهور اللبناني في المهرجان العريق، ليست سميرة وحدها من تستحق الوقوف على هذه الخشبة، كثر من الفنانين الكبار لم تتثن لهم الفرصة بذلك، منهم الموسيقار الراحل ملحم بركات الذي كان يحلم بالغناء في بعلبك وهو أكثر من يستحق لكنّه لم يقدّم إلاّ مسرحية غنائية مع غسان الرحباني لأنّ اللجنة لم تكن تقبل إلاّ تقديم المسرحيات الغنائية في وقتها، لكنّ ليلة الجمعة كانت لإبنة المغرب.
وعلى أنغام "هوا هوا" الأغنية الأشهر لمسيرة في العصر الحديث صعدت سعيد على خشبة المسرح في معبد باخوس الذي كان أقرب إلى الجمهور من حيث المسافة، ولأنّ الوقوف في هذا الصرح العريق له رهبته الخاصة التي لم تخفها سعيد، لم تقدّم أولى أغنياتها على أفضل ما يُرام لكنها كانت البداية فقط، حيث قدّمت أجمل أعمالها على مدار الساعة والنصف من "قال جاني بعد يومين" الأغنية التي رسمت نجوميتها في بداياتها مروراً بأجمل أعمالها "بشتقلك ساعات"، "عالبال" و "يوم ورا يوم" وصولاً إلى أحدث أعمالها "محصلش حاجة" و "يا لطيف يا لطيف". ليلة استحقت مسافة الطريق الطويلة من بيروت إلى المدينة البقاعية "حوالي الثلاث ساعات" لولا بعض الهفوات التي كان بالإمكان تجنّبها.
انتظرنا سماع أكثر الأغنيات الراسخة في قلوبنها وعقولنا من سميرة كـ "مش حتنازل عنك" التي طالبها بها الجمهور أكثر من مرة بدلاً من إعادة غناء بعض الأغنيات أكثر من مرة، حيث غنّت "هوا هوا" و "محصلش حاجة" ثلاث مرات لكل منهما و "قال جاني بعد يومين" مرتين، ورغم تهافت الجمهور على هذه الأعمال إلاّ أنّه كان من الأفضل لو قدّمت أغنيات أخرى من أرشيفها الكبير لأنّ هذا المهرجان وجمهوره يستحقون أن تكون هذه الحفلة لا تشبه أي حفل قدّمته في مسيرتها. كما أنّها قدّمت بعض الأغنيات غير المشهورة كـ "مناف" التي حيّت فيها الفنانين الراحلين عبد الحليم حافظ و بليغ حمدي.
أما مفاجأة نجمة الأجيال للجمهور اللبناني فكانت غنائها للسيدة فيروز "عندي ثقة فيك" بطريقة مبهرة شكّكت البعض بأنّ الأغنية عزفت على طريقة البلاي باك لكنّها سميرة التي لا يصعب عليها شيئاً، وكان من الذكاء عدم إختيار أغنية وطنية كمعظم النجوم لتكون باختيارها OUT OF THE BOX، بالإضافة إلى الرسالة التي وجّهتها قبل تقديمها للأغنية، حيث أعتذرت من السيدة فيروز لغنائها لها وقالت: "لا أملك الثقة الكاملة لأغني لفيروز ولكن من شدّة حبي بها وبالجمهور اللبناني سأقدّم أغنية لها"، وهو الأمر الذي تُرفع لها القبعة في زمن كل من يقف على المسرح يتطاول على قامة لبنان ويشويه أغنياتها. والمفاجأة الثانية كانت بتقديم أغنية فرنسية لـ "Edith Piaf" وهي أغنية "non rien de rien" بأجمل ما يمكن أن نسمعها.
محبة الجمهور اللبناني لها كانت كبيرة جداً، كذلك محبة سميرة لهم وللمكان الذي تقف فيه، حيث أكدت أنّه حلم وتحقّق، بالإضافة إلى تغزّلها بالجمهور أكثر من مرة قائلةً: "إيه الجمهور الرائع ده"، و "إنتو إزاي حفظين كل الأغنيات دي". وكان لافتاً حضور أشخاص من جنسيات أجنبية وعربية مختلفة، حيث وجهّت لهم تحية خاصة ووصفتهم بالأوفياء.
ونلفت إلى أنّ تنظيم الزميلة زينة صفير كان رائعاً، وأعطت الصحافة قيمتها من حيث الإهتمام ومكان الحضور.
لم تكن ليلة سميرة عادية على الإطلاق، لكن نقصها المزيد من الإبهار لتكتمل أجمل لوحة قد نحتفظ بها لسنوات وسنوات.