لن نستفيض في الكلام عن أهميّة حركة المهرجانات في لبنان، وما تحمل من فوائد إقتصاديّة و إجتماعيّة و سياحيّة و ثقافيّة.
فهي كالبورصة من أهمّ مؤشرات النمو و الإستقرار الأمني و السياسي الذي يعيشه بلدنا القلق دائماً، لبنان. كما أن المنافسة بين المناطق ألا وهي منافسة صحيّة، فهي في مضمار الفن و الغناء و الفرح و عشق الحياة بأبهى صورها. لذا، و إن انتقدنا أيّ مهرجان، يكون ذلك من منطلقٍ موضوعيّ مهنيّ يهدف إلى تحسين سير عمل التنظيم و اختيار الفنان و التوقيت و المكان.
لكن من أبرز إبداعات النفاق اللبناني هذه الايام، كذبة كبيرة تُرسم عنواناً على صورة إعلان المهرجان على مواقع التواصل الإجتماعي و حتى في الإعلام. البطاقات بدأت تنفذ أو نفذت فعلاً. و لأن اللبناني تعوّد كما في السياسة و في الإقتصاد أن لا يُدقق في الكلام، شعرنا أن من واجبنا الصحافيّ أن ندقق نحن في هذا الشعار الذي يحمل روح "غوبلز"، جنرال الكذب و التضخيم.
لمن لا يعرف كيف يُنظمّ المهرجان في لبنان، سنفنّد له بالتفاصيل عملية تركيب هذا النشاط. يقوم المنظمون و هم في غالبية الأحيان من الفعاليات السياسيّة أو الإجتماعيّة أو البلديّة أو حتى خليط منهم جميعاً ، بالإعداد لمهرجانات الصيف قبل فترة من حلول الموعد. يتمّ الإتفاق مع أحد متعهّدي المهرجانات، و الذي يختصّ في تأمين الفنان بعلاقاته الواسعة،كما يختصّ في تأمين كل إحتياجات المهرجان من مسرح، إضاءة، تنظيف، صوت، إستقبال ، حماية و الخ من العدّة الضروريّة. يحضر الكوميسيون متأهباً في كل سعر معروض مما تمّ ذكره، الفنان الذي يتقاضى 20 الفاً على السهرة، يُعرض ب 60 الف مع "تربيح جميلة" طبعاً على أن هذا السعر هو خاص لصاحب المهرجان لأنه زبون و صديق، فيخجل عيد البربارة من كميّة الأقنعة المرتديّة في إجتماعات التنظيم و تحديد أسعار الفنانين، إلا أن صاحب المهرجان يقبل بأيّ سعرٍ طالما أن الدفع لن يمسّ جيبته، و هذا الامر يستغلّه المتعهّد حتى آخر قطرة دمٍ يمتصّها من أوردة الداعمين الرسميين و غير الرسميين ، المرئيين و المغمورين. وهنا تبدأ عملية طبع الكُتيّب الخاص بالمهرجان و الذي يشرح بالتفاصيل من هم الفنانين المشاركين بالحفل و ما هو جدول النشاطات. حينها تبدأ عملية جمع الدعم المالي أو ما يُعرف بال sponsorship أيّ الرعاية الماديّة للمهرجان، تُقسّم إلى فئات: ماسي، بلاتيني، ذهبي، فضي ، برونزي و لا أعرف إن كان ممكن أن تصل إلى التنكي. يدفع كل داعم المال حسب الرغبة، فالألماسي مثلاً ب 10 آلاف دولار، يحصل من خلالها على نشر الشعار التسويقي له على البطاقات، الحملات الإعلانية، المطبوعات و الخ... دون الدخول في تفنيد فئات الدعم المالي. كما يشتري الداعمون العديد من البطاقات، طبعاً أغلبيّة الداعمين "المرئيين" هم من الشركات الإقتصادية و المصارف و المراكز التجارية و المؤسسات الصناعية و التجاريّة، يستلمون البطاقات و يوزّعونها على موظفيهم كنوع من التحفيزغير المادي او ما يُعرف بعلم الإدارة بال Moral Motivation. و بما أن المبالغ الطائلة التي رُصدت لمتعهد الحفلات قد تمّ تأمينها من قبل الشركات الداعمة مالياً فلا لزوم لبيع كل البطاقات لتعبئة شغور الكراسي، هنا يعمد أصحاب المهرجانات على توزيع البطاقات التي لم تُبع، مجاناً على الأقارب و أهل المنطقة و الأحباب و الغيارى. حينها تبدأ الحملة الإعلانيّة الساطعة كراية الجيوش المنتصرة على الأعداء، SOLD OUT ، هذا الفنان فعلاً "بيّيع" إسمه كبير لدرجة أن الكراسي تهتزّ من كثرة الضغوط عليها من الجماهير الغفيرة، إن المسرح ليرتعب و الأضواء لترتجف، و المدرجات لتتكسر أمام عظمة إسم فنان الصف الأول، الذي يعتلي المسرح منتشياً من الآلاف المتكبدين عناء دفع ثمن البطاقة وليأتوا و يتمايلوا على شذى صوته القوي.
فينيقيٌ غرورنا، صليبيٌ مجدنا، مملُوكيٌّ ضعفنا، عثمانيٌ ظلمنا على أنفسنا، عربيٌ وهمنا و أوهامنا. تماماً كالحضارات التي مرّت علينا. حان وقت قول الحقيقة الساطعة كلبنان: ليس كل ما يلمع ذهباً، و ليس كل من يملأ المدرجات فناناً ناجحاً، و ليس كل من يعلن أن البطاقات نفذت صادقاً. نقول هذه الكلمة....ونمشي.